إن غالبية الناس يخضعون عادة في فهمهم للواقع لتفسيرات سطحية أقرب ما تكون للحس، لذا هم يستسلمون للأسباب القريبة الجاهزة التي تبدو للعين من أول نظرة، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عما وراء الواقع الحسي أو يحاولوا التعرف على الدوافع الرسالية البعيدة التي ساهمت في نشوء هذا الواقع أو ذاك. لذلك فمن الخطأ النظر إلى ما يجري بأنه أمر حسي طارئ ونتيجة إرهاصات محلية قريبة العهد، بل لابد من إعادة دراسة الحالة بوعي وإدراك.
وقد نتوقف عند المقدمات التي ضُخت في أساسيات المجتمع العربي الإسلامي منذ عقود خلت أدت لما هو حاصل اليوم. فقد وردت أقوال عديدة في التاريخ تضمنت إشارات واضحة تشرّع لعقاب الناس دون محاكمة أو تحقيق أو مراعاة لأبسط حقوق الإنسان. ومن تلك الأقوال التي صدرت من مواقع عليا في السلطة تم تشريع قتل الناس لأتفه الأسباب بحجة الحفاظ على كيان الدولة والدين. فمن قائل «فأيما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين يجب أن يقتلا»، ومنهم من قال: «فإن عاد إلى مثل ذاك الفعل فاقتلوه». هكذا بكل بساطة يصدر حكم «القتل» بلا محاكمة عادلة ولا صونٍ للحقوق مهما يكن الفعل ومهما تكن القضية محقة أم باطلة.
إننا نتحدث هنا عن المبدأ في تشريع القتل العمد. ثم جاء تشريع آخر بلعن كل من يسأل من المسلمين «عمّا لم يكن»، أي عن المستقبل المنظور. فيقول أحد رموز السلطة «لا يحل لأحد أن يسأل عما لم يكن إن الله قد قضى فيما هو كائن فقط»! انظروا إلى هذا الشرط على لسان شخص، وإن كان مسئولاً في الدولة، إلا أنه ليس بعالم ولا فقيه كي يصدر مثل هذا التحريم التشريعي الخطير والحاد جداً لمنع البحث في شأن المستقبل أو السؤال عما هو آت، والتنبؤ بالكوارث قبل وقوعها لأخذ الاحتياطات لها. فمتى كانت دراسة المستقبل مما لا يحل لأحد البت بها؟ هكذا بنيت أسس حضارتنا الإسلامية للأسف وكأنها تقف ضد تطور الحضارة الإنسانية في بواكيرها الأولى.
ثم يأتي قسم آخر ليصيب المجتمع الإسلامي بمقتل في الصميم، ألا وهو تقسيم المجتمع إلى طبقات، وبقرار إداري من السلطة، بتقسيم الناس إلى قبائل وتفضيل قبيلة على أخرى، وعرب على عجم، والصريح على الموالي. والصريح هو من أبناء القبيلة أرفع مكانة وأوسع حقوقاً من الدخيل، والصرحاء هم الطبقة العليا في القبيلة تربط بينهم وشائج الدم، وقد ينسى انتماء أبناء الطبقات الدنيا إلى القبيلة مع الزمن فيدمجون بأبناء القبيلة الصرحاء ويعدون بالتالي صرحاء مثلهم. وبهذه القرارات الإدارية وُلدت بوادر الطبقية البغيضة في المجتمع الإسلامي التي بدورها أضحت فتيلاً أشعل نار الصراع القبلي والعنصري حتى اليوم حيث تكتوي الشعوب بناره.
تلك التقسيمات كانت شرارة تفتيت المجتمع الإسلامي، كما أدت الطبقية تدريجيّاً لصراعات طائفية متتالية استغلتها السلطات لزيادة تفكيك التجمعات الإسلامية القوية والموحدة في وجه طغيانها.
كل هذا منشؤه أن السلطة تركزت في يد فرد، هو وحده يقرّر دون غيره ما يشاء لكل الناس الذين ربما يوجد بينهم من هو أقدر وأجدر منه بهذا الأمر مجتمعين. ولذا فقد جاء معظم الحكام، وخصوصاً الأمويين والعباسيين منهم، بمفهوم قيادة دولة تملك أموالاً وأراضي شاسعة وليس قيادة كيان للعدل الإلهي، ولتوضيح وتبيان العقيدة وترسيخها أكثر ولبث الإيمان القوي في نفوس وصدور الناس لإحقاق الحق وزهق الباطل. فهل كانت القيادات الأولى كذلك؟ وهل خلفت غير ذلك من عناوين الولاء للأشخاص وليس لكيان العدل الإلهي، في مجتمع معظمه من الأميين وذلك عبر آلة إعلام الدولة - الفرد آنذاك.
وإلا من يصدق أن يبقى مطلب العدل الاجتماعي منذ خمسة عشر قرناً يتردد اليوم ضمن سياق الحراك العربي الربيعي - الشتوي المتواصل. ومنها الأخذ بمبدأ العطاء المتساوي الذي سار عليه النبي محمد (ص) من دون سياسة التفضيل التي تمت شرعنتها قانونيّاً بعده ولا تزال. تطهير الجهاز الحاكم من المستغلين لدفة الحكم. الوقوف بحزم تجاه الأطماع القبلية (كانت قرشية وقتها) والاستئثار بالثروات والمناصب بوضع حد لها. الحيلولة دون استذلال الأمراء للأهالي وامتهان كراماتهم كما فُعل بمن وقف ضد الفساد وتجرأ على النقاش في التلاعب بأموال الدولة والشعب. الحد من صلاحية الولاة المحسوبين على السلطة في إطلاق أيديهم للتصرف بأموال الخراج وهي أموال عامة ملك للناس كافة كما هو النفط. فهل تغيرت هذه المطالب منذ خمسة عشر قرناً في وجه السلطات العربية - الإسلامية؟
تلك المطالب التي اتكأت على سيرة الرسول (ص) في إدارته للدولة تم تجاهلها ما أدى إلى تفاقم الأوضاع وتأجيج النار في الهشيم، وإراقة دماء المسلمين العُزَّل، ولم يستمع أحد لكلمات رجل الحق حين وقف صارخاً أمام الاجيال وهو يقول: «الله.. الله... في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمي، وما تعلم من جهل، وان الطريق لواضح بيّن». فهل استمعنا لتحذيرات ذاك الصوت مما يحدث اليوم؟ أم ازددنا تمسكاً بما أطلقه أحد الحكام القدامى حين اعتبر الدولة مزرعة له؟ فهكذا تم تشريع النظر للدولة. فإذا درسنا المراحل التاريخية وتلك المقدمات جيداً من باب الوعي بها فستتضح الكثير من الأسرار، وبذلك يمكن البحث عن الحلول من داخل هذا الفكر وليس من خارجه
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ
من لم يكن معنا فهو ضدنا
قول ديكتاتوري ومن يعمل به ونجح وابدع وبامتياز في العمل والتطبيق فلما تحاربون الناجحين دائما
الطبقية.
صناعة الطبقية بدون وجه حق واستحقاق من أخطر الوسائل المستعملة من قبل الحكومات الجائرة تستعين بها لتكوين جدار سلطتها من الجهّال وتقريبهم وإبعاد من يملكون العقل والحكمة وإضعافهم عبر التهميش والاقصاء ومحاولات التطفيش ربما يكون بحسب اللون أو بحس طائفي كما هو واضح للعيان....
سلمت يبن السلمان
الانظمه العربيه كانت اشبه بجبال جثمت على صدر الامه ما ذا حصل عندما جاء امر ربك تهاوت كخيوط العنكبوت لا فادهم درك او موقف عربي يقول الباري عز وجل ( يسئلونك عن الجبال قل ينسفها ربي نسفا ) اابلغ من هذا الكلام يسمع فاشعال الطائفيه صوب وتجويع الناس صوب والعقاب الجماعي صوب وتسليم امر الناس لجهله لاتعي ما تفعل وتنهك كاهل الحكومه بدل ما تريحه تخبط في كل القرارت معالجه الامور بعقليه الستينات تسائل واحد فقط هل كان اقوى الليبين قبل سنه يستطيع الاشاره بعصى لصوره القذافى اين وصلت العصى في النهايه..ديهي حر
ما تشوف الجماعة يقاومون قانون تجريم التمييز
فعلا البحري بلد عكس عكاس في كل شيء
العالم يحارب التمييز ويحاول القضاء عليه بشتى الطرق
فيشرعن ويسن قوانين تحاول القضاء عليه ولكن للاسف
في بلد العجائب يقف ممن يجب ان يكونوا مدافعين عن الشعب ولسان حالهم ليقولوا لا لأي قانون يجرم التمييز
بمعنى آخر نعم للتمييز وأهلا وسهلا به وحيا ومرحبا
فشيلة بأن يخرج هؤلاء ليقولوا للعالم نحن دولة نمضي
عكسكم ايها العالم الحر
انتم تجرمون التمييز ونحن نرى فيه الخير والصلاح (وجهات نظر)!