استوقفني وأثار الفضول الصحافي لدي، فجلست أفكر في المغزى السياسي والاجتماعي لهذه الزيارة المرحب بها من قبل عوائل الضحايا. وعادةً ما يلازم هذا الفضول الكاتب في كل زمان ومكان. وقد تساءلت عن أبعاد الزيارة والرسالة من خلفها، وأثرها على نفوس أهالي الشابات الفقيدات من جهة، وعلى شعب البحرين من جهة ثانية... وهل سيتحقق ما يصبو إليه الجميع من هذه الزيارة؟

سأتناول الهدف من تقديم التعازي والمواساة لستِّ رياحين من شابات البلد المفقودات إثر حادث أليم، من أعلى الهرم السياسي اجتماعياً، باعتبار ما لها من جانب إنساني عظيم. فالزيارة أوصلت رسالة واضحة بأن أهل البحرين شعب أصيل يتسم بالود والإخاء والمحبة، وليس خائناً كما يريد أن يصوره بعض الكتاب، أو متوحشاً ويلحق الأذى بالناس كما روّج له البعض، أو الإعتداء على الأبرياء من الجاليات الأجنبية هناك. فأكثر من نصف الجاليات الأجنبية تعيش في أحضان القرى المسالمة، ولم نرَ أي طالب للقمة العيش، قد أهين أو تعرض للضرب كما تروّج له هذه الصحافة ضد هذا الشعب بهدف تشويه سمعته.

أن هذه الزيارة قد لا تروق للبعض كي لا ترجع المياه إلى مجاريها ويخسرون امتيازاتهم كونهم تعودوا الاقتيات على فرق تسد، فهم يزعجهم التواصل والتصالح والتلاحم بين فئات المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى لا تريد خسران امتيازاتها بما تعلنه من عداء لهذه الفئة المستهدفة، كونهم متخصصين في تلفيق التهم الجزاف ضد أبناء البلد.

هذه الزيارة المفاجئة تنم عن مدى تلاحم شعب البحرين وترابطه، وكانت ضمن الأعراف السائدة نهاية القرن العشرين بين العائلة الحاكمة وعوائل الشعب البحريني. وهذه الحادثة العفوية تعيدني بالذاكرة إلى زيارات كانت تقوم بها الشخصيات الكبيرة إلى المناطق الشعبية للحديث عن البحر والزراعة وصيد السمك.

حقيقة القائد المحنك لا يكن الخصومة لشعبه فليس له غنى عنه، فقديماً هو من يسهر على تحقيق مطالب الناس، والرسول محمد (ص) يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته». وكما قال الإمام علي (ع): «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم أسداً ضارياً، تغتنم أكلهم، وتنتهز مرة أخطاءهم، فإنهم صنفان: أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق». لقد كانت تربطهم بشعب البحرين الطيب علاقات مودة، ما حدا بهم إلى زيارة القرى، من غير مواكب ولا حرس ولا عسكرة ولا إعلام، حالهم كحال أي مواطن، كما فعل ولي العهد في هذه الزيارة التي كان لها بالغ الأثر على أهل الفقيدات من جهة، وعلى الشعب البحريني المسالم المتسامح ذي الأخلاق النبيلة من جهة ثانية.

إن وضع الحجّاب والفروقات بين القادة والشعب وعدم التواصل، يوجد ثغرة كبيرة بين المواطنين والنظام، تزداد اتساعاً عندما تداخلت القضايا، فضلاً عمّن قام بتغذيتها من الكتاب الموتورين وأهل الفتنة والشقاق، الذين لا يهنأ لهم بَال إلا بشق اللحمة الوطنية وإثارة النعرات والخلافات بين أبناء البيت الواحد.

ما تداول من الحديث كما ذكر بعض منها، في التغريدات على شبكة «تويتر» بأن أهل المنطقة رحبوا بالضيف بصدق ومحبة، فهي من شيم العرب وعاداتهم، وقد تم استقبال سمو ولي العهد بما يليق وهو يقدّم العزاء في هذا المصاب الجلل، وبعضهم نقل مآسي القرى بسبب الحصار اليومي، والبعض تحدث عن المشاكل الناتجة من الأزمة التي عصفت بالبلاد والعباد.

نتمنى أن تكون زيارة سمو ولي العهد بارقة أمل بإذابة الجليد، ولَغَدا يذوب الثلج ويبان المرج وتظهر الحقيقة بعد أن تهدأ النفوس بإرجاع الحقوق