قامت الصحافة الخليجية ولم تقعد عندما حكمت المحكمة على عائض القرني بدفع غرامة مالية قدرها 330 ألف ريال لسرقته 90 في المئة من المادة التي ضمّنها في كتابه «لا تيأس» من كتاب «هكذا هزموا اليأس»، للكاتبة سلوى العضيدان. لم تكن المشكلة الرئيسية في السرقة فقط، ولكنها في أن الشيخ عائض قد نفى في البداية سرقة مادة سلوى، ثم اعترف لاحقاً بذلك!
ولستُ هنا في صدد تحليل هذه القضية التي صدر فيها حكم محكمة، ولكنني تابعتُ الحوارات الدموية التي انتشرت في تويتر يوم صدور الحكم، ولاحظتُ كيف اختلف المغرّدون، بشراسة، حول مفهوم السرقات الأدبية.
حيث يُبالغ كثير من الناس اليوم في وصف هذا المصطلح؛ فلا يكاد أحدهم يكتب شيئاً، في تويتر على وجه الخصوص، إلا وينبري له من يتهمه بالسرقة. حدث قبل أيامٍ أن كتبتُ تغريدة اقتبستُها من مقال نشرته قبل عدة سنوات عن التسامح، فظهر لي شخص لا أعرفه وقال لي بأنه كتب الكلام نفسه قبل قليل وطلب مني إيعاز الفضل لأهله! دخلتُ إلى تغريداته فوجدته قد تحدث عن التسامح، ولكن كلامه، أي نصه، كان مختلفاً تماماً عما كتبتُ، بل وجاء بعدي زمنياً، فتساءلتُ: هل يحق للأشخاص امتلاك الأفكار أم النصوص؟
تحدّث توفيق الحكيم بإسهاب حول هذا الموضوع، وقال في مجمل حديثه بأنه «لا ملكية للأفكار، ولكن الملكية للنصوص». فالفكرة تسافر عبر الزمن، فتنضج في أزمانٍ معينة، ثم تخبُت في أزمانٍ أخرى لاختلاف الظروف والثقافة السائدة. يقول الحكيم بأنه لا يوجد من أتى في الأدب بفكرة جديدة، وإنما يستفيد الأدباء من أفكار من سبقوهم، بل إن كثيراً من كبار الأدباء كانوا نسخاً مطوّرة من أدباء آخرين. فشكسبير كان يشبه الأديب الإيطالي (بوكاتشيو)، حيث يقول المستشرق الإنجليزي هاملتون جيب في كتابه «الاتجاهات الحديثة في الإسلام» بأن بوكاتشيو قد كتب روايته الشهيرة «ديكامرون» بنفس أسلوب وطريقة ألف ليلة وليلة، ومن ثم أتى شكسبير وكتب مسرحية «العبرة بالخواتيم» بنفس طريقة ديكامرون.
ويقول توفيق الحكيم بأن الشاعر الألماني غوته وزملاءه الذين عاصروه لم يستطيعوا أن «يخرجوا من عباءة فولتير» حيث كانت كتابات فولتير وأسلوبه الأدبي السلس هو «الموضة الأدبية» في تلك الأيام. أما ثرفانتس، صاحب الرواية الأشهر في التاريخ «الدونكيخوته» فلقد اقتبس كثيراً من الأفكار البطولية في روايته من «الإلياذة» لهوميروس وبدا متأثراً جداً بها.
إذن تبقى حقوق الملكية الفكرية للنص وليست للفكرة، فلا يُعقل أن يكتب أحدهم قصيدةً أو روايةً عن دور الأم في تشكيل شخصيات أطفالها، ثم يمنع الآخرين من الخوض في الموضوع نفسه بحجة أنه كتب فيه!
إن الكاتب الفذ هو الذي يختزل إبداعات الآخرين، فيقتبس من حسناتهم ويتجاوز عن زلاتهم، فقلم الكاتب يشبه القِدْر الذي تغلي فيه أنواعٌ عديدةٌ من الأساليب الأدبية والصور البلاغية والأفكار الخلاقة التي لا يُمكن أن يأتي بها من العدم، ولا يعيب الكاتب أن يُشبه أسلوبه أسلوب كاتب مشهور، على ألا يبقى رهيناً لديه مدة طويلة، وعليه أن يختار له أسلوباً خاصاً يُعرف به بين الناس. عندما سُئِل أحد المبدعين، وأظنه ليوناردو دافنشي، عن سر تميزه قال: «بدأتُ بالتقليد». وسُئل أحد الأدباء عن تعريف الأدب فقال: «إنه إعادة صياغة الأفكار العظيمة».
ولكن ذلك لا يعني أن نبخس المُقتَبَس مِنهُم حقّهم في الإشادة! أستطيع أن أفهم عدم وجود صفحة للمَرَاجع التي عادةً ما توجد في آخر الكتاب عندما يكون العمل الأدبي روايةً أو كتاباً لمقالاتٍ جُمِعَتْ بعد سنين، ولكنني لا أستطيع شراء كتابٍ علمي أو فكري يخلو من مصادر. فلماذا يُصرّ الكاتب الأجنبي على وضع صفحة قبل المقدمة، يشكر فيها كل من ساعده في إنتاج عمله، بالاسم والمسمى الوظيفي، ثم يملأ صحفته الأخيرة بالمراجع التي استعان بها، في حين يستنكف معظم الكُتّاب العرب عن فعل ذلك؟ إن من يفعل ذلك فهو إنما عبقري زمانه، أو لصّ محترف!
لا بد أن نفرّق بين التأثّر الأدبي وبين السرقة الأدبية، فسرقة الأدب جريمة حضارية، يُعاقِب عليها القانون والتاريخ، ويشهد عليها العالم أجمع، وليس من العدل أن نطلب من الناس أن يُسامحوا كاتباً ارتكب جريمةً كهذه في حين يرفض هو التعليق أو الاعتذار. نحترم الشيخ عائض ونُقدّره، ولذلك نتمنى منه أن يعتذر لكل من وثق به واشترى كتبه، فحَسَنة الاعتراف بالخطأ، تُذْهِبُ سيّئة الخطأ نفسه
إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"العدد 3430 - الجمعة 27 يناير 2012م الموافق 04 ربيع الاول 1433هـ
رجل دين ويسرق
كيف رجل دين ويقوم بسرقة كتب الآخرين، أين التربية الدينية إذاً أين الضمير والصدق وعدم الغش، بصراحة سقط من عيني وسوف لن أقرأ له مجددا ً.
بو عبدالله - العكر
تضخم الأنا
يا صديقي عندما تتضخم الأنا لدى أيٍّ كان لا يستطيع أن يرى إلاّ نفسه فهو عبقري زمانه ولولاه لما تقدم المجتمع خطوة واحدة وهو وحده لا شريك له القابض على زمام المجتمع يقيده إلى حيث يرى هو الوجهة لا سواه. أتمنى أن يستفيد متضخمو الأنا من هذه المقالة الفذة.