العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً...

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

سنحت لي الفرصة قبل فترة للالتقاء باستشاري المخ والأعصاب البحريني القدير والمعروف على نطاق واسع الدكتور طه الدرازي، وبعد التحية فاجأته بتوجيه العتب له على إفراطه بالتشاؤم، وذلك على خلفية ما ذكره في إحدى فعاليات الجمعيات المعارضة، حيث قال بما معناه بأن قضية المفصولين ستطول، حيث لا يبدو أن هناك جدية في حل هذا الأمر قريباً. وكان رده أبلغ من أن أرد عليه، ألا ترى بأن القضية لم تحل بعد، حتى بعد مضي ما يقارب من أكثر من ثلاثة شهور على خروج توصيات لجنة تقصي الحقائق!

ترجع معرفتي بالدكتور طه الدرازي إلى أكثر من عقد من الزمن، حين أجرى عملية ديسك ناجحة لوالدتي، حيث عرفته ليس فقط كطبيب قدير، ولكن كإنسان بكل معنى الكلمة، وهو نموذج حي لما تنجبه هذه الأرض الطيبية من إنسان محب لوطنه وللإنسانية جمعاء. وهذا الأمر ليس سمة خاصة فقط بأشخاص معينين، ولكنه أمر متجذر في إنسان هذه الأرض الطيبة، متى ما تعاملت عن قرب معهم، تكتشف معادنهم الأصيلة. فالنموذج الآخر الذي أتشرف بالإشادة به هو الدكتور القدير عيسى أمين، الجراح البحريني المعروف بالمستشفى العسكري، الذي تشرفت بمقابلته وتجاذب أطراف الحديث معه عندما زار مجلس المحرق البلدي، في مهمة رسمية، عندما كان وكيلاً لوزارة الثقافة. فهذه الكفاءات النادرة من أطباء وتربويين، ومهندسين، وصحافيين، ومختلف الكفاءات الأخرى في بلدي، هم نماذج حية ليس فقط في مجال تخصصاتهم بل في سجاياهم الإنسانية الكبيرة، وهنا يحضرني البيت الشعري القائل:

ملأى السنابل تنحني بتواضع

والفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ

الذي حدث في وطني من فصل وإقصاء وإمعان في الإيذاء بكل أشكاله، كشف بكل وضوح هشاشة الأمن بكل صوره المختلفة بالنسبة لفئة كبيرة من المجتمع، وذلك بسبب تعبيرهم عن تطلعاتهم المشروعة التي كفلتها جميع المواثيق والقيم الدولية والإنسانية.

فنحن نعيش تناقضاً واضحاً وفاضحاً، بين الممارسات الفعلية وبين ما يكتب ويروج له في الإعلام، حيث إن المطلع على الأدبيات الخاصة بحقوق موظفي القطاع العام بمختلف درجاتهم الوظيفية، بصورة خاصة، يجدها تزخر بمختلف النعوت التي دائماً ما يتغنى بها، والتي تتعلق بالاهتمام الكبير الذي يحظى به إنسان هذا البلد من رعاية واحتضان للكفاءات المختلفة، من خلال توفير الفرص النوعية لهم للنمو المهني، لكي يسهموا في رفع مستوى الخدمات المختلفة التي توفرها هذه القطاعات المهمة.

إنه من المسلَّم به أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار بالنسبة للأوطان. فلا يضاهيه ولا يعوض عنه أي استثمار آخر، وهذا راجع بكل بساطة إلى أن الإنسان المتعلم والذي حصل على درجات عليا من التحصيل والخبرة والتدريب والمران هو من يستطيع أن يسهم بشكل كبير وفعال في النهوض بالوطن في شتى المجالات، كلٌ حسب تخصصه. وهو استثمار بعيد المدى، ولا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة أعوام طوال من العمل الدؤوب والمتواصل والتخطيط والتحصيل، والمعاناة.

ولكن في نهاية المطاف هو استثمار في مكانه الصحيح، وإذا ما بني على أسس متينة فإنه لاشك يؤتي أكله بعد حين. كما أن هذا الاستثمار في البشر يحتاج إلى تضافر أطراف عديدة، يساهم فيها الأفراد أنفسهم، وذووهم، والجهات الرسمية المعنية.

ومن الطبيعي أن تكون لهذا النوع من الاستثمار كلفته المادية الكبيرة، والتي لا يؤسف عليها أبداً، إذا ما تم اختيار العناصر البشرية الواعدة، وذلك على أسس علمية وموضوعية وبعيدة عن الطائفية والفئوية والمصالح الشخصية الضيقة التي ليست بأي حال من الأحوال من صالح الوطن، لا على المدى القصير والبعيد، بل هي تعمق الأزمة القائمة وتسهم بشكل مباشر في إفشاء الشعور بالكراهية بين مكونات المجتمع المختلفة.

ومن الأخطاء الجسام التي حدثت في وطني الحبيب نتيجة للحراك الشعبي، هو استهداف هذه الفئات ذوي الكفاءات الكبيرة التي استثمرت فيها لسنوات عديدة، وحصلت على تأهيل كبير، ليس من اليسر استبدالهم بأفراد آخرين، وذلك لأنهم، صناعة محلية، حبهم وولاؤهم لهذا الوطن الذي ضم رفات آبائهم وأجدادهم الأوائل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبدالهم بمواطنين من دول أخرى يكونون أشد حرصاً وعطاءً وإخلاصاً وتفانياً منهم. وهذا ليس كلاماً إنشائياً، ولا عاطفياً، بل هو حقيقة ماثلة أمام أعيننا، والشواهد على ذلك كبيرة وكثيرة.

وهنا تبرز إشكالات حقيقية في تعريفاتنا للمواطنة الحقة، وللحقوق والواجبات، حيث إن هذا الأمر استغل مؤخراً أبشع استغلال لضرب أكبر مكون في هذا البلد، من خلال تخوينه، وبشكل ممنهج، وعن طريق وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية، وبصور شتى. وهذا راجع في اعتقادي في المقام الأول إلى عدم استنادنا إلى مرجعيات واضحة ومتفق عليها، مثل المواثيق الدولية المؤطرة لمثل هذه التعريفات، وعليه فإنه بات من الضروري تبني مثل هذه المرجعيات الدولية التي يحترم فيها الإنسان، حتى لا يحدث ما هو جارٍ الآن من استغلال مجحف لضرب كل من طالب بأبسط حقوقه الدستورية.

وإن أوضح دليل على غياب المرجعيات المؤطرة التي من شأنها حفظ حقوق المواطنين كافة، هو ما تم من انتهاكات وصلت إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه من إقصاء وتهميش وتنكيل بشتى صنوفه وأشكاله، وهذا ما كشفه تقرير تقصي الحقائق، الذي وصفه الكثير ممن تعرض لهذه الانتهاكات، بأنه لم ينصفهم، ولكنه على رغم هذا القصور الذي شابه، كما يراه الكثيرون، إلا أنه شخّص أوجهاً كبيرة من هذه الانتهاكات، التي لا تتوافق مع أبسط حقوق الإنسان.

ومن أساسيات المصالحة الوطنية التي يجب أن تتبناها السلطة، وفي أسرع وقت ممكن، من أجل وطننا الغالي، هو إحقاق الحقوق وإنصاف الفئات المظلومة. وأن يتم ذلك عن رغبة حقيقية ومخلصة وجادة في فتح صفحة جديدة من التعاطي مع المواطن على أساس أنه مواطن له حقوق وعليه واجبات. وهذا يعني، ضمن أمور كثيرة، إلغاء الكثير من القرارات المجحفة، على سبيل المثال لا الحصر كقرارات الترقيات، التي صدرت بغرض التنكيل بمن صدر منهم فعل أو كلمة لها علاقة بالمطالبة بالحقوق المشروعة بالطرق السلمية المحضة، والتي وزعت وكأنها غنائم حرب، على من ساهم في ضرب الحراك الشعبي. كما أن المصالحة الحقيقية مع الشعب يكمن في معالجة المشكل الحقيقي والذي لا مناص منه وهو الاستحقاق السياسي.

وأنه من أبسط حقوق المواطنة هو أن يكون كبار موظفي الدولة في خدمة الشعب، ويرعون مصالح من ينضوي تحت مظلة وزاراتهم ومؤسساتهم، لا أن يكونوا هم من يسهم في انتهاك حقوقهم والعمل على إذلالهم. وهذا لعمري إمعان في الظلم، من ذوي القربى بالمفهوم الشامل لهذا المصطلح، الذي يفهمه كل من تقلد المناصب العليا من أجل الإسهام في رفعة هذا الوطن المعطاء ومواطنيه، على حد سواء، دون التفريق بين هذا وذاك!

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:44 م

      من أخذ حقا ليس له فهو ظالم ظالم

      أخذ حقوق الغير ظلم ظلم وعاقبته خسران مبينا

      ونهايته لا تفرح أخذ حقوق الغير فسارعوا الى اعادة الحقوق قبل فوات الاوان

    • زائر 5 | 4:45 ص

      كفاءات وطنيه

      انهم من نفخر بهم دائما ونشعر بنجاحاتهم ونفرح لها ولو تذكرنا احمد حماده الرياضي في العاب القوى وميداليته لتوقف التاريخ عند هذه الميداليه ولو نفوز بآلاف الميداليات بغير المواطن البحريني الأصيل فلن نشعر بها هكذا هم البحرينيون مبدعون وعنصريون في حبهم للإنجاز البحريني الخالص

    • زائر 4 | 4:20 ص

      آه على الدنيا يا دكتور طه الدرازي

      تشرفت بمعرفة ولقاء الكتور طه, و يعجز لساني عن الكلام لأني مهما قلت لن أفيك حقك ، إنسان بمعنى الكلمة متواضع خلوق حساس هو كنز ، أدعوا الله أن تزول عنك هذة الغمه وترجع مرفوع الرأس يا أشرف الخلق.

    • زائر 2 | 11:52 م

      ملخص الحديث.. العين ترى ما لا تسمع الأذنُ.. أي نفاق وكذب!! لا وعلى ثقيل.. لا يصدقه إلا البلهاء أو المتمصلحين..

      فنحن نعيش تناقضاً واضحاً وفاضحاً، بين الممارسات الفعلية وبين ما يكتب ويروج له في الإعلام..

    • زائر 1 | 11:06 م

      ولد البلد

      لقد تشرفت انا ايضاً بالتعامل مع هذين المواطنين الشريفين و لا يمكنني إلا أن أشد على يدك لما كتبت في حقهما و هو قليل.

      و تعجز كلمات الفخر عندم نذكر أطباء آخرين هم أيضاً قمم و درر في التعامل الإنساني و التفاني في سبيل الوطن و الحق و على رأسهم د. علي العكري و عبدالرحمن فخرو و أحمد جمال.

اقرأ ايضاً