العدد 3456 - الأربعاء 22 فبراير 2012م الموافق 30 ربيع الاول 1433هـ

ذاكرة المكان... ذاكرة الروح

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الحنين للمكان حنينٌ لا يفتر ولا يأفل. حنينٌ يرتبط بالدهشة الأولى والارتباط الأول بشيءٍ يسيطر على اللاشعور ولا يظهر إلا حينما يفقده المرء.

في الحنين إلى المكان حنينٌ إلى أشخاص ارتبطتْ بهم الذاكرة وارتبط بهم الوجدان، أو حنينٌ لذكرى لم تكن كالمتوافر من غيرها.

في الحنين للمكان انتصارٌ على المسافة والفراق؛ فكم من أماكن ظلت قابعةً بدواخلنا حتى بعد الابتعاد عنها، وكم من أماكن ظلّ الحنين يشتد إليها ونحن بين أحضانها.

الأماكن كالأفراد؛ لها خصوصياتها وأحضانها وهي ذاتها التي تزرع فينا القدرة على تفقد قلوبنا حين نفقدها ذات غفلة، أماكن بعواطف بشر تهبك حميمية تشعر بها صارخة كلما زرتها أو مررت عليها.

وكغيري ممن فقدوا أماكن أحبوها، فقدتُ مكاناً تعلقت به حتى الرمق الأخير من الوعي، فقدته في مارس الماضي بعد أن كان شاهداً على كثيرٍ من القصص واللحظات والذكريات التي لا تنسى، ومن خلاله كونتُ علاقاتٍ لم تكن كغيرها من حيث القوة والوفاء، جَعَلَتْني أدين لذاك المكان بالكثير؛ فهي مازالت تتوهج وتنمو لتصبح صداقات من ذهبٍ لا تتغير بتغير الحال؛ لكونها غير مبنية على مصلحة أو أنانية، صداقات وُلِدَتْ لتكون مستمرة، لأنها وُلِدَتْ في الزمن الصعب، حيث يعرف المرء صديقه ممن لا يكترث بهمّه.

فَقْدُ ذلك المكان مهّد لي فَقْد زوجي، إذ خلّف صدمة العام الأولى في الفقد، وبين مارس/ شهر الفقد الأول، وأغسطس/ شهر الفقد الثاني، خمسة أشهر، لم أبرأ خلالها من الحنين إلى المكان ومن صدمة أولى تلتها صدمة ثانية كانت الأفجع مذ وُلِدْتُ، وهي صدمة فَقْد الزوج الذي قاسمني ذكرياتي مع كل الأماكن، وقاسمني الحنين إليها والحنين إلى المكان المفقود الذي تحدثت عنه هنا، فخلَّف لي حنيناً إلى أماكن طالما احتوتنا معاً.

الحنين إلى المكان بات حنيناً إلى الشخص، وهو ما يتولد مع الوقت ومع ارتباط المكان بشخص طالما كان بالمعية.

في الحنين للمكان، حنين للروح والعطر والذاكرة، حنين لجماعات طالما شهدت كل تقلبات الأمزجة، ولصداقات عابرة تركت آثارها ربما بشكل أعمق من صداقات دائمة، حنين للوجوه الغريبة قبل تلك الوجوه المألوفة التي تجمدت ملامحها بفعل الحقد أو الكراهية أو اللامبالاة.

تأكدوا من نبضات أماكنكم قبل أن تتركوها، فهي الأخرى تشعر بفقدكم كلما طال غيابكم عنها

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3456 - الأربعاء 22 فبراير 2012م الموافق 30 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:40 ص

      قدرى فى الحياة

      عندما تزوجنا كنا نحلم بأن يكون لنا منزل صغير وأبناء
      ووضعنا الخطة لتنفيذ هذه الحلم ولكن سرعنا ما خطف القدر مني
      زوجي حبيب ^^
      وسلمت أمري للأرادة ربي ... وبعدها بسنة ... هاجمني المرض
      وبعد عذاباً طويل .... أصبحتُ جليسة الفراش ^^
      رضيتاً وصابرةً وشاكرة بقدري^^
      ولا أملك في هذه الذنيا سوي صلاتي ودعائي لزوجي^^
      ولكنى ما نسيت أحلامنا التى رسمناها و يزال
      يعيش قلبي عاى ذكراها ^^

    • زائر 4 | 2:40 ص

      ضحكة ألم

      سوسن دهنيم)))) صباح الخير انني من المتولعين بالماضي من جميع النواحي من ناحيةالاماكن والعادات والتقاليد والنفوس البريئة والحياة البسيطة والاماكن العفوية وكل والوجوه البحرينية العتيقة والمهن البحرينية والاحباب الذين فقدناهم , ما احوجنا لتلك الحياه وما يسرده الاستاذ صادق البحارنة إلى جزء من الحياه الحلوة والجميل التي فقدناها في هذا الزمان المهموم بمتطلبات الحياه المعاصرة , رحم الله زوجك واصبع عليكم الصبر والسلوان .

    • زائر 1 | 12:32 ص

      الموتي بحاجة إلى الدعاء

      جميل ما كتبتي عن منْ أحببت
      شعور وأحساس لا يشعر ويتألم بها إلا من فقد .....
      عزيز أو حبيب !
      وبالرغم من سعة هذة الذينا فأنه لا يمكن عودة ... العمر إلى الماضي!
      حلم يستحيل تحقيقه !

      ولكن بالدعاء وقراءة القران ندخل السعادة ....
      على أنفسنا وعلى أرواحهم !

      اللهم أغفر لموتنا وموتاكم وارحمهم

اقرأ ايضاً