إيقاع العقوبة بحق من يرتكب جرماً هو ضرورة تفرضها الحياة الاجتماعية في المجتمع، ويقتضيها ضرورة الحفاظ على أمن المجتمع، وعدم تعدي الأفراد على بعضهم البعض. وتقدير مقدار العقوبة يجب أن يتناسب مع خطورة الجرم من جهة، ومع ظروف الارتكاب والأسباب النفسية الكامنة لدى المجرم من جهة أخرى.
ولكن لكي تحقق العقوبة أهدافها في ردع الآخرين عن الجرائم ومنع المجرم من تكرار جرمه وإصلاحه وتأديبه، وهو أسمى هدف لها، يجب أن يتم تنفيذها بطريقة علمية بحيث تحافظ على أثرها الردعي وتحتوي مضامين إصلاحية وتأهيلية.
وعليه فمسألة الفصل بين السجناء في السجون مسألة غاية في الأهمية، والتي تعني أن يتم تصنيف السجناء أخذاً بمعيار السن وطبيعة القضايا ومدة العقوبة وسجل أسبقياتهم وأسباب احتجازهم، وما إذا كان محبوساً احتياطياً أو تنفيذاً للعقوبة، فليس من الصحيح كهدف إصلاحي وتأهيلي وتربوي أن يحبس ذو فئة عمرية تتراوح بين 15 و18 سنة، مع آخر يفوقه في العمر بكثير، وبالتالي تاريخه الإجرامي طويل؛ وليس من الصحيح أن يحبس من مازال بمرحلة الاشتباه مع آخر محبوس تنفيذاً للعقوبة؛ وليس من الصحيح حبس من يرتكب الجرم للمرة الأولى وقد تكون بطريق الخطأ مع من اعتاد الجريمة؛ وليس من الصحيح أن يحبس من كان جرمه بسيطاً مع من كان جرمه كبيراً وفاحشاً.
وليس من الصحيح أن يحبس من كان دينه مدنياً مع من ارتكب جرماً جنائياً. وليس من الصحيح أن يحبس من هو محكوم عليه بعقوبة أخلاقية مع من هو محكوم عليه بعقوبة متعلقة بالأموال. وليس من الصحيح أن يحبس من هو مصاب بأمراض خطيرة ومعدية مع من هم أصحاء.
وبرجوعنا لتاريخ نشأة فكرة تطبيق نظام الفصل بين السجناء نجد أنه بدأ منذ إنشاء أول سجن في الإسلام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، عندما اشترى نافع بن الحارث داراً للسجن في مكة وتم وضع أول نظام للسجون، وقد تضمن قواعد من بينها ما يهمنا، وهو تطبيق نظام الفصل بين السجناء في السجون.
هذا يعني أن ذلك النظام كان مطبقاً منذ إنشاء أول سجن في الإسلام، وذلك الأمر أدعى لتطبيقه في الوقت الحالي على النطاق الذي يقتضيه، وتفرض وجوده الضرورة الاجتماعية، وخصوصاً أن الحاجة إليه باتت ملحة أكثر بكثير من السابق.
كما أنه بالرجوع للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والتي أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف العام 1955 وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 جيم (د-24) المؤرخ في 31 يوليو/ تموز 1957 و2076 (د-62) المؤرخ في 13 مايو/ أيار 1977، نجد أنه تحدث عن ضرورة تفعيل الفصل بين السجناء وقد قسّمها لعدة فئات على النحو التالي:
أ - يسجن الرجال والنساء، بقدر الإمكان، في مؤسسات مختلفة. وحين تكون هناك مؤسسة تستقبل الجنسين على السواء يتحتم أن يكون مجموع الأماكن المخصصة للنساء منفصلاً كلياً.
ب - يفصل المحبوسون احتياطياً عن المسجونين المحكوم عليهم.
ج - يفصل المحبوسون لأسباب مدنية، بما في ذلك الديون، عن المسجونين بسبب جريمة جزائية.
د - يفصل الأحداث عن البالغين.
ولبنان من بين الدول العربية التي تخطو نحو تطبيق عملية الفصل بين السجناء في السجون، حيث تتنوع سجونها ما بين معاهد للإصلاح والتأديب موجهة للفئات البشرية القاصرة أي الأحداث، وسجون مخصصة للنساء، وسجون مخصصة للمدمنين على المخدرات، وسجون للرجال، وسجون مخصصة للمصابين بالأمراض المعدية والأيدز، وسجون مخصّصة للمساجين السياسيين.
وباستقرائنا للوضع بمملكة البحرين نجد أن مسألة الفصل بين السجناء توجد بنطاق ضيق نسبياً، ونتمنى أن يتطور الأمر في القريب العاجل، وذلك بتعجيل تعديل قانون السجون الصادر العام 1964م أو إصدار قانون جديد، فنظام الفصل يقتصر على السجناء ما دون الـ 15، حيث يعتبرون أحداثاً، وبالتالي يتم فصلهم عمن يبلغون الـ 15 سنة أو يزيد، وهذا أمر جيد، إلا أننا نأمل أن يتم الآتي وذلك تماشياً مع حاجة المجتمع ومسايرة للفكر العقابي الإصلاحي الحديث:
- ضرورة الفصل بين من هم ما بين الـ 15 إلى 18 عمّن هم أكبر، كون هذه المرحلة العمرية مرحلة خطيرة جداً في الاكتساب والتأثر بالعادات السلبية، بل ان معظم التشريعات والمواثيق الدولية اعتبرتها ضمن فئة الأحداث والأولى أن تسري عليها ما يسري على تلك الفئة، كما أن السجن لن يحقق هدفه الأساسي وهو الإصلاح والتأهيل لتلك الفئة العمرية، حيث ستختلط تلك الفئة بفئة الناضجين عمراً وإجراماً.
- ضرورة الفصل بين من يتم حبسهم احتياطياً عمن يتم حبسهم تنفيذاً للعقوبة، وذلك لأن الفئة الأولى تحوي من هم في مرحلة الاشتباه بينما الفئة الثانية تشمل من افترض القضاء ارتكابهم للجرم وأوجب معاقبتهم، وبالتالي افترض توافر الخطورة الإجرامية لديهم خلافاً للفئة الأولى التي لم يثبت الجرم عليها.
- ضرورة الفصل على أساس نوع الجريمة، فمن يسرق يجب ألا يوضع مع من يقتل خطأ مثلاً. ومن هو مدان بجريمة الاغتصاب يجب ألا يوضع مع من هو مدانٌ بجرم سياسي. «قد يقول قائل في ذلك وما الفرق فكلهم مذنبون»؟ إلا أن المنطق والعقل يقولان ان السجن هدفه الإصلاح والتأديب والتهذيب، فمن هو مدمنٌ على المخدرات قد يكون طريقه للتوبة قصيراً قبل أن يرى من يعلمه على فن آخر من فنون الجريمة كالسرقة أو الاغتصاب مثلاً. كما ان الجرائم الأخلاقية كالاغتصاب واللواط والاعتداءات الجنسية تأتي عادةً من نتاج الشذوذ الجنسي، وبالتالي فإن مسألة الفصل بين السجناء ستقي المدانين بجرائم أخرى، من الوقوع ضحايا لتلك الفئة داخل السجون كما هو حاصل واقعاً. وقد رصد الأردن الكثير من الجرائم داخل السجون من جراء عدم الفصل، وخصوصاً أن المجرم ومن الوجهة النفسية، مرحلة السجن بالنسبة إليه ما هي إلا مرحلة اختبار لقدراته قبل وأثناء وبعد خروجه وليس أبداً بمرحلة استقرار.
- ضرورة الفصل على أساس نوع العقوبة، فمن هو محكوم بالسجن المؤبد لن يكون استعداده الذهني والنفسي للتكيف مع المجتمع، كالمحكوم عليه بمدد تقل عن الخمس سنوات، وعليه ومنعاً للتأثير السلبي الذي يزيد بهذه الفترة بالنسبة لأي سجين نتيجةً لفقده لجزء كبير من حريته في التنقل والحركة، فإن من الأفضل فصل المحكومين بالجنح عن المحكومين بالجنايات.
قصارى القول، نجد أن تطبيق نظام الفصل في السجون بالأسس التي قمت ببيانها، قد يسهم في تحقيق الهدف المنشود للسجن، وهو الإصلاح والتهذيب والتأديب وسرعة إعادة تكيف السجين مع المجتمع
إقرأ أيضا لـ "نفيسة دعبل"العدد 3417 - السبت 14 يناير 2012م الموافق 20 صفر 1433هـ
كلام صحبح
كلام صحيح.......واكيد مدروس من الناحية العلمية والنفسية..........موضوع يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار
مشكورا
مشكورا على توضيحاتك الراقية