لم يعد سراً أن هناك تحركاً يجري - وإن بصمت وهدوء - من أجل إطلاق جولة جديدة من الحوار بين الحكم والقوى السياسية في البلاد، وأن بعض الاتصالات المحدودة والإشارات الصادرة من هذا الطرف أو ذاك توحي بما لا يقبل الشك أن جميع الأطراف المعنية قد توصلت إلى قناعة بعدم جدوى أو قبول استمرار الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخانقة إلى ما لا نهاية؛ وأن الحملات الأمنية مهما بلغت قسوتها لن تفلح في كسر إرادة الناس المتطلعين إلى الإصلاح والتغيير. لذا بات من الضروري فتح أفق جديد أمام الحلول السياسية والدستورية من خلال إعادة ربط حبل الحوار الذي انقطع بشأن هذه القضايا، وبما يساعد على انتشال البلد من أزمته المستعصية والوصول به إلى بر الأمان.
وإذا ما قُدّر لهذا التحرك الجديد أن ينجح كما نأمل ونتمنى، فسنكون أمام فرصة تاريخية جديدة لا يجب تفويتها أو التفريط فيها، خصوصاً إذا ما تأكد أن قاعدة انطلاقها ستكون باتجاه بناء تجربة ديمقراطية حقيقية ترمي إلى شراكة متساوية وعادلة للجميع، بعيداً عن أية محاولات للتسويف أو شراء الوقت أو المراهنة على بعض التغيرات أو التطورات الإقليمية من هنا أو هناك، لتعديل ميزان القوى في البلاد. فالمعادلة التي يجب أن تحكم كل الأطراف بما فيها الدولة، هي معادلة وطنية خالصة دون التعويل على أية تطورات خارجية.
نقول ذلك ونحن ندرك حجم استفحال الأزمة الراهنة التي وصلت إلى حد لم يعد في مقدور أي طرف تحمل المزيد من نتائجها السلبية وتداعياتها المدمرة للبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما نعرف حدة الخصومة السياسية والاجتماعية بين الفرقاء كافة والتي هدمت معها مع الأسف بعض أسس التعايش وبعض الجوانب الإنسانية والأخلاقية التي طالما كانت مصدر تميز وفخر المجتمع البحريني.
وقد تحتاج هذه التحركات الجديدة بعض الوقت، كما قد تحتاج بعض الصبر والتروي لبلورة أو صياغة أسس وآليات ناجحة للحوار المزمع عقده، وستكون دونه عدة خطوات ومخططات لابد من اجتيازها، أولاً: سيكون هناك مسألة اختبار النوايا والمقاصد، وثانياً: مطلوب الوقوف على مدى جدية وصدقية هذا التحرك وأبعاده ومداه، خصوصاً بالنسبة إلى سقف الإصلاحات المتوقعة أو المأمولة. وثالثاً: سيكون من الضروري إعادة بناء جسور الثقة التي تصدّعت وتهدّمت بين هذه الأطراف منذ أحداث العام الماضي، مع كل ما رافقها من إغراق البلد في حالة الانقسام والتمزق الطائفي والسياسي، بفعل سطوة الطائفية السياسية، التي أصبح صوتها أكثر حضوراً وضجيجاً، وأكثر تأثيراً في الساحة الوطنية، وبفعل ما خلفته بعض تلك الإجراءات والقرارات التعسفية التي صادرت حرية الناس واعتدت على أرواحهم وممتلكاتهم، وقامت بمعاقبتهم بصورة جماعية وقطع أرزاقهم دون وجه حق.
واستطراداً يمكن القول إنه مهما بلغت قتامة الوضع، ومهما كانت قوة اليأس والإحباط المتسرب إلى النفوس، يبقى الأمل موجوداً ومعقوداً على الحوار والتوافق على أسسه وآلياته، وعلى النتائج المتوقعة منه. ودعونا قبل التطرق إلى هذه الأسس التي نعتقد بضرورة اعتمادها في جولة الحوار المقبلة، أن نشير إلى بعض الملاحظات التي تصب في مجرى تقوية فرص نجاح الحوار الذي ينبغي أن يكون هدف الجميع، في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة التي يمر بها بلدنا.
الملاحظة الأولى: نطالب فيها الدولة بأن لا تكتفي كما حصل في المرة السابقة (حوار التوافق الوطني) بالجوانب الاحتفالية والإعلامية وحدها في تعاطيها مع هذه الفرصة الجديدة التي تخاطب الخارج فقط ولا تقدّم أية إنجازات واقعية وحقيقية في الداخل، لأنها تركز على الشكل وتتجاهل النتائج والمضامين الرئيسية لهذا الحوار. ففي المرة الأولى كشفت الحصيلة النهائية لمؤتمر الحوار طبيعة الخلل في هذه المسألة والتي كانت وراء تواضع النتائج وفشلها بالتالي في تغيير الواقع القائم أو الانتقال به إلى وضع أفضل، لأن هذه النتائج وببساطة لم تكن تعبّر عن رؤى وإرادة قوى التغيير الديمقراطي وجماهيرها التي قادت الحراك الشعبي في البلاد، وطالبت بإجراء إصلاحات جوهرية وحقيقية.
ولتفادي أي خلل من هذا النوع في هذه المرة، يجب أن يكون برنامج العمل مقتصراً على الموضوعات السياسية دون غيرها، وبعيداًً عن أي صخب إعلامي، وأن تكون القوى المشاركة هي القوى السياسية المعنية دون إقصاء أو استبعاد لأحد منها.
الملاحظة الثانية: نطالب فيها جميع الأطراف المشاركة في الحوار التي عليها أن تنطلق من رغبة صادقة واستعداد جاد لبحث كل الملفات السياسية والدستورية التي تراكمت منذ عقود، وكانت وراء تفجر الأزمة الأخيرة في البلاد. وأن تعي هذه الأطراف بمختلف مشاربها وتوجهاتها السياسية، أن ما حصل ويحصل في البحرين هو صراع سياسي ليس له علاقة بالانتماءات الدينية أو المذهبية، أي أنه صراع بين قوى تطالب وتعمل على تجديد الواقع من خلال معالجة الأوضاع الخاطئة وغير الديمقراطية بكل عناوينها وإفرازاتها السلبية، من تهميش وقمع واستئثار بالسلطة والثروة، وتمييز طائفي وسياسي؛ وبين قوى لا تريد أي تغيير يخدم العدالة والمساواة، ويقود إلى الديمقراطية ويحقق مبدأ التداول السلمي للسلطة. لذلك لا ترى هذه القوى أية غضاضة في قمع أو إجهاض مطالب التغيير السلمي، ولا تمانع في المغالاة في استخدام القوة الأمنية أو اللجوء إلى الحسم الأمني للقضايا المطلبية العادلة.
الملاحظة الثالثة: نخاطب بها كل الأطراف دون استثناء، التي يجب أن تقر دون مكابرة أو إنكار، بأن ما يجري في البلاد، منذ 14 فبراير العام الماضي هو جزء من «مخاض» التحركات والثورات العربية الساعية إلى الإصلاح والتغيير، ونطالبها بأن لا تكون أسيرة للقلق أو الخوف المصطنع من طبيعة المرحلة الانتقالية التي يمر بها البلد حالياً، مهما صاحبها من صعوباتٍ أو تضحيات، فهذه طبيعة المراحل الانتقالية التي عادةً ما تتأرجح بين الفوضى والاستقرار، بين الأمل والتشاؤم، وبين الأرباح والخسائر.
ويبقى المهم في كل هذا، توفر الإرادة السياسية الصادقة لدى الحكم أولاً وعند جميع القوى والأطراف المعنية لمغادرة هذه المرحلة بأسرع وقت ممكن، وبأقل الأضرار، للوصول إلى حياة سياسية مستقرة ومنتظمة، تطوّر وتجدّد ذاتها مع الوقت، دون أية هزات أو مضاعفات سياسية أو اجتماعية كما حصل في الأزمة الأخيرة. وليس هناك من طريق يمكن أن يوصلنا إلى هذه الغاية سوى طريق الحوار الجاد، الذي يمثل بحق أفضل وأقصر الطرق - إذا ما خلصت النوايا - لإقامة نظام سياسي ديمقراطي ودستوري تتوافر فيه قيم المساواة والعدالة، وتتحقق من خلاله مبادئ المواطنة الدستورية التي تعني مشاركة الجميع في السلطة والثروة والأمن.
سنتوقف عند هذه الملاحظات، على أن نعود في المقالة القادمة لنتناول الأسس والمبادئ التي يمكن - وفق اعتقادنا - أن تشكّل إطاراً موضوعياً وعملياً لأي حوار وطني جاد وناجح
إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"العدد 3454 - الإثنين 20 فبراير 2012م الموافق 28 ربيع الاول 1433هـ
الإرادة السياسية الصادقة لدى الحكم و الحوار الجاد
توفر الإرادة السياسية الصادقة لدى الحكم أولاً و الحوار الجاد ثانيا، يمثلان أفضل وأقصر الطرق لإقامة نظام سياسي ديمقراطي ودستوري تتوافر فيه قيم المساواة والعدالة، وتتحقق من خلاله مبادئ المواطنة الدستورية التي تعني مشاركة الجميع في السلطة والثروة والأمن
قوى الظلام و التخلف
لا ترى هذه القوى أية غضاضة في قمع أو إجهاض مطالب التغيير السلمي، ولا تمانع في المغالاة في استخدام القوة الأمنية أو اللجوء إلى الحسم الأمني للقضايا المطلبية العادلة.
الحقيقه
ان ما حصل ويحصل في البحرين هو صراع سياسي ليس له علاقة بالانتماءات الدينية أو المذهبية، أي أنه صراع بين قوى تطالب وتعمل على تجديد الواقع من خلال معالجة الأوضاع الخاطئة وغير الديمقراطية بكل عناوينها وإفرازاتها السلبية، من تهميش وقمع واستئثار بالسلطة والثروة، وتمييز طائفي وسياسي؛ وبين قوى لا تريد أي تغيير يخدم العدالة والمساواة، ويقود إلى الديمقراطية ويحقق مبدأ التداول السلمي للسلطة
قبل الحوار
قبل بدأ اي حوار مزمع، يجب ازالة الإجراءات والقرارات التعسفية التي صادرت حرية الناس واعتدت على أرواحهم وممتلكاتهم، وقامت بمعاقبتهم بصورة جماعية وقطع أرزاقهم دون وجه حق
الملاحضات
أضم صوتي إلى صوتك.