العدد 3408 - الخميس 05 يناير 2012م الموافق 11 صفر 1433هـ

ثقافة التسامح بين التنظير والتطبيق

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

عند الحديث عن ثقافة التسامح، تأخذني الذاكرة إلى مطلع العام 2003م، حيث كنت أعمل حينها اختصاصي مناهج لغة إنجليزية للمرحلة الثانوية، وحينها عقدت شعبة اللغات الأجنبية بإدارة المناهج ندوة مهمة تحت رعاية وزير التربية والتعليم وعلى مدى ثلاثة أيام بفندق كراون بلازا في الفترة من 18 إلى 20 يناير/كانون الثاني 2003م، تحت عنوان: «نحو منهج جديد للألفية الثالثة»، تحدث فيها مختصون من داخل البحرين وخارجها وحضرها الكثير من المعنيين بتدريس اللغة الإنجليزية بالمرحلة الثانوية بمملكتنا الحبيبة.

وفي اليوم الأول للندوة وبعد كلمات الافتتاح، كان لي شرف تقديم أول ورقة علمية من إعدادي في الندوة حملت عنوان:A New Vision for the Development of the English Language Curriculum رؤية جديدة لتطوير منهج اللغة الإنجليزية، يذكر أن هذه الورقة العلمية نشرتها دورية جامعة البحرين UoB News and Views في عددها رقم 60 – سبتمبر/ أيلول – اكتوبر/ تشرين الأول 2003م-. وفد احتوت هذه الورقة على عدة محاور رئيسية، منها محور ركائز التربية Pillars of Education التي عرفتها اليونسكو- جك ديلور- الكنز المكنون، وهي: التعلم للمعرفة، والتعلم للعمل، والتعلم للكينونة والتعلم للتعايش مع الآخرين. وفي ركيزة التعلم للتعايش مع الآخرين أوضحت الأهمية القصوى لاستخدام اللغة كونها وعاء للتواصل وللثقافة، والتحضر. كما أسهبت في التحدث عن قيمة التسامح والنظر إلى لآخر الذي يختلف معنا في العرق واللون والدين،... الخ، بأنه إنسان له حقوق وعليه واجبات، وتربطنا معه مشتركات كثيرة، وعليه وجب الإسهام في وضع الطلبة في مواقف تعليمية حقيقية، ما أمكن ذلك، تمكنهم من التعامل مع الآخر المختلف. حيث لا يمكننا العيش بمعزل عن الآخرين، مهما اختلفنا معهم، في مفردات كثيرة.

والشواهد على مدى التعايش القائم بين الأعراق المختلفة في البلد الواحد كثيرة ولا يمكن حصرها في هذه العجالة، فعلى سبيل المثال هناك تعايش ووئام بين الأعراق المختلفة في سنغافورا، وفي أميركا، حيث الحديث عن التعايش وقبول الآخر هذه الأيام عندهم هو غنى لثقافتهم وهو بمثابة آنية السلطة Salad Bowl ذات الألوان والمذاقات المختلفة. وقد شاهدت وعايشت عن كثب ولعدة سنوات هذا الأمر في جمهورية الهند - حيث كنت قد عملت كملحق ثقافي - التعايش السلمي المعروف في أكبر بلد ديمقراطي على وجه الأرض، حيث التداول السلمي للسلطة، وهذا الاختلاف والتنوع وكأنه عقد جميل على جيد غيداء (الفتاة فائقة الجمال) من ألوان وأحجام وأشكال مختلفة ومتناسقة في الوقت ذاته.

ولكن يجب التنبه إلى أمر في غاية الأهمية إلى أن هناك عوامل وقواسم مشتركة بين البلدان المختلفة التي يتعايش فيها أبناء البلد الواحد على رغم الاختلافات العرقية والدينية الكبيرة، وهذا الأمر يتلخص في أن الجميع يعيش تحت مظلة القانون الذي يحمي حقوق الجميع، ويضمن أمنهم (بمفهومه الشامل) وذلك لجميع أفراد المجتمع على اختلاف مشاربهم وأعراقهم.

وقد عاش شعب البحرين بمختلف أطيافه في وِئام ومحبة طوال العقود المختلفة بل وعلى مدى قرون كثيرة، وهذا أمر غير مستغرب، حيث إن معظم سكان هذه الأرض الطيبة من دين واحد، وإن اختلفت المذاهب. أضف إلى ذلك أن عدد سكان البحرين قليل جدّاً مقارنة بالبلدان الأخرى. كما قد عرف عن سكان هذه الأرض الطيبة السجايا الحميدة، وحبهم لمختلف الأفراد الذين عاشوا معهم كزملاء في العمل وكجيران وسياح في أرض الخلود. وقد سمعت شخصيّاً كلمات الإطراء والإعجاب من أفراد كثيرين من بلدان كثيرة يشيدون فيها بما يلاقونه من محبة وترحاب، وعليه؛ فإنهم يرغبون في العيش على هذه الأرض الطيبة، بل وحين يتركونها فإنهم عادة ما يحنُّون للرجوع إليها، ليستذكروا أيامهم الخوالي.

وان ما حدث منذ 14 فبراير / شباط 2011 لهو بمثابة زلزال، كشف بكل جلاء للبعيد قبل القريب هشاشة الأمن بمفهومه الشامل لشريحة كبيرة من أبناء هذا المجتمع. وهذا ما كشفه تقرير تقصي الحقائق، من أن التنكيل الذي حدث، وللأسف مازال يحدث، هو خارج القانون وإن الاستهداف وبشكل فاضح طال طائفة بعينها، حيث انتهكت الحرمات وهدمت المساجد (التي هي بيوت الله وهي لجميع المسلمين)، الخ من انتهاكات يندى لها الجبين.

وعلى مرآىً ومسمع من الجميع قد قبل جلالة ملك البلاد بتقرير اللجنة وبما جاءت به من توصيات. لكن للأسف حتى هذا اليوم ما نفذ من هذه التوصيات لا يكاد يذكر.

وفيما يخص توصية لجنة تقصي الحقائق رقم (23) التي هي محور حديثنا والتي جاء نصها، وأقتبس: «وضع برامج تعليمية وتربوية في المراحل الإبتدائية والثانوية والجامعية لتشجيع التسامح الديني والسياسي والأشكال الأخرى من التسامح، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون».

من الواضح أن المعني بتطبيق هذه التوصية في المقام الأول هو وزارة الترية والتعليم والجهات الأخرى المعنية بالتعليم الجامعي، هذا فيما يخص وضع البرامج التعليمية والتربوية وتشجيع التسامح بأوجهه المختلفة. وكذلك هناك أطراف أخرى معنية بحقوق الإنسان وسيادة القانون، مثل وزارة الداخلية، وبقية المؤسسات الرسمية بصورة مباشرة والمؤسسات الخاصة بصورة عامة، كلهم معنيون بتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون.

لكن الواقع يقول إن الأمر ليس فقط محصوراً في عدة وزارات ومؤسسات رسمية وغير رسمية وما تطرحه من برامج وفعاليات، فالأمر أعمق من ذلك بكثير، فبالنظر إلى التوصيات الأخرى نجد أن جميع التوصيات مرتبطة ببعضها بعضاً، فهي بمجملها تشكل حزمة واحدة متكاملة. وفي حال التقدم في تطبيق احدى التوصيات تطبيقاً حقيقيّاً فسيسهم ذلك بشكل إيجابي لبقية التوصيات الأخرى.

فعلى سبيل المثال في حال وضعت وزارة التربية والتعليم مناهج وأنشطة وبرامج تعزز ثقافة التسامح، بينما الواقع اليومي الذي يعيشه المتعلمون في مختلف مناحي حياتهم لا يتطابق مع ما يدرسونه في المدارس، فإن هذا ستكون له انعكاسات عكسية، حيث سيفقد المتعلم الثقة بهذه المناهج، ويعزف عنها، ولن يكون لها أي صدى في حياتهم العملية، بل ستصبح مادة للتندر وللحفظ من أجل تفريغ محتواها في الامتحانات.

ان الحديث عن التسامح الحقيقي يتطلب إحقاق الحقوق، وتفعيل المواطنة الحقيقية، ومن ضمنها كبح جماح المرضى النفسيين من إعلاميين (وهم كثر) من بث سموم الفرقة، وتخوين من يختلف معهم في الرأي، بل كل من يطالب بحقوقه الطبيعية التي كفلتها جميع المواثيق الدولية، وكذلك ينطبق هذا الأمر على الكثير من المسئولين الرسميين الذين يمارسون التمييز بمختلف أنواعه وأشكاله في مواقع عملهم، وفي ظل غياب نظام المحاسبة على ما يقومون به من تجاوزات تفتت اللحمة الوطنية، وتسهم بشكل سلبي بتعميق الهوة وتفاقم المشاكل.

وعليه؛ فإن الحل الحقيقي لمشكلات بلدي هي النظر في مختلف المشاكل الحقوقية، والسياسية، وانه ما لم تتم معالجة هذه المشاكل المتجذرة؛ فإن أي حل ترقيعي سوف لن يكتب له النجاح، حيث اثبت مواطنو هذه الأرض الطيبة أنهم على وعي كامل بحقوقهم المسلوبة، التي بذلوا في سبيلها الغالي والنفيس

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 3408 - الخميس 05 يناير 2012م الموافق 11 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:25 م

      الى اليساري البرباري

      ما اشرت اليه لا خلاف عليه وانت اخ عزيز بيد ان ما اشرت اليه يشير الى منحى اخر في موضوع التسامح
      مع صادق تحياتي

    • زائر 8 | 9:00 ص

      المصلي

      مقال اكثر من رائع نعم التسامح هو في تفعيل المواطنه الحقيقية واحقاق الحقوق والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الشريرة بتمزيق اللحمة الوطنية كائن من كان وهم كثر كالطفيليات خرجوا علينا في هذا الوقت بالذات لتئجيج الفتن عبر وسائل اعلامية وللأسف الشديد رسمية يخونون من يختلف مع نهجهم في الرأي لايهمهم الوطن والمواطنين همهم الوحيد هو القفز والتسلق على اكتاف الغير بتملق مقزز يفطنه حتى المجنون الخالس من عقله وهؤلاء هم الذين ورطو البلد بأدارة في غاية السداجة بالتمييز والأقصاء والطائفية المقيته

    • زائر 7 | 7:23 ص

      الى الأخ المحترم زائر 5 ... يساري برباري

      الى الأخ الموقر زائر رقم 5 شكرا الى مشاطرتنا الرأي في ما ابديناه ، لكن دعني اختلف معك في ما اوجزته بأن تقويم صاحب الاخلاق المنحرفة وبالتحديد المنافق امره بسيط والتغلب عليه عن طريق الموعظة ، انا لا ارى الأمر كذلك لأن الاخلاق وفقا الى مفهومي هي جزء من الوعي الاجتماعي والذي هو انعكاس طبيعي للواقع الاجتماعي السائد وأن تقويم الأخلاق يأتي عن طريق تحسين الواقع الاجتماعي او تغييره ، نتمنى ان نكون دوما متسامحين ومتحابين مع انفسنا ومع من نعيش على هذه الارض مهما كانت درجة اختلافاتنا فأختلاف الرأي حسنة

    • زائر 6 | 6:47 ص

      معنى التسامح

      مامعنى التسامح؟ معنى التسامح ان تقبل الطرف الاخر يقول غاندي انا لا احب التسامح ولكني لا اجد افضل منة جرة بحوث في اوربا عند الاطباء النفسانين ان الذين لا ينامون الدائمين في قلق هم الذين لا يعملون على التسامح بمعنى اخر التسامح لا يوجد في حياتهم اليومية اليوم ينظر الى الانسان بعقيدة لا ينظر كونة انسان خليفة الله في ارضه.

    • زائر 5 | 5:50 ص

      الى التعليق 1و4

      الى الاخوة المحترمين على الرغم من مشاطرتي الراي الا ان ما اشرتم اليها يمكن حلها بالموعضة الحسنة ويمكن ان يتوب مقترفة بيد ان اكبر الكبائر التعمد في زهق الروح البريئة وهتك العرض والاعتاء على محرمات الضعفاء

    • زائر 4 | 3:49 ص

      الى زائر واحد

      كنت انوي ان اعلق على الموضوع مباشرة كونه شدني من حيث عنوانه وما حواه لكن فضّلت ان اتناول تعليق رقم واحد قد من باب الاضافة عليه ، فالتناقضات عديدة في مجتمعنا متوغلة في تعاليم هذا المجتمع نفسه ، فنحن نتحدث عن الفضيلة في العلن ونلعن الرديلة لكننا في الخفاء نأتي بأردء الردائل ، هذا من يتحدث عن عفة المرأة وقيمة الحجاب وهو يبحث عنها في الشقق المفروشة ، هذا من يتحث عن الغش والنميمة والكذب وهو يأتي بما يناقضه ، انظر الى السوق وتحدث الى من يقيم الصلاة ويصوم رمضان ، تلقى من غش المؤمن ومن سرق ارض ابوه

    • زائر 3 | 3:45 ص

      قيم التسامح

      قيم التسامح الاصل الثابت في القيم الاسلامية وعندما قرأت كتاب التعذيب في الاسلام للمرحوم هادي العلوي توارد الى ذهني سؤال لماذا نكون كذلك في تعارض صارخ مع تلك القيم ونحن نهرول كل جمعة زرافات الى بيوت الله وننسى تلك القيم في ممارساتنااليومية وفي علاقاتنا بالاخر.
      لم يختلف الامر عن ما كان بالامس فان ثقافة التسامح قبرت في مهدها وذلك هو سر هزيمة امتنا وتراجعها بين الامم ونتمنى ان تعود حكمة التدبير الى من فقدها وبدون ذلك لن تستقيم الامة ولن تعلوا امواج الطيبة المعروف بها شعبنا.

    • زائر 2 | 2:07 ص

      نعم انا مع المعلق الاول الطيبة كانت اهم سجايانا ولكن

      نعم نحن شعب تميز بطيب الخلق وحسن التدين وامور كثيرة ينعت بها لدى من تعامل معه ولكن للاسف هناك
      من عمل على تخريب كل ما هو جميل في هذه الديرة

    • زائر 1 | 1:24 ص

      ملاحظات على المقال ارجو سماعها ....

      *الطيبة اصيلة في هذا الشعب توارثها الابناء من الاباء
      * الوافدون على الوطن أفسدوا الطيبة وافسدوا سمعة المواطن
      *التناقضات في مجتمعنا غدت سمة مثل يقرأ الطالب في كتب التربية الاسلامية ان الخمر حرام ويقرأ في ذات الكتب أن دين الدولة الاسلام الذي يحرم الخمر وفي جانب أخ يجد الخمر يباع ويشرب ويسرف في بيعه وشربه فيعيش التناقض

      * ويقرأ الربا حرام لكنه يجد م}سساته تملأ البلد

      * وكذلك الحال بين الاقوال والافعال من قا~ل بوحدة المجتمع ويدعو قولا الى الوحدة ويرفض الفرقة والتمييز لكنه يمارسها

اقرأ ايضاً