على صفحته الشخصية بموقع تويتر للتواصل الاجتماعي، وفي تدويناته نهار الجمعة قبل الماضي 27 يناير/ كانون الثاني 2012 ، طلب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحائز جائزة نوبل للسلام، محمد البرادعي، من البرلمان المصري، أن ينتخب من بين أعضائه فوراَ رئيساً مؤقتا لمصر، قبل الشروع في تشكيل لجنة كتابة الدستور الدائم للبلاد، وعلى أن يعقب الدستور، انتخاب برلمان ورئيس للجمهورية... البرادعي أيضا هو زعيم الجمعية الوطنية للتغيير بمصر، ومرشح منسحب من سباق الانتخابات الرئاسية، احتجاجا على ما يصفه بـ «تخبط»سياسات المجلس العسكري الحاكم بمصر، وقد جاء مطلبه متزامنا مع ارتفاع الأصوات الشبابية الثورية، المنادية في «ميدان التحرير» والميادين الأخرى، بتسليم السلطة للمدنيين، وإقصاء المجلس العسكري عن الحُكم، ومع ذكرى مرور عام على اندلاع ثورة 25 يناير التي أسقطت الرئيس حسنى مبارك ونظامه، يوم 11 فبراير/ شباط من العام الماضي، ومن ثم فإن دعوته لاقت ترحيبا شديداً، وسط هذه القوى الثورية المصطلح على تسميتها «قوى الميدان» التي لا تمل الهُتَاف بشعار»يسقط يسقط حُكم العسكر».
قبل البرادعي وعلى مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، فإن الفقيه القانوني طارق البشري رئيس اللجنة التي كلفها «العسكري» بإعداد التعديلات الدستورية عقب قيام الثورة، دعا هو الآخر، عبر حوارات تلفزيونية وصحافية عدة، لاختصار مراحل وزمن انتخابات مجلس الشورى، يعقبها فورا، تشكيل لجنة كتابة الدستور، وفتح باب الترشح لـ «الانتخابات الرئاسية»، وعلى أن تجرى «أولا»، و»قبل» كتابة الدستور، وغير هذا وذاك، تنادي قوى الميدان، بتسليم السلطات الباقية مع العسكري، وهي سلطات رئيس الجمهورية إلى «رئيس البرلمان» فورا، ويتولى هذا الأخير سلطات رئاسة الجمهورية إلى جانب رئاسته للبرلمان، مع ملاحظة أن رئيس البرلمان هو «إخواني».
المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري، وعقب محاولات اقتحام وزارة الداخلية، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، والمعروفة إعلاميا بـ «موقعة محمد محمود»، كان قد تعهد في نوفمبر الماضي بتسليم سلطات البرلمان فور انعقاده، وهو ما حدث بالفعل يوم 23 يناير 2012، أثناء انعقاد أولى جلسات البرلمان، كما تعهد المشير يومها بإجراء انتخابات الرئاسة قبل نهاية شهر يونيو/ حزيران المقبل، وعارضا أن يتنحى «العسكري» فورا عن السلطة، إذا وافق الشعب على ذلك عبر استفتاء عام.
هكذا يبدو «المشهد السياسي المصري» مرتبكاً بشدة، وتُمزقُه الانقسامات الحادة، وربما أن كل هذا الارتباك، يرجع إلى أن الانتخابات البرلمانية جرت قبل كتابة الدستور، إذ المُعتاد هو أن يكون إعداد «الدستور» أولا، كي يتحدد النظام المراد والأسس التي يقوم عليها، وشكل الحياة التي يريدها المجتمع، وبعدها تكون «الانتخابات» لإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يتوافق مع الدستور الجديد، إلا أن لجنة البشري وبدلا من ذلك، جعلت «الانتخابات» أولا قبل الدستور، وهو ما جاء لصالح»جماعة الإخوان المسلمين»، إذ إن «الأحزاب» القديمة كلها تكاد تكون سقطت مع النظام، بينما الجديدة والثورية تحتاج إلى وقت للتواجد، والكل يعلم أن «الإخوان» هم التنظيم السياسي «الوحيد» الذي كان جاهزاً لخوض الانتخابات، ومؤهلاً للفوز، رغم أنه كان محظورا من الناحية القانونية قبل الثورة، ولعل جاهزية الإخوان ترجع لمجوعة من الأسباب ليس مجالها الآن.
وعودة لـ «مطلب» البرادعي بتعيين رئيس مؤقت للجمهورية، وكتابة الدستور، ثم حل البرلمان، بدلا من «الرئيس» الذي ينتخبه الشعب مباشرة قبل نهاية شهر يونيو المُقبل، طبقا لتعهد المشير، فهذا الذي يطلبه البرادعي يتعارض بشدة مع الإعلان الدستوري القائم حاليا، ويفتح الباب واسعا لصراعات قد تكون مصحوبة بالعنف، نتيجة هدم ما تم بناؤه، والبدء من نقطة الصفر... ذلك أن الإخوان، والسلفيين، والجماعة الإسلامية، والذين يمتلكون نحو 70 في المئة من مقاعد البرلمان، يتوافقون مع المجلس العسكري، ويؤيدونه، فيما قرره من إجراء لانتخابات الشورى وكتابة الدستور، ثم رئاسة الجمهورية في موعدها المقرر، قبل نهاية يونيو القادم، وهذه «القوى الإسلامية» أعلنت حديثا أنها لا ترغب ولا تنوي الصدام مع العسكري، كما أنها لا تقبل «مطلب البرادعي» لأنه يعني «حل البرلمان» وتجريدها من إنجازها بالاستحواذ على الغالبية البرلمانية، وهي لا توافق أيضا على فكرة الرئيس المؤقت للجمهورية، بل وقد رفض الإخوان أن يكون رئيس البرلمان، وهو منهم، رئيسا للجمهورية، وهذا الرفض توافقاً مع رؤية العسكري واتفاقا، وربما تحالفاً خفياً، إذ المعلوم أن «العسكري»، لا يقبل تسليم رئاسة الجمهورية إلى الإخوان، هكذا وبدون انتخابات، كما أنه ربما يؤيد ويُفَضل مرشحاً مدنياً له خلفية عسكرية.
أما عن دعوة «البشري»، لتقديم وتسريع الانتخابات الرئاسية قبل إقرار الدستور... فإن أي باحث موضوعي دارس للقانون يعلم جيدا أن «البرلمان» بمجلسيه (الشعب والشورى)، يُمكن أن يتعرض للحل، عقب إقرار الدستور المنتظر، لأن البرلمان منتخب في ظل الإعلان الدستوري الحالي والصادر بمرسوم عسكري في 30 مارس الماضي، كما أنه لا يجوز للبرلمان أن يستمر حال «ميلاد» الدستور المنتظر، إذ إن هذا الميلاد يعني وفي نفس اللحظة إعلاناً بـ «وفاة» الإعلان الدستوري الحالي، الذي هو بطبيعته «انتقالي»، ويكون البرلمان المنتخب على أساسه «انتقالياً» أيضا، وإذا تم الأخذ بدعوة البشري، وانتخاب الرئيس الآن، قبل الدستور، فإن الرئيس يمكن أن يسقط أيضا مع البرلمان، بميلاد الدستور المُنتَظر، ولعل أبسط ما يمكن أن يُساق من براهين قانونية في هذا المجال، هو أن الرئيس المنتخب أقسم فور انتخابه على احترام الإعلان الدستوري الحالي (الانتقالي)، بينما هو سيعمل في ظل دستور جديد مختلف تماما ودائم، وهو لم يُقسِم على احترامه، ناهيك عن الاختصاصات الموكولة للرئيس في الدستور المُنتَظر، لابد وانها تختلف عن الانتقالي القائم حاليا... ويكون السؤال الجوهري هو: أليس من الأفضل أن نكتفي بما يمكن أن يواجهنا من مأزق دستوري حول «شرعية البرلمان»، ويكون لدينا رئيس ننتخبه قبل نهاية يونيو المقبل، في ظل الدستور الجديد والدائم؟، أم نسير وراء البرادعي والبشري وقوى الميدان، وبعد أشهر قليلة، نجد أنفسنا مع ميلاد الدستور الجديد في حالة فراغ رئاسي وبرلماني؟ ونبدأ من الصفر مجدداً، وندخل في دوامات الانقسامات والصراعات، نتيجة سقوط الشرعية عن البرلمان والرئيس؟، غير أنه لا يفوتنا أن الأمور إذا سارت على هذا النحو المقترح، فإن هذا يعني تسليم مصر باباً وشباكاً ومفتاحاً، للإخوان المسلمين، وربما يشركون معهم السلفيين في ملكية مصر
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3442 - الأربعاء 08 فبراير 2012م الموافق 16 ربيع الاول 1433هـ