فقر الطاقة هو في صميم رسالة صندوق الأوبك للتنمية الدولية (أوفيد). وتساهم جميع نوافذ الصندوق المالية في تخفيض فقر الطاقة. وقد طور مجموعة واسعة من الأدوات التي تراوح من الهبات إلى آليات السوق.
حالياً، تستطيع أدواتنا المالية المساهمة في أشكال متعددة من مشاريع الطاقة، من مصباح شمسي بسيط أو فرن طبخ كفوء إلى محطة طاقة كبرى. في العام الماضي بالذات، أضاف أوفيد مرفقاً جديداً للطاقة إلى تقديماته، لدعم مشاريع الطاقة الصغيرة التي سينفذ كثير منها في مناطق ريفية فقيرة.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني2011، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مبادرته «طاقة مستدامة للجميع»، وهدفها الأول ضمان حصول جميع سكان العالم على طاقة عصرية بحلول سنة 2030. ولتعبئة المعنيين الرئيسيين وتشجيع التعاون مع هذه المبادرة، شكل الأمين العام مجموعة رفيعة المستوى، تضم 33 قيادياً من قطاعات الأعمال والتمويل والحكومات والمجتمع الأهلي، أسندت إليها مهمة إعداد جدول عمل يقدم في قمة ريو +20 في حزيران (يونيو) 2012. ويشرفني أن أكون عضواً في هذه المجموعة الرفيعة المستوى.
كما رأينا، هناك مبادرات كثيرة قيد الإعداد تركز على جوانب مختلفة. ويرحب أوفيد بجميع هذه المبادرات، لأنها ستساعد في رفع الوعي لأهمية التصدي لفقر الطاقة، وفي النهاية ستحدث تقدماً حقيقياً على الأرض. نحن من الرأي القائل بأن تعدد المبادرات أمر جيد ما دامت الأهداف محددة بشكل واف. ويجب السعي إلى ايجاد تآزر وانسجام وأهداف مشتركة.
إن تمكين جميع الناس من الوصول إلى الطاقة بحلول سنة 2030 هو هدف يجب أن نسعى إليه جميعاً. وفضلاً عن ذلك، وكما ذُكر في مؤتمر أوسلو في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، يجب استخدام جميع مصادر الطاقة والحلول التقنية لبلوغ هدف الوصول العالمي إلى الطاقة، بطريقة مستدامة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً. وأرى من الواجب توصية وزراء الطاقة في منتدى الطاقة الدولي (IEF) بدعم هاتين الفكرتين.
وبصفتي عاملاً في التنمية، سوف أبدي بعض الملاحظات:
أولاً، لكي تؤدي جميع المبادرات عملاً حقيقياً، نحتاج بالتأكيد إلى إرادة سياسية راسخة يدعمها تخطيط جدي للوصول إلى الطاقة.
نحن نحـرص دائماً في عملنا على ترك الحرية للبلدان الشريكة كي تختار أولوياتها في ما يتعلق بقطاعات واستراتيجيات التنمية. والمسألة هنا أن كثيراً من البلدان النامية الفقيرة ما زالت لا تعطي تأمين الطاقـة أولوية عاليـة، خصوصاً في المناطق الريفية. إن هذا الافتقار إلى إرادة سياسية وإلى جودة تحديد الأولويات يترجم بيئة ناظمة غير سوية، خصوصاً في تطوير المشاريع الاقليمية، وافتقاراً واضحاً إلى مشاريع تدر أرباحاً، وقدرة استيعابية منخفضة لمشاريع الطاقة. نحن نود أن نشهد تغيراً في هذا الوضع.
ويجب إظهار الإرادة السياسية الراسخة المطلوبة من خلال تضمين الخطط الوطنية واستراتيجيات خفض الفقر أهدافاً واضحة بشأن خدمات الوصول إلى الطاقة وقدرات تزويد الطاقة. لذلك يُتوقع من الوزراء ومن المنافع العامة إعطاء الأولوية العليا لتوسيع نطاق الوصول إلى الطاقة. وأي شيء أقل من هذا لن يكون كافياً لتحقيق تقدم نحو أهدافنا.
ان خبرة أوفيد بشأن هذه المسألة بالذات تظهر أننا ندخل اليوم مرحلة استباقية جديدة. وفيما يصون أوفيد حقوق الحكومات المعنية وأولوياتها، فإنه يريد مساعدتها على ترجمة رغبتها المتجددة في مكافحة فقر الطاقة، من خلال تنفيذ سياسات ملائمة وتطوير مشاريع مفيدة وزيادة القدرات الاستيعابية. والواقع أننا قدمنا مؤخراً منحة لدعم خطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقوية القدرات الوطنية على تخطيط نشاطات تنموية تتعلق بالطاقة، في خمسة بلدان أفريقية جنوب الصحراء هي تنزانيا وكينيا وأوغندا وتوغو وسيراليون. وقبل بضعة أسابيع، اتفق أوفيد والبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا على دعم بلدان مختارة في أفريقيا جنوب الصحراء، لتضمين أولوية الوصول إلى الطاقة في استراتيجياتها الانمائية الوطنية، من خلال تمويل دراسات لتغيير السياسات ولاستقاء المعلومات المتعلقة بالمشاريع.
ملاحظتي الثانية هي أن نجاح أي مبادرة سوف يعتمد على تطبيق نماذج أعمال ناجحة.
بالنسبة إلى الطبقات الفقيرة من السكان الذين يعيشون بدخل منخفض في المناطق المحيطة بالمدن أو ينتشرون في مناطق واسعة، المفارقة هي أنهم كلما كانـوا أفقر كلما دفعوا ثمناً أكبر للحصول على الطاقة. وإحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون وصول الفقراء إلى خدمات الطاقة الحديثة هي انعـدام الخيـارات الملائمة والمعقولـة الكلفة لتمويل الشراء والتركيب، أي التكاليف المباشرة. والمقاربة المبنية على آليات السوق لا يمكنها تمويل هذه التكاليف الاستثمارية. والتحدي هو تحسين نوعيـة نماذج العمـل، أي البرامج المبدعة، التي تمكن الفقراء من الوصول إلى الطاقة بطريقة مضمونة ومعقولة الكلفة ومستدامة. وهذا يعني نماذج أعمال قادرة على كسر الحلقة المفرغة لفقر الطاقة.
في هذا الخصوص، وإضافة إلى التمويل الكلاسيكي الامتيازي لمحطات توليد الكهرباء، شارك أوفيد مؤخراً مع مؤسسة شل في مشروع ناجح يتعلق ببرامج تمويل صغيرة مبتكرة، تمكن الفقراء من الوصول إلى حلول بمعزل عن الشبكة العامة، مثل المصابيح الشمسية في مناطق نائية في كينيا وتنزانيا. وبخصوص تمويل المستخدمين النهائيين، نحن نرى أنه لا يجوز إهمال أي وسيلة تستهدف الوصول إلى الناس الأكثر حاجة.
للأسف، لا يوجد حل «بقياس واحد يناسب الجميع». ومن أجل كسر الحلقة المفرغة لفقر الطاقة، من الضروري انخراط الحكومات القوي في سياسات داعمة للفقراء. ويمكننا في هذا المجال ملاحظة مقاربات ناجحة، منها:
- تطوير شراكات كفوءة بين القطاعين العام والخاص ودعم مؤسسات الطاقة الصغيرة والمتوسطة بتمويل صغير.
- استحداث تعرفات ملائمة ذات هيكليات محددة لضمان استدامتها.
- تقديم دعم هادف للأسعار يصل فعلاً إلى المحتاجين، ودعم آخر يستهدف تمويل كلفة التوصيل الأولى.
- الاعتماد على الطاقة المتجددة حيث أمكن بغية تخفيض كلفة التشغيل.
لقد أظهرت خبرتنا أن هناك شرطين ضروريين لتنفيذ نماذج العمل وإنجاحها: تقوية المؤسسات المالية المحلية أو تمكينها من تمويل المزيد من مشاريع الطاقة، وتعزيز بناء القدرات المحلية
العدد 3429 - الخميس 26 يناير 2012م الموافق 03 ربيع الاول 1433هـ