العدد 3478 - الخميس 15 مارس 2012م الموافق 22 ربيع الثاني 1433هـ

مواجهة الدكتاتورية بأسلوب واقعي (2)

جين شارب comments [at] alwasatnews.com

فيلسوف متخصص في سياسة اللاعنف

شهدت السنوات الأخيرة انهيار العديد من الأنظمة الدكتاتورية المختلفة، سواء كانت هذه الأنظمة ذات أصل داخلي أو خارجي، عند مواجهتها لتحدي الشعوب المنتظم، وأثبتت عدم قدرتها على تحدي الشعوب السياسي والاقتصادي والاجتماعي المشترك على رغم أنه ينظر إليها على أنها أنظمة متوطدة ومنيعة.

فمنذ العام 1980 استطاع تحدي الشعوب الذي تميز في الغالب باللاعنف إسقاط الأنظمة الدكتاتورية في استونيا ولاتفيا ولتوانيا وبولندا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وسلوفينيا ومدغشقر ومالي وبوليفيا والفلبين. وعملت المقاومة باستخدام النضال اللاعنفي على ترسيخ التوجه نحو الديمقراطية في نيبال وزامبيا وكوريا الجنوبية وتشيلي والأرجنتين وهاييتي والبرازيل وأوروغواي وملاوي وتايلند وبلغاريا وهنغاريا وزائير ونيجيريا وأجزاء مختلفة من الاتحاد السوفياتي السابق. حيث لعبت دوراً مهماً في هزيمة الانقلاب المتشدد الذي حصل في أغسطس/ آب العام 1991.

بالإضافة إلى التحدي السياسي العارم في الصين وبورما والتبت في السنوات الأخيرة من أن هذا النضال لم يقضِ على أنظمة الحكم الدكتاتوري أو الاحتلال القائمة إلا أنه كشف عن الطبيعة الوحشية لهذه الأنظمة القمعية أمام أعين المجتمعات الدولية، كما أنه قدم للشعوب خبرة قيمة عن هذا الشكل من النضال.

من المؤكد أن انهيار الأنظمة الدكتاتورية في البلدان الوارد ذكرها أعلاه لم يمحُ المشاكل الأخرى في هذه المجتمعات: فالفقر والجريمة وعدم الفاعلية البيروقراطية وتخريب البيئة هي ما تورثه الأنظمة القمعية. ولكن سقوط هذه الأنظمة الدكتاتورية كان له الحد الأدنى من تخفيف معاناة ضحايا القمع، وفتح الطريق أمام إعادة بناء هذه المجتمعات بوجود حريات سياسية وديمقراطية وشخصية وبوجود عدالة اجتماعية.


مشكلة متواصلة

من الملاحظ أنه خلال العقود الماضية أصبحت هناك توجهات أكبر نحو تطبيق للديمقراطية والحرية في العالم. فبحسب ما جاء في مسح أصدرته مؤسسة «فريدوم هاوس» التي تنشر مسحاً دولياً سنوياً بشأن وضع الحقوق السياسية والحريات المدنية، فإن عدد الدول في العالم التي تصنف على أنها «حرة» قد زاد بشكل كبير خلال عشر السنوات الأخيرة.

وعلى رغم هذه الظاهرة الإيجابية إلا أن هناك أعداداً كبيرة من الشعوب التي لاتزال تقبع تحت الظلم. فمنذ يناير/ كانون الثاني 1993، بلغت نسبة الشعوب التي لاتزال تعيش في بلدان ومناطق «غير حرة» أي المناطق التي تكون فيها الحقوق السياسية والحريات المدنية محدودة جداً 31 في المئة من عدد سكان الكرة الأرضية البالغ (7 مليارات نسمة في 2011).

يحكم البلدان والمناطق البالغ عددها 38 و12 على التوالي وتصنف على أنها «غير حرة» مجموعة من الأنظمة الدكتاتورية العسكرية مثل بورما والسودان أو الأنظمة القمعية التقليدية مثل بعض الدول العربية وبوتان (أو الأحزاب السياسية المسيطرة) مثل الصين وكوريا الشمالية (أو الاحتلال الأجنبي) مثل التبت وتيمور الشرقية أو تكون في مرحلة انتقالية.

نجد اليوم أن العديد من البلدان تمر في مرحلة من التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السريع، فرغم أن عدد البلدان «الحرة» قد ازداد في السنوات العشرة الأخيرة إلا أن هناك خطراً محدقاً يتمثل في أن العديد من الأمم، أثناء هذه التغييرات الأساسية السريعة، تأخذ اتجاهات معاكسة لتقع تحت نير أنظمة الدكتاتورية جديدة، حيث تسعى الزمر العسكرية وأصحاب المطامح، والمسئولون المنتخبون، والأحزاب السياسية المذهبية باستمرار من أجل أن تفرض إرادتها، وتبقى الانقلابات ظاهرة مألوفة، وتستمر ظاهرة انتهاك حقوق الإنسان الأساسية والحقوق السياسية للعديد من الشعوب.

لايزال الماضي لسوء الحظ يعشش بيننا، حيث تعتبر مشكلة الأنظمة الدكتاتورية مشكلة عويصة. هنالك العديد من الشعوب التي تعيش تحت القمع المحلي أو الأجنبي منذ عشرات بل مئات السنين. وغالباً ما يكون الخنوع إلى رموز السلطة والحكام دون مساءلة قد غرس في الذهن، ففي أكثر الحالات تطرفاً تكون مؤسسات المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية - خارج حدود سيطرة الدولة - قد أضعف عمدا أو حولت إلى مؤسسات تابعة أو قد استبدلت بمؤسسات صارمة تستخدم من قبل الدولة أو الحزب الحاكم للسيطرة على المجتمع ويكون المواطنون قد شتتوا لدرجة أنهم أصبحوا كتلة من الأفراد المعزولين الذين لا يستطيعون العمل معاً لنيل الحرية أو نيل بعضهم البعض أو حتى المبادرة بأي شيء.

تكون النتيجة بطبيعة الحال متوقعة حيث يصبح المواطنون ضعفاء لا حول لهم ولا قوة وتنقصهم الثقة بالنفس وغير قادرين على المقاومة، وغالبا ما يخافون الحديث عن مدى كرههم للنظام الدكتاتوري وحلمهم بالحرية حتى مع عائلاتهم وأصدقائهم، حتى أن الرعب يدب في قلوبهم إذا فطروا جديا بالمقاومة، وفي النهاية تجدهم يعانون دون سبب ويواجهون مستقبلا بلا أمل.

ربما تكون الأوضاع الحالية تحت الأنظمة الدكتاتورية أسوأ بكثير مما كانت عليه في الماضي نجد في الماضي أن البعض اتخذ من المقاومة طريقا وربما كانت هناك احتجاجات عارمة ومظاهرات وربما تكون الروح المعنوية قد ارتفعت ولكن لوقت قليل وربما قام الأفراد والمجموعات بمبادرات شجاعة مؤكدين على مبادئهم أو تحديهم في أوقات أخرى. إن أعمال المقاومة هذه، بغض النظر عن نبل دوافعها، لم تكن كافية للتغلب على الخوف المتجذر لدى الناس وعادة الطاعة المزروعة فيهم، الأمر الذي يعتبر من المتطلبات الضرورية للقضاء على الأنظمة الدكتاتورية. من المؤسف أن مثل هذه الأعمال أدت إلى المزيد من المعاناة وأعداد القتلى بدلا من تحقيق الانتصارات أو حتى تحقيق الأمل.


حرية عن طريق العنف

ما العمل إذا في مثل هذه الظروف التي تبدو فيها الإمكانات الجلية وكأنها عديمة الفائدة حيث ان الأنظمة الدكتاتورية غالبا ما تتجاهل المحددات القانونية والدستورية والأحكام القضائية والرأي العام. يكون استنتاج الناس في ردة فعلهم على الممارسات الوحشية والتعذيب والاختفاء والقتل أن العنف وحده فقط قادر على القضاء على الأنظمة الدكتاتورية. فنجد أحياناً أن الضحايا الغاضبون ينظمون صفوفهم لمحاربة ممارسات الأنظمة الدكتاتورية الوحشية مستخدمين ما أتيح لهم من عنف ومن قدرات عسكرية على رغم ضعف فرص النجاح ويقاتلون بشجاعة ويدفعون ثمناً باهظا في المعاناة والأرواح، ويحققون إنجازات مميزة ولكن قليلا ما أدت أعمالهم إلى الحصول على الحرية، لأن الثورات العنيفة غالبا ما تواجه بممارسات قمع وحشية ما تبقى من أمل لدى الناس.

خيار استخدام العنف مهما كانت حسناته يعكس بوضوح أمراً واحداً وهو أن اللجوء إلى وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائماً بالتفوق فيه. تتميز الأنظمة الدكتاتورية باستعدادها لاستخدام العنف الذي تستطيع به سحق الحركات الديمقراطية مهما طال الزمن وفي نهاية المطاف لا تجد هذه الحركات أمامها خياراً إلا مواجهة الحقائق العسكرية الصعبة وهي أن الأنظمة الدكتاتورية تتفوق بامتلاكها للعتاد العسكري والذخائر ووسائل النقل وتتفوق بحجم العسكرية بحيث لا تستطيع الحركات الديمقراطية برغم شجاعة أفرادها من أن تكون، في أغلب الأحيان، مثلاً لها.

يلجأ المنشقون عادة إلى حرب العصابات عندما يتضح لهم عدم واقعية التمرد العسكري، ولكن هذا الخيار لا يعود في أغلب الأحيان بالنفع على الشعوب المضطهدة أو يقودها نحو تحقيق الديمقراطية. إن خيار حرب العصابات يؤدي إلى وقوع خسائر فادحة في أبناء الشعب المضطهد، أضف إلى ذلك أن إمكانية فشل هذا الخيار واردة على رغم وجود نظرية وتحليلات استراتيجية معززة ووجود دعم دولي له. وعادة ما تستمر حرب العصابات إلى فترات طويلة يقوم خلالها النظام الحاكم بإجبار السكان على النزوح، ما يؤدي إلى معاناة جسيمة.

وحتى إذا حققت حرب العصابات نجاحاً فإن لها أثراً سلبيا على المدى البعيد فهي تحول النظام الدكتاتوري الحالي إلى نظام أكثر دكتاتورية، وعند نجاح مقاتلي حرب العصابات توليهم السلطة فإنهم يخلقون نظام حكم أكثر دكتاتورية من النظام الذي حاربوا ضده بسبب تأثير مركزية القوات العسكرية الممتدة وبسبب ضعف دمار مجموعات ومؤسسات المجتمع المستقلة – التي هي بمثابة العناصر الحيوية في إنشاء مجتمع ديمقراطي دائم – أثناء فترة النضال. من هنا فإن على خصوم الأنظمة الدكتاتورية أن يبحثوا عن خيار آخر. (يتبع)

إقرأ أيضا لـ "جين شارب"

العدد 3478 - الخميس 15 مارس 2012م الموافق 22 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً