حين تذهب إلى المركز الصحي القريب من البيت تسمع هموم النساء اللاتي ينتظرن الدخول على الطبيب بفارغ الصبر وعنيف الألم.
هذه المرة كانت الحكاية مختلفة، والبطل هو استشاري جراحة دماغ وأعصاب في السلمانية سابقاً وهو أحد الموقوفين عن العمل.
كانت المرأة تتكلم بكل حرقة على وليدها وهو يئن في الجانب الآخر من الانتظار، وسمعت القصة منذ بدايتها، وأنقلها هنا على رغم الألم الذي انتابني وأنا أسمعها.
تصف تلك المرأة الحال بكثير من الألم والحزن، وسأسرد هنا قصتها باللغة الفصحى لأنها كانت تتكلم بلغة عامية قد لا يفهمها الجميع: «ولدي يعاني من مرض نادر جداً شخّصه له الدكتور طه الدرازي، ولأنه طبيب إنسان و(أجودي) أرسلنا إلى مستشفى السلمانية لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لمعرفة الحالة جيداً ولم يأخذ منّا فلساً واحداً بعد أن خمّن أننا لا نملك قوت يومنا منذ أول زيارة له في عيادته وحتى آخر زيارة، بل وفي إحدى المرات حاول إعطائي ثمن الدواء الذي صرفه لابني».
تضيف المرأة: «ابني يعاني من آلام شديدة في رأسه، ولشدتها يضرب رأسه في الجدار الأقرب إليه حين يفقد السيطرة على مشاعره من عنف الألم، ومنذ معرفة التشخيص لم يعانِ ابني هذه الآلام بنفس الشدة إلا بعد إيقافه (الطبيب) عن العمل وإغلاق عيادته».
بكت المرأة حين أخبرتها أن العيادة فُتِحَت من جديد قبل مدة، وحاولت احتضاني لأنها ستستطيع العودة إليه مجدداً لعلاج ابنها، لكنها تمتمت بعد زوال مفعول الفرح: «عاد إلى العيادة لكنه لم يعد في السلمانية فكيف أستطيع دفع مصاريف العلاج!».
ردّت عليها إحدى النساء في الصف الأخير من الانتظار: «شوفي بنتي كانت تتعالج عند اختصاصي أطفال واليوم مو قادرة أوديها له، لأنه مفصول ومحكوم، وكان لازم يسوي لها عملية».
ليست هذه هي القصتان الوحيدتان في البحرين منذ بدء أزمة الأطباء، وإذا ما تغاضينا عمّا يلحق الأطباء أنفسهم من ضرر نفسي ومادي ومعنوي بعد إيقافهم عن العمل أو فصلهم أو إسباغ التهم إليهم، لن نستطيع التغافل عن أزمة المرضى بعد كل ما جرى لهم، وخصوصاً أولئك الذين لا يملكون ثمن شراء الدواء من صيدلية عوضاً عن ثمن الاستشارة في أحد المستشفيات الخاصة.
لن أتحدث عن شكل الأطباء وهم يخرجون أو يدخلون قاعة المحكمة؛ ولن أتحدث عن الجانب القانوني في هذه المحاكمات؛ ولن أتحدث عن كل ما سمعته منهم في فبراير/ شباط ومارس/ آذار وما بعدهما؛ ولن أتحدث عن شعورنا بالخوف من زيارة مستشفى السلمانية التي خلت من الاختصاصيين الذين عرفتهم البحرين وعرفهم من هم خارج البحرين؛ ولن أتحدث عن ما تعرضوا وتعرضنا له من انتهاكات أو مضايقات باعتبارنا مرضاهم ونتلقى العلاج على أيديهم، لكنني سأتحدث عن أزمة مرضى، عن أزمة إنسانية، عن أزمة أمل.
التصريحات الأخيرة تشير إلى عودة مفصولي الصحة إلى الوظائف الشاغرة، ما يعني أن الوظائف قد تختلف والاختصاصات كذلك، فمن الذي سينصف المرضى؟ ومن الذي سيحمل هَمّ من لا يجد ما يدفعه للمستشفيات الخاصة التي تطلب أضعاف رواتب الفقراء في الزيارة الواحدة؟ ومن الذي سيعيد الاعتبار لخيرة الكوادر الطبية البحرينية بعد أن تثبت براءتهم من كل ما نسب إليهم، وبعد أن أسقطت عنهم بعض التهم؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ
جيفري
من طبعي أن أحلل الاحداث الي تصير وأحب أحلل الشخصيات
ومن بعد التحليل اقدر أقدم بعض المعطيات وبشهادة من حولي...
ولكن لم أتخيل يوما من الايام أن الاطباء سيتعرضون لهذه المعاملة
لم أتوقع انه سيأتي يوماً من الايام يحرم المريض من حق العلاج والدواء
لم أتخيل يوماً من الايام أن يكون مستشفى السلمانية بهذه الصورة
وأشياء كثيرة لا أستطيع أذكرها
أناس في بلدي فقدت الضمير
مؤلم
مؤلم ما نقرأه هنا استاذة سوسن ولكن هناك الكثير من المرضى لا مثل هذه الإمرأة كثير جدا استاذتي وأنا واحدة منهم مريضة وكنت اتعالج عند أحد الموقوفين من الاطباء الان اوقفت العلاج لاني ما أقدر أذهب إلى غيره في مستشفيات الخاصة لانها غالية كثيرا؟ شكرا لك استاذة سوسن لانكي تكتبين قصصنا
بوحسن
نعمتان مجهولتان الصحة والأمان لو تعمقنا بهما اكثر سنجد الكثير ممن يتوفون في هذه الأزمة سنجد السبب الرئيسي هو عدم الذهاب للمستشفى منها افتقاره لأطباء والخوف