تصلح رواية «دموع باخوس»(1) أن تشكل استثناء في ثيمتها الأساسية. إذا ما افترضنا أنها مشروع «رواية حول جنس الرواية». «دموع باخوس» أو دموع «فدوى بنحلام» المعروفة اختصارا بـ «روزالي» والمنتهية تأليهاً باخوسيا سامر السارد ذات ليلة، تدعونا للتفكير في كيف نكتب نصاً يتحدث عن «فن السرعة» الحياة بواسطة «فن البطء» الرواية؟؟ لكن، في الوقت نفسه فهذا النص المركب بمحكيات تنمو بشكل متواز يجعل تفكيرنا منصباً حول «فن الرواية» ذاته. ولعله رهان الذي دفع «محمد بن محمد أو مالك المكنى أمنصور «الله وليه» يكتب هذا «السفر» الذي اختاره ألا يكتمل. فهو أشبه بنص «منزل البهلوان» تكفي الأسئلة أحياناً لتساءل العالم!.. كما تكفي حادثة اختفاء «باخوس» كي يماثل اختفاء «حكاية» يجد السارد نفسه مرغماً على إتمام تفاصيلها. لكنه في النهاية يجد نفسه قد تحول لقارئ ثم شخصية هلامية في عوالم عجائبية لينتهي الى مآل أكثر سحرية، لا حكاية ثانية إلا ما يحكى.. وما يحكيه السارد بتدرج يتخذ ملمحاً خاصاً. فهو الصوت الأشبه بالنداء، لا التزاماً مع «آهل فرطاطة» ولا «بحثاً عن لصوص الإله باخوس» ولا «رغبة في الانتقام من معذبي الأب» ولا «حتى استجابة لطلب علاء في أن يتمم ما خطته يداه باعتبار أنها «رواية بلقاسم أنور» الذي رغب في كتابتها لكنه وجد السارد يخط ما اعتبره: «الكتابة الروائية فن الاستحالة والحرية واللعب..الرواية هي ما تبقى أمام العجز من قدرة..بل ما يؤكد أن الذي يحدث في الخيال قد يكون أهم مما حدث بالفعل في الواقع»/ص127.
نص «دموع باخوس» أقرب الى «جسد روزالي» «الموديل»؛ إذ لا تنفصل لحظة الإبداع عن لحظات الحياة، ولا المتعة عن اللذة «الجسد ـ الكتابة»، وهو أيضاً شبيه بالتشكيلي سندي شرمان؛ إذ جعل نفسه موديلاً لذاته.. في النهاية، يجعلنا السارد داخل متاهته البليغة لا داخل تفاصيل وعوالم النص الروائي، ولا تبعاً لتوافقات الخطاب الثاوي؛ بل يتجه الى جعل «الرواية» موضوع روايته هي أيضاً تحتاج لمن يكمل تفاصيلها، تحتاج لمن يرفع «الحجاب»/ص311. إذ «لكل منا روايته، ولا أحد يكتب رواية أي أحد، من لم يكتب روايته بنفسه لا رواية له»/ص309. لذلك يتساءل السارد في نهاية النص «من أكون أنا في كل هذا السديم؟» وداخل المتاهة ذاتها أنتساءل كقراء أين نكون الـ «نحن» من هذا الذي أمامنا؟؟ حيوات تتجاور بعناية تحكي غربتها وتشظيها..من داخل غربتنا وغربة النص الذي يبحث عمن يكتبه؟؟ أو من يتممه؟؟
- من (الوصية ـ 8 الى 80): «القرية التي عبدت إلهاً غير معلن بشكل رسمي، النهر الذي يضمن حمل البول المقدس إلى مصبه الكوني في المحيط الأطلسي، هاتف المرحوم يدلي باسم امرأة تدعى روزالي، كيف تسقط المستشقرات في الفخ الجمالي».
- الى «منزل البهلوان ـ 81 الى198»: «الرسالة ذات النبرة الآمرة المتخفية، الشقراء الأميركية التي تعقبت خطوات الملكة كيلوباترا، الرجل الذي تنكرت له إيميلي بعد عودتها إلى أميركا، فصل ثالث من رواية منزل البهلوان غير مكتوب..».
- الى «السر المحجوب 199ـ311»: «ضحية النظام الذي لا يميز بين الليف والزرواطة، التنازل الطوعي عن الانتقام الذي لم يجلب التعويض، الإمبراطور الذي يتسلى ببهلوان يركب حماراً عكس الاتجاه الصحيح، امرأة من سلالة الباخيات».
- انتهاء بـ «دموع باخوس ـ 1 الى 314»: «الوصية، منزل البهلوان، السر المحجوب»
هذا التوزيع له ما يبرره على الأقل في جانب البناء الروائي، لكنه يدفعنا الى التساؤل وهي رغبة دفينة لنص «دموع باخوس» هذا «السفر» ويطرحها السارد تصريحاً في قوله:
«ما هذا الذي أقرأ؟ كيف يحدث هذا؟ من كتب هذا الكلام؟ هذا جنون..أأكون كتبت هذه الحكاية دون علم مني (...) حكاية عن تمثال الإله باخوس المسروق؟ تمثالي أنا؟ وحكايتي أنا! بل قصة حياتي أنا!..»/ص126.
على هذا الأساس ظل السارد يبحث عن مشروع «رواية»ـ «حكايته هو» التي تكلف «سارد «علاء» بإتمامها»، مع أنه يعود للتشكيك قائلاً: «باخوس..ليس مجرد كلمات تطلق عليها أنت رواية»/ص130. وهو هنا يتحول لناقد لما يحكيه لشخصية يسمها بدقة «علاء تمثال عار لملاك ضائع»/ص64. وربما لهذه الاعتبارات تلتصق «الرواية» بـ «باخوس» الضائع (ة)..
في دموع باخوس استقصاء للمغرب الحديث، على رغم حفريات الرواية استدعاء لمرحلة «سنوات الرصاص»، «المخزن»، الصحافة المستقلة،..رؤية راديكالية للأشياء. مع أن «دموع باخوس» تعود للماضي بسخرية سوداء. لا ترتبط بالراهن إلا في حدود سؤال النص الروائي..وهي هنا تقوم بتصريف مواقف باقتصاد كبير. إذ تظل محكومة بهذه الرغبة «اللاإرادية» وبعبثية الأشياء بحس التشكيك وهو القلق الأنطولوجي الذي ينصهر فيه السارد بصوته الداخلي مع شخوصه مع أسئلته، لينتهي به «المآل» الى «طقس باخوسي عجائبي يوازي ما يسمه بـ: «الكتابة الروائية هي فن الاستحالة والحرية واللعب..ما تبقى أمام العجز من قدرة»/ ص127.
فهل هذه القدرة هي ما أنهاه «محمد أمنصور» من سفر في الهزيع الأخير من ليل 12 سبتمبر 2007؟؟ هذا «حجاب آخر» للقارئ يحتاج لمن يكشفه ولا أدعي أنا ذلك ربما فوتت علي «لذة الخلود»/ ص286 التي تمنحها لنا قراءة «رواية جميلة» أم تراني لم أفعل!!
«دموع باخوس» محمد أمنصور ـ رواية، منشورات الموجة. الطبعة الأولى2010
إقرأ أيضا لـ "عبدالحق ميفراني"العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ
تلك التي..
من أروع ما قرأت