مناسبة هذا الموضوع، حينما كنت في زيارة مع العائلة لمدينة دبي بالامارات العربية المتحدة خلدت في ذهني هذه المقالة، لما أذهلني من تطور في شتى المجالات (البنية التحتية، تطور الاقتصاد والسوق الحرة، والتطور الاجتماعي والعلمي)، لكن ما يهمنا تحديدا، المجال الاقتصادي للفرد والدولة.
في كل زيارة أقوم بها أقضي وقتاً ممتعاً في المجمعات، ألمس حركة تجارية متطورة ومختلفة عن سابقاتها، وأشاهد كثيراً من الجاليات الأجنبية، من أصقاع الأرض المختلفة ومن جميع القارات والديانات. كل ذلك الذهول لم يغرِني ولم يحرك ساكني نحو هذا الأفق التجاري الضخم لمدينة دبي.
حقيقة ما أثارني، لماذا لم ننجح في استقطاب هذه الجاليات التجارية الثرية التي تحرك السوق وتدعم الاقتصاد، ونركز على الجاليات الفقيرة من شرق آسيا والهند وبنغلاديش وباكستان؟ إجابة هذا السؤال بسيطة جدا، وترتبط بالأسباب السياسية وسياسة الانغلاق الاقتصادية والضريبية التي تمنع الانتقال إلى بلدنا.
لو نظرنا للناحية الضريبية ستكون متعددة، فأي مستثمر، عندما ينوي فتح استثمار تجاري فهو ينظر الى ضرائب البحرين المتعددة منها: رسوم التأشيرة (200 دينار) ولكل فرد من عائلته (90 ديناراً)، رسوم سوق العمل كل شهر (10 دنانير)، ورسوم الجمارك والسجل التجاري والرخص والمخالفات المتعددة، ناهيك عن ضعف السوق التجارية غير المربحة مقارنة بمدينة الوصف.
أما من ناحية الأسباب السياسية، فمعوقاتها لا تعد ولا تحصى؛ إذ إن تمنع هذه الجالية بسبب تواصلها مع بلدان غير مرغوبة، ويمنع هذا المستثمر لامتداد نسبه أو مذهبه، حتى نصل إلى أنه لا يسمح لبعض التجار والمستثمرين بسبب انتماءاتهم وعقائدهم وأصولهم الانثروبولوجية والمناطقية.
بالرجوع إلى زيارتنا لدبي مع العائلة، كانت لنا زيارة لمجمع دبي، وأثناء تواجدنا في التاكسي، قال لي السائق ستقضي وقتاً ممتعاً هناك، فقلت له كيف؟ فقال هناك ألعاب وملاهٍٍ وقطار تحت الماء وتزلج وتسوق ضخم، فاختطف طفلي الصغير الكلام وقال أريد أن أتزلج، فقلت للسائق بكم التذكرة، فأجابني فقط 50 درهماً وتذكرة الحديقة المائية 100 درهم، فشهقت!يعني أحتاج ما يقارب 50 ديناراً للعبتين لثلاثة أبناء. فقال سائق التاكسي الباكستاني، مو كسير، انت بهريني فيه فلوس كثير، وقلت الله يسمع منك، والحمد لله التي يتفوه بها كل بحريني لما يمتلك من قناعة العيش.
مع أنني أحتسب على الطبقة المتوسطة في البحرين، إلا أنني لم استطع أن أجاري الحياة الاقتصادية المرتفعة في هذا البلد سواء مع الجاليات الأجنبية فضلا عن أخوتنا المواطنين الإماراتيين.
أثناء رجوعنا للفندق الذي نسكن فيه، 70 ديناراً في اليوم، الذي يناسب الطبقة المتوسطة، مررنا على مباني شاهقة، ذات ألوان معمارية تسلب الأنظار من جمالها، وناطحات سحاب من عظمة ارتفاعها، ومجمعات تجارية كبرى، هذه المناظر جعلتني أحاكي عقلي الباطن وأسأل نفسي سرا، من يمتلك هذه المليارات والملايين – اللهم لا حسد – الموجودة في جميع شوارع دبي وبرها وبحرها، فهل هي ملك للإماراتيين؟ فان كان كذلك، فنقول اللهم زد وبارك لإخواننا الخليجيين جميعاً. بعد صحوتي من العقل الباطني إلى العقل الظاهر -الواعي- وبنظرة شخص يشعر بالغبطة، لكنه في نفس الوقت قانع من حياته ومستواه المعيشي، آلمني حقا، حاجة الفقراء عندنا وعند الغير من المسلمين.
المثير هنا، العالم يحتسبنا كخليجيين نمتلك حزماً من النقود وربطات من الدنانير، ونعيش حياة رغيدة ورفاهية منقطعة النظير، مع أننا نمتلك قناعة لا تضاهى وبطبيعتنا نحمد الله على كل شيء. لكننا في نفس الوقت لا نلوم من يشعر بأننا من الاغنياء سواء صاحب التاكسي أو غيره، وذلك بسبب الذهب الأسود الذي يجري تحت أرجلنا، ولا نشرب من عوائده إلا كقطرات من ندى المطر؛ إذ بعوائده الضخمة ترتوي قلة، مما آل إلى توسيع دائرة الفقر لدينا، ولم يكن حال الخليجيين أفضل من وضعنا، لو تم رفع وضعنا المعيشي والمعاشي.
طبعا، لو وزعت عوائد النفط بالتساوي بين المواطنين، أو تم إعطاؤهم تسهيلات للاقتراض بشروط ميسرة كما يفعل الخليجيون، أي دفع أقساط القروض بعد نجاح المشروع وجني الثمار، ومساندة الدولة لهم ودعمهم عند فشل مشاريعهم، وليس كما يحصل عندنا، حينما يفشل المشروع لأسباب سياسية كما هو حاصل في ظل هذه الازمة، او بسبب فصلك من العمل او بسبب وضع السوق المتردي أصلا، يجر بك الى المحاكم..، مما تضطرك الظروف الى غلق المشروع قبل تراكم الديون وهذا ما حصل حقيقة إلى كثير من الناس في السنة الماضية.
نختم هذا المقال بكلام سمو ولي العهد، حيث قال: «ما لم نتخذ إجراءات سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيسوء حالنا وسنتخلف عن مواكبة التطور التنموي في جميع المجالات»
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 3442 - الأربعاء 08 فبراير 2012م الموافق 16 ربيع الاول 1433هـ
شكرًا دكتور
ضع النقاط على الحروف ، من هو السبب في فقرنا مقارنة مع الخليجيين
ستراي
دكتور القناعة كنز لا يفني
كما ذكرت اخي العزيز البحرينيين عايشين على حد الكفاف ولكن الحمد لله. بس يجب تتطرق الى أين تذهب عوائد النفط، وشكرا لجهودك
مقالك يذكرني بالاقتصاد المريض
قرأت مع قهوة الصباح مقالا رائعا حول تبعات الاقتصاد المريض وأزمة المحال التجارية في الستي سنتر الذي تعاني الأمرين من الظروف الأمنية العصيبة على بلدنا الجريح، ومقالك يا دكتور أحمد أنعش الحقيقة في عقلي بعد أن كنت مشككا في المعلومات الواردة رغم المصادر العليمة التي تحيلني عليها، قلت: نعم المرآة مرآة البحرين !!!
للاسترشاد والتوسع أنصحك بقراءته كاملا حبة حبة ولا تترك فصا من فصوص الكلمات إلا التهمتها بعقلك يا دكتور ولك مني كل الشكر...