ثانياً: مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 لمبدأ المشروعية:
إن مبدأ المشروعية هو من أهم ضمانات دولة القانون. ويقصد به أن تكون السيادة، في الدولة، لحكم القانون وحده، وذلك بخضوع السلطات العامة والأفراد له، وهو ما يكفل حماية جدية للحقوق والحريات. ومن المستقر عليه؛ فقهاً وقضاءً وقانوناً أن مدلول القانون ينصرف إلى جميع القواعد القانونية السارية في الدولة - أيّاً يكن مصدرها وشكلها - إذ تشكل تلك القواعد جميعها عناصر المشروعية في الدولة. ولما كانت مصادر القاعدة القـانونية متعددة؛ إذ لا يقتصر إنشاء القواعد القانونية على سلطة أو هيئة عامة واحدة في الدولة؛ فإنه يكون محتملاً وقوع التعارض أو التناقض بيـن هذه القواعد، وبالتالي يصبح من الضروري البحث عن قاعدة ما لتحقق، في آن واحد، الترابط والانسجام بين جميع القواعد القانونية التي يتكون منها التنظيم القانوني للدولة، وحلُّ إشكالاتِ واحتمالاتِ وقوع التعارض فيما بين هذه القواعد. وقد توصل الفـقه القانوني، وبعده القضاء المقارن، إلى مبدأ تدرج القواعد القـانونية؛ باعتباره كفيلاً بكل ذلك. ومبدأ التدرج القانوني هو أحد عنـاصر دولة القانون وضماناتها. ويقصد بتدرج القواعد القانونية التي تكون عناصر المشروعية، ترتيبها في مراتب متعددة متتالية تصاعديّاً، بحيث يسمو بعضها على بعض في تدرج وتسلسل هرمي، يشمل جميع هذه القواعد التي تمثل التنظيم القـانوني للدولة، فتخضع القاعدة الأدنى مرتبة للقاعدة الأعلى منها مرتبة، فلا تستطيع مخالفتها وإلا عُدَّت غير مشروعة؛ ولذلك فإن على كل سلطة عامة، تنشئ القواعد القانونية أو تنفذها، الخضوع لأحكام القواعد القانونية التي تعلوها مرتبة، حتى يكون عملها مطابقاً لمبدأ المشروعية؛ لنصير بذلك أمام وضع قانونية الدولة الذي هو أرقى من مجرد وضع دولة القانون، أي عدم اكتفاء الدولة بسن منظومة قانونية، بل بالخضوع لتلك المنظومة القانونية التي سنتها والتحركُ وِفق إيقاعٍها؛ صُدوعاً منها لحكم الدستور وتمسكاً منها بروحه، وصُدوفاً عما يناقض تلك الروح، فإذا خرجت الدولة على تلك المنظومة القانونية وخالفت نتائج تدرج القواعد القانونية التصاعدي الهرمي؛ فإن أعمالها تلك تفقد قيمتها القانونية وتجيء باطلة ولا تترتب آثارها المبتغاة منها.
ولما كان إعلان حالة السلامة الوطنية صادراً بموجب مرسوم ملكي، ولما كانت المراسيم، كما هو مقرر، فقهاً وقضاءً وقانوناً، تأتي في مرتبة أدنى من القانون، ومن باب أولى أنها أدنى من الدستور الذي يعتبر أسمى القواعد القانونية وقمة هرمها وذروة سنامها؛ وبالتالي فإنه يتعين أن يتقيد المرسوم بما ورد في القانون فضلاً عن الدستور ولا يخالفهما؛ وإذ جاء المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية مخالفاً لكل من الدستور والقانون على حد سواء؛ مما يبطل ذلك المرسوم في ما زاد على فقرة الإعلان وهو ما سنبينه بالتفصيل على النحو الآتي:
مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 للدستور:
أسند المشرع الاختصاص بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح إلى المحكمة الدستورية التي أنشأها المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002، وينعقد اختصاص تلك المحكمة إما عن طريق الرقابة السابقة التي تتولاها تلك المحكمة إذا أحيل مشروع القانون قبل إصداره من الملك إليها، وإما عن طريق الرقابة اللاحقة التي تتم بدعوى أصلية مبتدأة ترفع إليها بقصد إثبات أن لائحة أو قانوناً يخالف نصّاً دستوريّاً، أو بإحالة من إحدى المحاكم نتيجة لما تراءى لها من عدم دستورية النص أو لدفع جدي أثير أمامها من أحد الخصوم بخصوص دعوى قائمة. فالمشرع وإن لم يسمح للأفراد برفع دعوى أصلية مبتدأة بعدم دستورية قانون أو لائحة، إلا أنه أعطاهم الحق في الدفع الفرعي أمام محكمة الموضوع بعدم الدستورية. فنصت على ذلك المادة (18/ج) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية على أنه: «إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ورأت هذه المحكمة أن الدفع جدي، أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز شهراً واحداً لرفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد المحدد اعتبر الدفع كأن لم يكن». ولما كان المستقر فقهاً وقضاء وقانوناً أن المصلحة في الدفع بعدم الدستورية تتوافر حيث يؤثر الفصل في دستورية النص المطعون في الدعوى الأصلية، ومتى كان يمتنع إجابة المدعي إلى طلباته إلا من خلال فحص دستورية النص موضوع الدفع من عدمه.
ولما كان الطعن بعدم الدستورية على المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية بعدم الدستورية يحقق طلبات كل متهم يدفع بعدم دستورية ذلك المرسوم بحيث يُلغى السند القانوني الذي تستند إليه المحكمة في محاكمة المتهم، كما تبطل جميع الاجراءات التي اتخذت في حقه سواء كانت أثناء جمع الاستدلالات أو أثناء التحقيق وسواءً لدى جهات الأمن أو لدى النيابة العسكرية؛ ولذلك فإن مصلحة أي متهم تغدو متحققة في خصوصية الدفع بعدم دستورية المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 باعلان حالة السلامة الوطنية، بعدم الدستورية والذي جاء مخالفاً للدستور، فيما عدا أمر الإعلان وحده الذي تنحسر عنه رقابة القضاء بوصفه من أعمال السيادة. ونورد بيان ذلك في عدة مواضع نفصلها على النحو الآتي:
أ - مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 للقواعد الموضوعية للدستور:
قد يأتي التشريع مستوفياً للشكل الواجب اتباعه طبقاً للدستور، وصادراً عن السلطة المختصة المحددة في الوثيقة الدستورية، إلا أن هذا لا يكفي لاعتباره دستوريّاً؛ إذ يجب لكي يكون كذلك، ألا يكون مخالفاً في موضوعه قاعدة دستورية حددها المشرع، أو متجاوزاً، كما ذهب بعض فقهاء القانون الدستوري، بحق، في غايته روح الوثيقة الدستورية. وقد نصت المادة رقم (123) من الدستور على أنه: «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الشورى أو مجلس النواب أو المساس بحصانة أعضائه في تلك الأثناء، أو اثناء إعلان حالة السلامة الوطنية». وتأكيداً لهذا المعنى جاء في المذكرة الدستورية التفسيرية لهذه المادة أنه : «عدلت هذه المادة نتيجة لما ورد من تعديل على البند (ب) من المادة (36)، والذي أضاف حالة السلامة الوطنية إلى حالة الأحكام العرفية. وتحقيقاً لما تهدف إليه هذه الإضافة؛ نصت المادة (123) على أنه لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام الدستور إلا أثناء الأحكام العرفية. ومعنى ذلك أنه عند إعلان حالة السلامة الوطنية لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام الدستور بأي حال من الأحوال...».
وبإعمال ما تقدم على المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 محل البحث؛ نجد أن أحكامه قد تضمنت مخالفات واضحة لا بل صارخة للنصوص الدستورية والقانونية؛ وذلك في عدة جوانب نذكرها بالتفصيل على النحو الآتي:
ب- مخالفة المادة (5) من المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 لأحكام الدستور:
لقد نصت المادة الخامسة من الدستور على مجموعة من التدابير والإجراءات التي للسلطة المكلفة تنفيذ أحكام المرسوم اتخاذها، وبالرجوع إلى تلك التدابير والاجراءات نجدها قد جاءت مماثلة للتدابير والاجراءات الواردة في قانون الأحكام العرفية التي وردت كصلاحيات تعطل بعض أحكام الدستور، ولا منازعة في ذلك؛ لأنها لو لم تكن تتضمن تعطيلاً لبعض أحكام الدستور لأصبح النص عليها في المرسوم بقانون لغواً وعبثاً يتنزه عنه المشرع؛ ولذلك فاختصاصات الحاكم العرفي الواردة في قانون الأحكام العرفية يمكن أن تعطل الدستور، وهو الأمر الجائز عند إعلان الاحكام العرفية فقط؛ ولا يجوز من ثم النص عليها في إعلان حالة السلامة الوطنية الذي لا يجوز بحال أن تعطل في ظله أحكام الدستور؛ ولذلك فإن النص عليها في المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 بشأن إعلان حالة السلامة الوطنية فيه مخالفة صارخة لنصوص وأحكام الدستور وتعطيلاً له، ونفصل ذلك على النحو الآتي:
1 - خالفت المادة الخامسة من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 ، في بنودها (5 و11) الدستور في المادتين (19/ب) و (25) إذ تنص المادة (19/ب) من الدستور على أنه: «لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء»، أما المادة (25) فقد نصت على أنه: «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها إلا استثناء في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه». ومفاد نص المادتين سالفتي الذكر، أن القبض على إنسان وتوقيفه أو حبسه أو تقييد حريته لا يكون إلا وفقاً لأحكام القانون وليس بأداة قانونية أقل منه مرتبة، وإلا كان الإجراء منافياً للشرعية الإجرائية والأصول الدستورية والمواثيق الدولية ذات العلاقة.
2 - حدت المادة الخامسة من المرسوم من حرية الرأي والتعبير المكفولة بنص المادة (23) من الدستور، كما تضمنت بنودها مساساً بحرية الصحافة والطباعة والنشر المكفولة بنص المادة (24) من الدستور، وحرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية المكفولة بنص المادة (26) من الدستور، وحرية الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات المكفولة بنص المادة (28/ب) من الدستور، وهي حقوق وحريات لا يجوز الانتقاص منها أو المساس بها تحت أية دريعة.
3 - جاء البند (12) من المادة الخامسة من المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 مخالفاً لنص المادة (17) من الدستور والتي تنص على أنه: «أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون». ولما كان المرسوم هو أداة أدنى من القانون فلا يجوز أن يتضمن نصّاً باسقاط الجنسية عمن يتمتع بها، ومن باب أولى فلا يجوز أن تُسند سلطة سحب الجنسية إلى قرار إداري أدنى
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 3419 - الإثنين 16 يناير 2012م الموافق 22 صفر 1433هـ
الخلاصة المرسوم رقم (18) مخالف للدستور
الحقيقة المطلقة أن المرسوم رقم (18) مخالف لدستور 2002 وبالتالي جميع الإجراءات التي تمت باطلة من قبض وتفتيش المساكن والأحكام التي صدرت استنادا للمرسوم منعدمة ولا ترتب أثرا قانونيا.
شكرا استاذ عبدالله وجزاك الله ألف خير سيدي لك كل الإحترام والتقدير.
كتابة للقراءة وقراءة للكتابة
القانون – (ق) قاف و (ن) نون. فالقاف نجدها فى قسط وقسطاس ، أما النون فآخر حرف في الميزان.
فأي قانون يرسم أو يكتب يكون نصه معناه الإنصاف. وهو القاعدة التي يبنى عليها. فلا قانون بلا قاعدة ، ولا قاعدة بلا مبدأ.
ما الذي يمنع سقوط مخالف لقانون الجاذبية الأرضية؟
فهل ينفع تفسير القانون؟ أم عدم المعرفة ؟؟ الاجتهاد فيما هو مسلم به يخلق حالة تعطيل. فالقانون ليس نص ولا ظاهرة ولا حتى رؤية في المنام تحتاج إلى تفسير وتأويل أوتعليل.
فالقانون قانون أوله القاف وآخره النون.
إذن المشكله في التطبيق
لان المواد المذكوره تحمي المواطن و تثبت حقوقه . لكن في واقع الامر هذا ليس بصحيح و الدكتور بسيوني ذكر العديد من الانتهاكات والنتيجه لو ان كل مواطن أعطي برلمان و دستور خاص فيه لما كفل له ......
رائع استاذنا الكبير
نورتنا نور الله دربك