وسط تحذيرات من انهيار عملية السلام، وفي ظل تصعيد خطير آخر يزيد من احتمالات انهيار الهدنة بعد مرور 7 أسابيع على إعلانها، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلية أحد أهم قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» محمد سدر، الذي استشهد في مواجهة مع قوات إسرائيلية اجتاحت مدينة الخليل بعد معركة استمرت ساعات استخدمت فيها قوات الاحتلال 5 صواريخ من طراز لاو. وعلى رغم ان حكومة أرييل شارون رمت «الهدنة» مع الفلسطينيين في مهب الريح ودفعت الوضع إلى حافة الانفجار ضاربة بعرض الحائط بالمساعي والجهود الدولية المكثفة لإنقاذ عملية السلام والبدء في تطبيق بنود «خريطة الطريق» اعتبرت الصحف العبرية، عملية اغتيال الشهيد سدر، عملية ناجحة من حيث التكتيك والتخطيط ولكنها تدل على هشاشة الهدنة بحسب ملاحظة «هآرتس»... وأبرزت إعلان الحكومة الإسرائيلية انها أبلغت الولايات المتحدة تجميد «خريطة الطريق» إلى أن يفي الجانب الفلسطيني بالتزاماته بالنسبة إلى تفكيك التنظيمات الفلسطينية المسلحة. وذكرت «هآرتس» ان هذا القرار اتخذ خلال اجتماع حضره رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، ووزير الدفاع شاؤول موفاز، وقادة الجيش والأجهزة الأمنية. في حين نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسئول كبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية قوله ان «ساعة الحقيقة دقت لأبومازن (رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس) ومحمد دحلان (وزير الدولة لشئون الأمن). طالما لم يتخذا إجراءات حاسمة ضد المنظمات لن ننتقل إلى المرحلة الثانية من خريطة الطريق. لن نسلم (الفلسطينيين) مدنا أخرى (في الضفة الغربية) ولن نفرج عن معتقلين ولن نناقش مسألة قيام دولة فلسطينية». ونقلت الصحيفة عن موفاز قوله «لن استغرب لو علمت بأن ياسر عرفات وراء الاعتداءات الأخيرة» طارحا مسألة احتمال إبعاد الزعيم الفلسطيني. ذلك على رغم ما كشف عنه أو زعمه زئيف شيف في «هآرتس»، من ان جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني التابع لوزير الدولة لشئون الأمن محمد دحلان صادر مبلغ 3 ملايين دولار كان من المفترض أن تصل إلى «الجهاد الإسلامي» من إيران!!... وعلى رغم ان هذا الإنجاز ـ بحسب تعبير شيف ـ لا يجب الاستهانة به فإن الثلاثي (أبومازن ـ محمد دحلان ـ سلام فياض) لم يستطع حتى الآن فرض الهدنة على تنظيمه الخاص أي حركة «فتح».. إذا ما زال الثلاثي «المرضي» عنه أميركيا... تحت «الاختبار الإسرائيلي».
«هآرتس»، اعتبرت في افتتاحيتها، ان اغتيال المسئول في الجهاد الإسلامي محمد سدر، عملية ناجحة من حيث التكتيك والتخطيط ولكنها تدل على هشاشة الهدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مستدركة ان هذه العملية ليست وحدها ما يدل على هشاشة الهدنة بل أيضا الاشتباكات المتواصلة بين رجال الأمن الإسرائيليين وناشطين من مختلف الفصائل الفلسطينية إضافة إلى العمليات «الانتحارية» التي حصلت أخيرا. وزعمت ان الفصائل الفلسطينية تستغل الهدنة لإعادة رص صفوفها وتجنيد ناشطين جدد فيها كما وتستغلها للتخطيط بحسب الصحيفة العبرية، لأعمال «إرهابية» جديدة. مضيفة، ان الهدنة، في أي حال، إن استمرت حتى الموعد المحدد لانتهائها فمن المستحيل تمديدها. من جهة أخرى، وفي تبرير واضح للتصعيد العسكري الإسرائيلي، رأت «هآرتس»، ان سياسة ضبط النفس التي كانت تتبعها «إسرائيل» لم يكن من المعقول أن تستمر في اتباعها وهي تشاهد بأم العين «تقاعس» الحكومة الفلسطينية عن تفكيك البنى التحتية لما يسمونه الإرهاب. وهنا أكدت «هآرتس» ان تأييد «الشعب الإسرائيلي» لعملية السلام رهن بموقف الحكومة الفلسطينية من الفصائل الفلسطينية إضافة إلى ظهورها بمظهر الحكومة الصلبة القادرة على تنفيذ وعودها والقيام بالمطلوب منها لتبرهن للشعب الإسرائيلي انها تريد السلام فعلا!!
أما معلومات عاموس هاريل في «هآرتس»، فتؤكد ان الشهيد سدر كان يخطط لإرسال «انتحاري» ليفجر سيارة مفخخة في القدس أو الخليل في المستقبل القريب... كما زعم انه كان يقيم مختبرا للأسلحة داخل المبنى الذي تم اغتياله فيه. ونقل عن مصادر أمنية إسرائيلية ان مسئولين رفيعي المستوى في حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» قد استأنفوا التخطيط لعمليات «إرهابية» جاهزة للتنفيذ. وطبعا لم يسلم الرئيس الفلسطيني من تهمة التورط في العمليات، إذ شملته معلومات هاريل، الذي نقل عن مصادر في الجيش الإسرائيلي ان ياسر عرفات كان يشجع خلايا تنظيم «فتح» في شمال الضفة الغربية على تنفيذ أعمال «إرهابية» كما انه نقل بحسب زعم المصادر عينها، ان عرفات أرسل أموالا لخلية تابعة لحركة «فتح» في مخيم بلاطة لتنفيذ العملية «الانتحارية» في رأس العين.
وعلى نحو مثير، زعم زئيف شيف في «هآرتس»، ان جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني التابع لوزير الدولة لشئون الأمن محمد دحلان صادر مبلغ 3 ملايين دولار كان من المفترض أن تصل إلى «الجهاد الإسلامي» من إيران. ولفت شيف إلى ان المبلغ عبر في دول عربية لم يسمها قبل أن تقوم السلطة الفلسطينية بمصادرته وتوزيعه على جمعيات خيرية لم يحددها أيضا ولم يشر إلى «شفافية» توزيعها. وأشار شيف، إلى ان هذا الانجاز لا يجب الاستهانة به على رغم ان الثلاثي (أبو مازن ـ محمد دحلان ـ سلام فياض) لم يستطع حتى الآن فرض الهدنة على تنظيمه الخاص أي حركة «فتح». إضافة إلى هذا الإنجاز ثمة إنجاز آخر قامت به الحكومة الفلسطينية على حد قول شيف، في محاولة ردع الفصائل الفلسطينية عما أسماه «الإرهاب» هو انخفاض لغة التحريض ضد الإسرائيليين واليهود في الأراضي الفلسطينية الذي من شأنه على حد قول شيف، أن ينعكس على الدول العربية. لكن شيف، لفت من جهة أخرى إلى ان الفشل مازال حليف المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن عدد كبير من المسائل. معتبرا ان المسئول عن ذلك إلى جانب السلطة الفلسطينية غير القادرة على تفكيك الفصائل، هو «إسرائيل» التي لا تحاول إيجاد نافذة للحوار مع الشعب الفلسطيني كما انها لا تحاول أن تقنع هذا الشعب ان «إسرائيل» ليست بصدد إشعال حرب أهلية في ما بينهم. مضيفا ان على الدولة العبرية، أن تقنع الشعب الفلسطيني ان وضع حد «للإرهاب» لا يصب فقط في مصلحة «إسرائيل» وحدها بل في مصلحتهم ككيان خالٍ من السلاح. وختم بالقول انه طالما بقي صوت السلاح الذي تموله إيران، على حد زعمه، عاليا فلا يتوقعنّ أحد سوى المزيد من الدماء، زاعما في نهاية مقالته إلى ان الفصائل وعلى رأسها «حماس» تقاتل من أجل المال ومن أجل الجهة التي ترسل إليها المال، في إشارة من شيف إلى إيران.
لكن هناك دائما في الصحف العبرية، من يشير مباشرة إلى الصراع داخل الكيان العنصري، بشأن الحلول المطروحة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. ورأى ياحيم برايور في «هآرتس» انه في حال كان الإسرائيليون يريدون فعلا أن تكون لديهم دولة يهودية «صرفة» عليهم أن يمنعوا تدفق الفلسطينيين إلى «إسرائيل»، معتبرا ان هذا التدفق يؤدي إلى تغيير ديمغرافي خطير في «إسرائيل». وعرض برايور الخطوات التي يجب أن تتبعها السلطات الإسرائيلية للوصول إلى الدولة المنشودة ألا وهي: أولا: الاستمرار في بناء الجدار الواقي الذي يهدف ليس فقط إلى منع دخول «الإرهابيين» إلى «إسرائيل» بل أيضا إلى وقف الامتداد الديمغرافي للفلسطينيين إلى «إسرائيل»، فالتهديد برأي برايور، هو بالدرجة الأولى تهديد ديمغرافي لوجود اليهود في «إسرائيل». أما الخطوة الثانية فهي عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في «إسرائيل»، لأن الأخيرة يجب أن تتوقف عن تحمل مسئولية الاقتصاد الفلسطيني. ثالثا إعادة اليهود الموجودين في الأراضي الفلسطينية إلى «إسرائيل» لأن اليهود يجب أن يعيشوا في «إسرائيل»، وليس في فلسطين!! لذلك يجب إخلاء كل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية. والخطوة الرابعة هي على حد قول برايور، تنفيذ كل الخطوات الآنفة الذكر حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق ثنائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في إشارة إلى تنفيذ خريطة الطريق. من جهة أخرى، لاحظ برايور، انه على رغم ان غالبية الشعب الإسرائيلي تؤيد فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين فإن السلطات الإسرائيلية مازالت تسمح للعمال الفلسطينيين بدخول «إسرائيل»، كما انها مازالت تشجع الاستيطان على الخط الأخضر وتتساهل، على حد زعمه، في السماح بدخول الفلسطينيين إلى «إسرائيل». إلا ان الكاتب الإسرائيلي أوضح ان سلوكا كهذا مرده إلى ان اليمين الإسرائيلي يؤيد استمرار مشروع الاستيطان وإلى الخوف الموجود في الحكومة الإسرائيلية خصوصا لدى تكتل «ليكود» وحزب العمل من الأقلية المؤلفة من المستوطنين المتطرفين في داخل الحكومة
العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ