«عزيزي الذي لم أُحبه يوماً... هل مازلتَ تذكرني؟ لا أدري إن كان هناك من يذكرني حقاً! لقد كنتُ أكرهك جداً، وطوال سنين قضيتها متتبعاً لأخطائك، مقتفياً لزلّاتك، كان كرهي لك يزداد يوماً بعد يوم. كنتُ أغضب كلما سمعتُ أحداً يُثني عليك، وكنتُ أستعيذ بالله كلما وقعت عيني على شيء كتبتَه. إلا أنني أعترف الآن: كنتُ أحب أسلوبك الصريح، وحججك التي كنتَ توردها عندما تتحدث عن خلل في المجتمع، أو في الإنسان. كنت أحب عملك وأكرهكَ أنت... نعم أنت، حتى أحسستُ أن الكُرْهَ قد استحال كائناً بشرياً يقفزُ في وجهي كلما نظرتُ إلى المرآة.
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترفُ الآن: لم أكتفِ بشتمك، وتشويه سمعتك، واتهامك بهتاناً وزوراً، بل ذهبتُ إلى حد تمني موتك حتى طالبتُ يوماً بإقامة الحد عليك وقتلك عندما هنّأتَ النصارى، الذين يتآمرون علينا ويكرهوننا ويصنعون لنا الدواء والسيارات والهواتف والأحذية... بأحد أعيادهم. ولأنكَ كنتَ، كما قيل لي:(ليبرالياً). لم أدرِ ماذا كانت تعني تلك الكلمة، ولكنها كانت بالنسبة لي رديفة للشيطان، أو لكل شخص سيء يحارب الدين ويبغي زواله. ولكنني فهمتُ أخيراً بأن الليبرالية هي استقلال الفرد، واحترام الحريات الشخصية، وحماية الحريات الاجتماعية والسياسية والمدنية. لن تصدقني لو قلتُ لك بأنها كانت المرة الأولى التي قرأتُ فيها كلمات كـ (احترام) و(حريات) فلم يسبق لي أن قرأتها في الكتب التي كانت تُهدى إليّ من زملائي ومُعلّمي.
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترفُ الآن: كنتُ أكرهكَ حتى وأنا أراك تصلي في المسجد، فلقد قيل لي بأنك كنتَ تُنافق المجتمع، وكنت تصلي من أجل الناس لا من أجل الله. هل اطلعتُ على قلبك؟ كلا، ولكن مُعلّمي كان يؤكد لي بأنك منافق، وذلك كان يكفيني لأصفك بأقذع الألقاب والصفات. لقد كان مُعلّمي يعرف كل شيء عن كل شخص، فهو الإمام الحافظ البارع المجوّد العلاّمة... لم يعنِني حينها إن كنتَ رجعتَ أو تُبتَ، ولم يهمني إن سامحك الله على أخطائك أم لا. كنتُ أقل رحمة من الله بكثير، فلقد رحم اللهُ رجلاً سقى كلباً فأدخله الجنة، أما أنا، فلم أرحمكَ وأنتَ تسقي الصائمين وتطعمهم كل رمضان.
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترفُ الآن: كنتُ أدعو الله عليك في كل ليلة حتى أُطَمْئِن قلب أمي، التي كانت تؤمّن وراء الإمام كلما دعا على الضالّين والمضلّين، ولكي أقنعها بأنني أتقرب إلى الله بكرهك، فتتأكد بأني أتّبع منهج الفرقة الناجية. كنتُ أخاف أن أدعو لك بالهداية فتتهمني أمي بأن هناك من يعبث برأسي، ثم تأتي بأحدهم ليقرأ عليّ ويحررني من مسّ الشيطان. هل ستصدقني لو قلتُ لك بأنني ما عدتُ أستطيع أن أدعو الله لشدة خجلي منه!
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترفُ لك الآن: كرهتُكَ حتى لا يشكّ المجتمع في إيماني، وحتى أرى ابتسامة الرضا على وجه خطيبنا كلما ذكرتُكَ بسوء أمامه، ولا ينسى أن يدعو لرئيس حيّنا بطول العمر والبركة على رغم أنه لم يزرنا منذ عشرين سنة، وعلى رغم أن المياه في حيّنا ملوثة، والكهرباء تنقطع كل يوم أو يومين.
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترفُ لك الآن: لقد أسقطتُ كل عُقَد مجتمعي عليك، فشتمتُ أمّك لأن أبي كان يشتم أمي، واتهمتُ أختك بالفجور لأنني كنت أسمع أخي الأكبر يقول لأختي (يا فاجرة) إذا كشفت وجهها خارج البيت، ثم يتوعدها بعذاب من الله، وهددتُكَ بالقتل لأن مدرّساً كان يهددني بالقتل إن رسبتُ في مادته، وسرقتُ سيارتك لأنني كنتُ أعتبركُ كافراً، فلقد سمعتُ مُعلّمي يقول بأن أموال الكافرين مباحة لنا.
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترف لك الآن: كرهتُكَ لأن هذا ما اتفق عليه العلماء، لم أدرِ حينها أيّ علماء، ومتى عاشوا، وعلى أي شيء اتفقوا، كل ما كنتُ أعرفه حينها أن في عالمي الصغير، الذي كانوا يرسمونه لي، كان هناك اتفاقٌ على الكره والغضب، أكثر من المحبة والتسامح. كنتُ أكرهك ولا أدري لماذا، ولكنني كنت أدري بأن مجتمعي كان يفضلني هكذا، غاضباً كارهاً شاتماً، وسيصنفني في النهاية مجاهداً... رحم الله أمي، ورحم الله العلماء.
عزيزي الذي لم أحبه يوماً... أعترف لك الآن: اكتشفتُ بأنني لم أكن أكرهك أنت، ولكنني كنتُ أكره نفسي»
إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"العدد 3444 - الجمعة 10 فبراير 2012م الموافق 18 ربيع الاول 1433هـ
وسرقتُ سيارتك لأنني كنتُ أعتبركُ كافراً،
تصور يا أخي ياسر هناك من يدعو فئة معينة على سرقة الطرف الاخر بحجة انها غنائم وهذا حلال في شرعهم
استاذ ياسر
المشكلة بان بعض الاشخاص الجهلة اختطفو الدين واوهمو شريحة من المؤمنين بانهم على صواب وغيرهم على خطء .
هؤلاء يسيرون الدين على امزجتهم المغلقه فالكره يملىء قلوبهم وتخوين المسلمين ونعتهم بابشع الصفات اسهل من شربة الماء عندهم ولم يؤخذو من الدين سوى قشوره فالدين هو الحب وليس الكره .
تحياتي
عزيزي ياسر
شكرا للمقال انا استغرب من هؤلاء القوم انهم يدعون حب الرسول والرسول كله رحمة وحنان اما هؤلاء فلا تسمع في احاديثهم غير الكراهية والتكفير والقتل والسيارات المفخخه لكل من يقول لهم لا
هل تعلم يا ياسر
أنني كنت أكره مثلك المنافقين الذين يطالبون بهدم المآتم .... على الرغم من أنهم قد ملأوا بطونهم من موائدها أيام عاشوراء !!! واليوم يطالبون بالوحدة والتعايش بين أهل البحرين ... وهل كان أهل البحرين إلا أبناء اسرة واحدة لا يقرقهم شيء. عجبي من النفاق !!!