العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ

ملامح الأسلوب القصصي في «نافذة هروب» لخالد سامح (2 - 2)

نضال القاسم comments [at] alwasatnews.com

شاعر وكاتب أردني

ويمتزج الحلم في قصص المجموعة بشيء آخر هو القوة، قوة التعبير عن رؤية الكاتب للعالم وأشيائه. قوة تكتسب وهجها من الوضوح العميق. ويشكل الاغتراب العامل المشترك في هذه القصص، وهو الأزمة التي تعانيها شخصياتها بعلاقاتها بمحيطها الاجتماعي مع تغير نمط العلاقات والقيم السائدة، وعدم انسجام تلك الشخصيات مع التغيرات الحاصلة، هذه الأزمة تصل إلى حد الاستغلاق والانفصال عن المحيط وحتى عن الذات، هذا هو محور قصة «أحلام قصيرة»، التي تسهب في تصوير هذه الحالة وتحليلها، أما قصة «نافذة هروب» فالأزمة فيها تأخذ منحى التشويش في التواصل، فكل فعاليات الحياة وتجلياتها، تتمظهر بأوضاع مختلفة، هذا ما تحيلها إليه أحاسيس شخصيات القصة، وهي بدلالات مختلفة، الانكسار، النفور، الكبت، الحصار.

ويستثمر سامح احتكاكه اليومي بالمفارقات اللغوية، ليقدم للقارئ عالماً دينامياً حياً له قدرة كبيرة على التعبير عمَّا يحفل به الواقع، فلا يستنسخ هذا الواقع وإنما يوظف عناصره لتثبيت البنى الدلالية.إنه يسبُر ويوغلُ عميقاً في تحولاتنا ليشاطر ملامحَنا وتماهينا مع الحياة اليومية.. إنه يُقاربنا خلسةً، وبكلِّ تأنٍّ وهدوء، وبلغة ٍ واقعية وحسيّة مشحونة بالدلالة ِوالترميز والإيحاء والإيجاز، وببناء ٍفنيٍّ محكم لعالم ٍمُدهش ٍ وأخّاذ من جهة...خانق ومقموع من جهة ٍ أخرى، وهو في كلٍّ هذه التضادات والمفارقات الحيّة يقدّم لنا ملامح َ بشرية نعرفها بدقة، بَيْدَ أننا نكتشف بغتة ً بأنها ملامحُنا جميعا ً ومن دون استثناء.

وأما بعض القصص في المجموعة فإنها تشكو من ضعف في نهاياتها، فهي تنتهي ولا تنتهي؛ إذ تبقى الحالة معلقة، وكأن السرد يرتسم خطاً بيانياً، يحدد نقاطه محورا الأنا والآخر، ليصل إلى نقطة ما وينقطع بانتظار بيانات لنقاط جديدة، تعادل نقطة التوقف نهاية القصة وهي كما أسلفنا، نهاية باحتمال البداية، هذا يترك القارئ في حالة ترقب وتحريض على المشاركة فيما بعد النص أي فيما يتوقع أن يحدث، ومما يجعل القصص أكثر تأثيراً وديمومةً.ومن الأمثلة على هذه القصص قصة «حدث باليوم الأخير».

وحين ننظر في بعض عناوين قصص المجموعة فإننا نجد أنها تجمع الشيء وضده، ويتضح هذا من خلال بعض العناوين؛ إذ يجمع عنوان «حادثة الأيام السعيدة «بين الشيء ونقيضه.وتجمع قصة «مكافأة نهاية حلم» ما بين الأمل والألم، وتتمحور قصة «حدث باليوم الأخير» حول الثنائية الضدية التي تنتهي بانتصار الموت على الحياة؛ إذ تدور أحداث القصة حول حكاية العجوز الذي يبيع الزهور منذ سنوات في باب المستشفى الأرستقراطي والذي تحقق فيه قول الشاعر «رب إمرىءٍ حتفه فيما تمناهُ»؛ إذ إن دخول هذا العجوز إلى المستشفى قد تحقق بعد أن صدمته سيارة «الشبح» فتم إدخاله على الفور إلى « الجناح الملكي» في المستشفى ليقضي اللحظات الأخيرة من عمره في هذا المكان وليغمض عينيه بعدها للمرة الأخيرة على حلم لطالما حلم بتحقيقه، فلقد تحقق حلمه الذي تمناه طويلاً ولكن نهاية الحلم كانت صادمة وحزينة.

إن قراءة دقيقة ومتابعة لقصص خالد سامح، في هذه المجموعة، تكشف عن ملامح أسلوبه السردي، التي يمكن إيجازها في استخدام اللغة العربية الفصحى المبسطة في الوصف، بمهارة عالية، إلى جانب اللهجة المحلية التي تظهر في الحوارت القليلة التي تتضمنها بعض القصص؛ لكن خالد يظل على العموم كاتباً وصفياً، لا يلجأ إلى الحوار إلا في حالات قليلة جداً، وهو أسلوب يجعل من قصصه أقرب إلى كونها حكايات، وليست قصصاً حديثة، بالمعنى المتعارف عليه، فهو حكواتي بامتياز.

ومن أهم ما يلفت الانتباه في هذه المجموعة الأهمية التي يعطيها خالد سامح للعين والنظر. العين الفاحصة تكون دائماً هي ما يورط شخوص القصة في شرك الأحداث. لذلك يكتفي السارد بالنظر، وفي خضم ذلك يكبر أمام عينيه حجم ثنائيات متقابلة بحدة وعنف: الظاهر الباطن، المدينة القرية، الواقع الحلم، الصمت الكلام.

ويتنوَّع الفضاء ويتوزع في قصص المجموعة ما بين «سقف السيل» وشقة الشباب العراقيين والصحيفة والمستشفى والشقة الفارغة التي يعيش بها الصحافي وحيداً واليابان والشركة التي يعمل بها رضوان والمركز الأمني، ويأخذ المكان في القصص تجليات فاعلةً يفصح بها عن ذاته، حتى إنه يغدو مكوِّنا بطلاً، لا يقل شأناً عن بطولة الشخصيات نفسها، وجوه وأماكن من العاصمة، منتقاة ومرسومة سردياً بعناية ودقة فائقتيْن، ليتِمَّ تمثُّلُها جمالياً وإنسانياً.

إن خالد سامح في «نافذة هروب»، يتكئ على كتابة قصصية فيها الكثير من المزج الجميل والناجح بين البساطة باعتبارها فناً، وبين الموضوعات الحميمة وذات الوشائج العميقة بحياة شخصياته، من دون أن ننسى المناخات الحارّة التي تشيع في سطور قصصه، والتي تجعل من قصص هذه المجموعة اجتهاداً فنياً يستحق التحية

العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً