في الفصل السابق تناولنا المستوى الأول من طقوس علاج أو استرجاع المُبدَّل، وفي هذا الفصل سنتناول المجموعة الثانية من تلك الطقوس وهي مجموعة طقوس تدور حول ترك الطفل منفرداً لفترة محددة، وفي الغالب ما يكون بين القبور أو داخل قبر مهجور، أو قد يدفن في الأرض أو غيرها من الممارسات التي تهدف في الأساس إرجاع المبدل لأهله الجن؛ وبذلك نكون قد انتقلنا لمستوى يعتبر أكثر حدة أو شدة على الطفل، وتتراوح شدة الطقوس هنا من تخطي القبور حتى تصل لمستوى ترك أو دفن الطفل في أحد القبور. وسنبدأ بأكثر الطقوس شيوعاً بين جميع الجماعات الشعبية وهو الطقس المتعارف عليه لعلاج المبدل عند تلك الجماعات وهو ترك الطفل وحيداً.

ترك الطفل وحيداً

إن السبب الأساسي لحدوث عملية تبديل الطفل الإنسي من قبل الجن هو ترك الطفل وحيداً دون رقابة، وعليه فالجماعات الشعبية في جميع الثقافات تتفق فيما بينها بأن ترك الطفل وحيداً من جديد سيؤدي لعملية تبديله مرة أخرى (Munro 1997). ففي البحرين كانت العامة عندما تصل لقناعة أن الطفل مبدل من قبل الجن تقوم بوضعه بين النخيل أو في مكان مهجور من بعد الغروب، ولا أعلم بالتحديد كم من الوقت يبقونه هناك، ويقوم البعض باستعطاف الجن بجمل أو استرضائهم بوجبة معينة فلربما يستجيبوا ويقومون بإعادة الطفل المبدل.

وفي العراق هناك طقوس شبيهة بهذا تستخدم لعلاج الطفل الذي فقد القدرة على المشي ذكرها الفتال في كتابه إلا أنه كعادته لم يربط تلك الطقوس بمعتقد المبدل أو بالجن بل وضعه تحت عنوان علاج «شلل الأطفال»: «إذا أصيب أحد الأطفال بشلل في رجليه فجداتنا يوصين بأن يؤخذ للمقبرة وقت الغروب ويترك هناك مدة من الزمن ويختفي أهله عنه حتى يبدأ الطفل بالمشي الاعتيادي» (الفتال 2005، ص 89). فإن لم ينفع معه هذا العلاج يتم تلطيخ رجلي الطفل بحلاوة الميت فيكون شفاؤه أكيداً (الفتال 2005، ص 90). وحلاوة الميت هي حلاوة خاصة يتم طبخها وتوزيعها في الأيام الثلاثة الأولى بعد وفاة الإنسان (الجليلي 1986). وهذا الطقس الأخير شبيه بطقس علاج المبدل في مصر إلا أنه في مصر يستخدم طين من فوق القبر لتلطيخ رجلي الطفل وذلك ضمن طقوس تعرف باسم «التخطية فوق القبر».

التخطية فوق القبر

في مصر تعتقد الجماعة الشعبية أنه إذا كان الطفل يعاني من عدم القدرة على المشي أو تعثر المشي وتأخره عن السن المعتادة أنه مبدل، ولعلاج هذه الحالة «تذهب الأم بطفلها المريض إلى قبر متوفى حديثاً، وتخطو - وهي تحمله - فوق القبر سبع مرات لليمين وأخرى للشمال... تحرص هذه الأم على أن تحصل على جزء، ولو يسير، من الطين المتخلف عن عملية الغسل، لتدهن به قدميه، ثم تنزع جزءاً آخر من طينة القبر - الذي لا يزال طرياً - لتدهن به قدمي الطفل أيضاً، ثم تخطو به سبع مرات من فوق القبر جهة اليمين وجهة الشمال، على أن يحدث هذا الأمر وقت صلاة الجمعة، وهو ميقات تطهيري كالفجر، وكأيام المواسم والأعياد الدينية، إذ يتصور أن أداء هذه الطقوس خلالها يضاعف فعاليتها. وتوصف المرأة حين تذهب إلى الجبّانة لتخطو فوق القبر بأنها: «شقت الجبّانة نُصَّيْن» بمعنى أنها مرت من منتصف الجبّانة، وهي في طريقها لزيارة ذلك القبر الحديث، إمعاناً في تعريض جسد الطفل للقوى السحرية الكامنة في ذلك المكان الغامض.» (خضر 2008، ص 65 - 66).

والجدير بالذكر أن هذه الطقوس تستخدم أيضاً لعلاج الطفل المتضرر بسبب «التابعة» أو بسبب العين الشريرة أي الطفل «المشوهر» (خضر 2008، ص 65 - 66).

وضع المُبدَّل داخل القبر

في مصر قديماً لم يكن كافياً أن يتخطى بالطفل القبر بل كان يترك الطفل داخل القبر أو داخل فرن ويغلق عليه حتى يتم إعادة استبداله من جديد من قبل الجن، هذه الطقوس لم تذكر إلا في الكتب القديمة أما الكتب الحديثة فلا تتطرق، وقد وثقت هذه الطقوس لعلاج المُبدَّل في مصر في كتاب «طب الركة» وقد أطلعت على النص المترجم في النسخة الإنجليزية ترجمة Walker العام 1934م تحت عنوان «Folk Medicine In Modern Egypt» الصفحة المرقمة باللاتيني XXIV وهي الصفحة رقم 48 من الكتاب، أما النص العربي فاقتبسته عن دراسة «النبش في ركام الخرافة: لمحة من الخرافات المصرية» لإبراهيم كامل أحمد وهي منشورة على مدونته في الشبكة العنكبوتية: «رصد الطبيب المصري عبدالرحمن إسماعيل خرافة المبدول في كتابه «طب الركة»، وكانت تلك الخرافة تسيطر على عقول بعض الفلاحين فيعتقدون أن الجن أبدل طفلهم بطفل من الجن، وكانت هناك طريقتان لاستعادة الطفل الإنسي، ففي البحيرة وما والاها يدخلون الطفل في تنّور (فرن) لا نار فيه وقت الغروب ويغلقون بابه جيداً ويتركونه حتى الصباح، وعند إدخاله في التنّور يقولون: «حَدَّ الله بيننا وبينكم هاتوا ابننا وخدوا ابنكم». أما في الجيزة وبني سويف وما جاورهما فيستعيضون عن التنور بقبر مهجور لم يدفن فيه ميت منذ عام على الأقل. ويعلق مؤلف كتاب «طب الركة» على ذلك بقوله: «هما طريقتان وحشيتان فربما مات الطفل من كتم النفس في الفرن أو في القبر أو أصابته بعوارض خطرة تؤدي إلى هلاكه».

طقوس دفن المُبدَّل

ينقل صالح شبانة في مقاله عن المُبدَّل عن «موسوعة الفلكلور الفلسطيني» للدكتور نمر سرحان إحدى طرق علاج المُبدَّل تحتوي على طقس العبور: «وهناك طريقة أخرى حيث يتم حفر حفرة ووضع جسد الطفل بها، وتغطية رأسه بسلة، ويطلقون النار فوق رأس الطفل وهم يهتفون: خذوا ابنكم وهاتوا ابننا، والممارسة السحرية هنا بالعلاج بوضعه في الحفرة تقريبه لأهله الجن سكان أسفل الأرض، والطخ وإطلاق النار هو لتخويف الجن وإرهابهم بقوة السلاح، وعملية من عمليات التهديد واستعراض القوّة وإظهار العين الحمراء» (شبانة 2009، نقلاً عن سرحان 1989).

طقس دفن الأطفال المرضى والذين تعتقد العامة أنهم مبدلون كان منتشراً في مالطا أيضاً، حيث كان يتم دفن الطفل حتى عنقه في المناطق القريبة من ساحل البحر ظناً منهم أن الجن ستعيد الطفل المُبدَّل ثانيةً (Walz 2008، p. 247)، وقد اشتهر ساحل سانت جوليان St Julian بهذا الطقس العلاجي حيث ذكر MacGill في كتابه « Handbook or Guide for strangers visiting Malta « انتشار هذا التقليد عند سكان المنطقة القريبين من هذا الساحل، وهو يعتبر طقساً علاجياً للأطفال والبالغين (MacGill 1839، P. 117) ولم يحدد مؤلف الكتاب السابق نوعية المرض التي يتم العلاج عنه ولم يذكر معتقد المُبدَّل، ويبدو أن هذا الطقس العلاجي كان منتشراً بصورة ملحوظة ولعددٍ من الأمراض؛ ففي العام 1853 نشرت The Malta Times of Tuesday رسالة مفادها أن أحد المسافرين قد رأى أربعة أطفال مدفونين حتى أعناقهم في الرمل في منطقة سانت جوليان