قامت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بزيارة للصين في مطلع فبراير/ شباط 2012 وهي الزيارة الخامسة لها للصين منذ أن تولت منصبها حيث تقوم بزيارة شبه سنوية للصين كانت الأولى في العام 2006 والثانية 2007 والثالثة 2008 والرابعة 2010 والخامسة2012، واستطاعت المستشارة الألمانية من خلال تلك الزيارة أن تطور العلاقات الصينية الألمانية إلى علاقة إستراتيجية.
ويمكن القول إن الزيارة الخامسة هذه ستؤسس لمرحلة جديدة من هذه العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين حيث إنها تواكب مع الذكرى الأربعين لإقامة علاقات بين الصين وألمانيا العام 1972، ثم إن المستشارة الألمانية اصطحبت معها وفداً كبيراً من رجال الأعمال الألمان وأخيراً فالزيارة شملت ليس فقط مباحثات مع كبار المسئولين أمثال هو جنتاو رئيس الجمهورية بل ورئيس الوزراء ون جياباو وغيرهما من الشخصيات ذات الدور والمكانة السياسية والحزبية بما في ذلك رئيس مجلس نواب الشعب الصيني، وو بنجوا، بل وأيضاً شملت زيارات لأهم منطقتين صناعيتين في الصين هما مدينة شنجن مهد حركة التصنيع والانفتاح الصيني ومدينة جوانجو عاصمة إقليم جواندونج أكبر الأقاليم الصينية إنتاجاً وصناعة وتصديراً والذي يحتضن أكثر من 500 شركة ألمانية في المجالات المختلفة مثل الطاقة والبتروكيماويات والصناعات الهندسية والمصارف والصناعات الإلكترونية.
وفي تقديري أن زيارة ميركل هذه تسعى إلى تحقيق خمسة أهداف رئيسية تتمثل في الآتي:
الأول: تطوير وتعميق العلاقات الثنائية بين ألمانيا والصين خاصة أن الصين هي ثاني أكبر سوق عالمي للصادرات الألمانية وهي الشريك التجاري الرابع لألمانيا على مستوى العالم. أما ألمانيا فهي الشريك التجاري الأول للصين في أوروبا، وستسعى ميركل إلى التوصل لحل لمشكلة التراب الصيني النادر الذي وضعت الصين قيوداً على تصديره للخارج في منتصف العام 2011 وتحتاج إليه ألمانيا للصناعات المتقدمة.
الثاني: تعزيز التنسيق السياسي بين الدولتين خاصة بعد حالة التوتر التي تعرضت لها عندما استقبلت ميركل الزعيم الروحي للتبت، الدالاي لاما، هو ما أثار استياء الصين واعتراضها.
الثالث: السعي لدعم الصين ولليورو ومساعدة منطقة اليورو للخروج من أزمتها المالية الراهنة. وقد سبق أن قامت عدة وفود فنية أوربية بزيارة الصين وعرضت عليها المساهمة في حل الأزمة المالية الأوربية من خلال شراء أسهم يورو بوند في صناديق الاستثمار الأوروبية ولكن الصين طالبت بإصلاح السياستين المالية والاقتصادية لكي يتسنى القيام بذلك. وقد حملت ميركل معها ما توصلت إليه القمة الأوروبية والدول الخمس والعشرين في الاتحاد الأوروبي (باستثناء اثنين) وليس مجموعة اليورو فقط بشأن القرارات الخاصة بالقضايا المالية والاقتصادية لإصلاح الأوضاع في أوروبا. ومن ثم تشجيع الاستثمار الصيني في صندوق الإنقاذ الأوربي خاصة أن الصين لديها احتياطي كبير من العملات يزيد عن 3180 مليار دولار.
الرابع: السعي لدى الصين لوقف أو على الأقل تخفيض استيرادها من النفط الإيراني والضغط على إيران لوقف برنامجها النووي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الخامس: التأثير على الموقف الصيني من الاعتراض على مشروع قرار مجلس الأمن ضد سورية لوقف إعمال القمع ضد الثوار في سورية والتساؤلات المطروحة من خلال الزيارة تتعلق بالأهداف المشار إليها الأول هل تلعب الصين دور المنقذ لأوروبا من أزمتها المالية أم تحرص على الوقوف موقف المتفرج؟ والإجابة في تقديري هي إن الصين لن تقوم بأي من الدورين وإنما بدور وسط وهو الاستثمار في اليورو ومساعدة أوروبا ولكن بشروط اقتصادية وسياسية. الشروط الاقتصادية تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية كما تسعى الصين لاجتذاب المزيد من الاستثمارات الألمانية والمزيد من نقل التكنولوجيا الألمانية المتقدمة إليها هذا من ناحية، ومن ناحية الشروط السياسية، فهي سعي الصين لحث الدول الأوروبية على تطوير أو تعديل مواقفها فيما يتعلق بالقضايا السياسية ذات الأولية للصين وهي التبت وحقوق الإنسان وتايوان.
التساؤل الثاني على تنجح الزيارة في حفز الصين على تخفيض استيرادها من النفط الإيراني؟ وهل تنجح الصين في الضغط على إيران بالنسبة لبرنامجها النووي؟ والإجابة في تقديري أن الصين تعيد بالفعل النظر في حجم استيرادها النفطي من إيران وزيارة رئيس الوزراء الصيني ون جياباو إلى ثلاث دول من مجلس التعاون ذات ثقل نفطي هي السعودية والإمارات وقطر خلال يناير/ كانون الثاني 2012 كانت حلقة في هذا الإطار لتأمين الإمدادات النفطية الصينية. أما الشق الثاني من التساؤل عن إمكانية نجاح الصين في الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي فإن هذا موضع شك فالبرنامج النووي الإيراني أصبح مسألة وطنية يستحيل التخلي عنه في ظل النظام الحالي، بل إن بدايات هذا البرنامج كانت منذ عهد الشاه ولكن بالنسبة للشق العسكري من البرنامج النووي فإن إيران لاتزال تصرّ وتؤكد بأن برنامجها سلمي وليس عسكرياً.
التساؤل الثالث فيما يتعلق بسورية فإن الموقف الصيني ينتقد سياسياً الموقف السوري وأسلوب القمع وبالفعل قام مبعوث صيني بزيارة لسورية في هذا الصدد، ولكنها ترفض تأييد الموقف الغربي أو حتى الموقف العربي الداعي لتخلي الرئيس السوري عن السلطة لنائبه وهذا الموقف الصيني ينبع من ثلاثة اعتبارات أولها التضامن مع الموقف الروسي وثانيها مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية وثالثها الخوف من التجاء الدول الأوروبية من خلال الناتو للعمل العسكري ضد سورية على غرار ما حدث بالنسبة لليبيا.
التساؤل الرابع يتعلق بمدى تطوير الصين لعلاقاتها مع أوربا وهذا يتوقف على القمة الصينية الأوربية المقبلة في منتصف هذا العام من ناحية، وعلى تطور الموقف الدولي من القضايا الإقليمية خاصة في الشرق الأوسط وعلي مدي تطبيق أوروبا لمنهج الإصلاح للخروج من أزمتها المالية ومدى تجاوب الصين مع المشاكل التي تشكو منها الدول الأوروبية في علاقاتها مع الصين وهي مسألة الشفافية في التجارة وفي قيمة العملة الصينية ومدى انتهاج الصين سياسة إيجابية في مقاومة القرصنة في الملكية الفكرية وإتاحة مزيد من الفرص الاستثمارية في الصين لأوروبا.
التساؤل الخامس يتعلق بمدى إمكانية تطوير الصين لموقفها تجاه سورية إيران وهنا نشير إلى أمرين أولهما تصريح سفير الصين في السعودية يوم أول فبراير 2012 بأن مضيق هرمز هو ممر مائي دولي ولا يحق لأية دول إغلاقه أو إعاقة حرية الملاحة عبره. وقد جاء هذا التصريح لتأكيد المصالح الصينية في حرية الملاحة من ناحية، واحتراماً لمبادئ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار من ناحية أخرى وتماشياً مع ما توصلت إليه الجولة الناجحة لرئيس الوزراء الصيني لبعض دول الخليج العربية من ناحية ثالثة.
أما بالنسبة لاحتمالات تطوير الصين لموقفها من الأحداث في سورية فإن هذا أمر محتمل خاصة أن الصين لمست مدى الغضب العربي من موقفها المساند عملياً للرئيس بشار الأسد ومن الدلائل على هذا الغضب اختطاف عمال صينيين في السودان ومصر والمطالبة في مجلس النواب البحريني بطرد سفراء الصين وروسيا احتجاجاً على مساندة الدولتين للقمع الذي يقوم به النظام السوري ضد المحتجين المدنيين بأسلوب تجاوز كل الحدود
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3439 - الأحد 05 فبراير 2012م الموافق 13 ربيع الاول 1433هـ