نص حكم الفقرة 1679 من التوصيات العامة لتقرير لجنة تقصي الحقائق في البند (ي) على وجوب تعويض عائلات الضحايا المتوفين بما يتلاءم مع جسامة الضرر، وفي البند (ك) على تعويض كل ضحايا التعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي. وفي هذا الصدد رحبت اللجنة بالمرسوم الملكي رقم 30 لسنة 2011 بإنشاء صندوق لتعويض المتضررين.
غير أن هذا المرسوم على أهميته من حيث إنه قد حدد في المادة الثالثة الأشخاص المتضررين الذين يجوز لهم اللجوء إلى الصندوق للمساعدة في الحصول على التعويض نتيجة للأحداث العنيفة التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس العام 2011 بمملكة البحرين أو نتيجة لحوادث عنيفة مماثلة من ذات الطبيعة حدثت بعد هذا التاريخ، ويشمل التعويض المجني عليهم، وكذا أقاربهم حتى الدرجة الرابعة أو من يعولونهم، نقول رغم هذه الأهمية فإن اشتراط هذه المادة في فقرتها الأخيرة (لصرف المساعدة للتعويض صدور حكم جنائي نهائي من المحكمة المختصة بإدانة مرتكب الفعل). سينال من هذه الأهمية.
ذلك أن حكم هذه الفقرة يعني أن أي متضرر من الحوادث لا يمكنه الحصول على التعويض إلا إذا صدر حكم جنائي بات في مواجهة المتسبب في الضرر، وهو بهذا المعنى لن يؤدى إلى مصالحة فاعلة تساهم في خروج البحرين من الأزمة السياسية التي تعصف بها إذ ليس من اللازم أو الضروري على سبيل المثال من كان في الحبس الانفرادي، أو في الحبس الاحتياطي لفترات طويلة دون محاكمة أو من أعتقل تعسفياً، أو من تم القبض عليه وتفتيش منزله خلافاً للقانون، أو من حصل على حكم ببراءته، أو من تم حفظ قضيته أو التنازل عنها، أن يصدر حكم جنائي في مواجهة من تسبب في كل هذا الحالات، فضلاً عن ذلك فإن كثيراً من الأفعال قد ترتكب بطريق الخطأ و لا يتوافر فيها القصد الجنائي كركن أساسي من أركان المسئولية الجنائية اللازم لصدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل، كما إنه من المقرر في المسئولية المدنية أنه يجوز إثبات عناصرها بكل طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن.
لذلك فإن حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة التي تشترط صدور إدانات نهائية ضد المتسبب في انتهاكات حقوق الإنسان حتى يتمكن المتضرر من الحصول على التعويض، لا يصلح أن يكون أساساً لتنفيذ حكم الفقرة 1679 البندين (ي، ك) من التقرير، ويتعارض مع توصياتها بهذا الشأن، كما يأتي خلافاً للمادة 9 الفقرة (5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على أنه (لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حقٌ في الحصول على تعويض.) وهذا الحكم ينطبق على كل حالات الاحتجاز أو الاعتقال بصورة غير شرعية أو تعسفية، ولا يشترط صدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل.
وفي هذا الإطار فإن على الأجهزة التنفيذية أو اللجنة المعنية حسبما أطلق عليها (بمتابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق) وهي تتابع التوصيات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة، أن تأخذ بعين الاعتبار ما سلف من ملاحظات. وأن تفهم أن الهدف الأساسي من سياسة التعويض هو إحقاق العدالة للضحايا. وأن مصطلح (العدالة الانتقالية) يجب أن يفهم على أنه إدماج عناصر الاعتراف بالضحية ورد كرامته وإعادة بناء الثقة بين المواطنين بعضهم البعض، وبين المواطنين ومؤسسات الدولة، وإرساء التضامن الاجتماعي، وأنه أمام ما أوضحه تقرير تقصى الحقائق من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، أصبح لزاماً على الحكومة ليس فقط ضمان حقوق الضحايا بل التصدي أيضاً لمرتكبي هذه الانتهاكات. وتهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامتهم وتعويض أقصى ما يمكن من الضحايا بهدف توفير استجابة شاملة وكاملة قدر الإمكان.
وأن تدرك أن مفهوم التعويض ينطوي على عدة وسائل من بينها التعويض المباشر (عن الضرر أو ضياع الفرص)، ورد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنوياً وفي حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع). ويمكن أن يكون التعويض مادياً عن طريق منح أموال أو حوافز مادية، كما يمكن أن يشمل تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والإسكان. ويكون معنوياً عبر إصدار اعتذار رسمي، أو نصب تذكاري أو إعلان يوم وطني للذكرى. كما يتعين وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، بما في ذلك المواساة العاطفية والعلاج البدني أو المساعدة الطبية. كما أن هناك مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ كذلك بعين الاعتبار مثل رسائل شخصية للاعتذار من الدولة، والاعتراف الرسمي بما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان.
إن فوائد الإجراءات الرمزية هي أنها نسبياً ممكنة التحقيق، ويمكنها أن تصل إلى فئات واسعة وأن تتبنى تعريفات أوسع للضحية ويمكنها أن تشجع الذاكرة الجماعية والتضامن الاجتماعي. وتجعل الغاية من التعويضات على أنها إحقاق للعدالة متعدد الأوجه وشامل. ولا يتضمن ذلك فقط إجراءات التعويض المختلفة المشار إليها أعلاه، ومن إجراءات التعويض سواء من حيث تبريرها أو إعدادها موجهة نحو المستقبل بدلاً من أن تكون موجهة نحو الماضي. ومعنى ذلك أنها يجب أن ترفع من مستوى حياة الضحايا بأقصى قدر ممكن من الرضا، يمهد نحو مصالحة فاعلة. وتهيئة المناخ الملائم لهذه المصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة.
إن النتيجة القانونية والواقعية التي يمكن استخلاصها من كل ما تقدم نحو الشروع في مصالحة حقيقية هو إطلاق سراح كل من تم اعتقاله سواء مازال قيد الحبس الاحتياطي أو صدر في مواجهته حكم جنائي وثبت تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة على النحو الذي سجله تقرير بسيوني وتعويضه على النحو الذي أوضحناه
إقرأ أيضا لـ "حسن إسماعيل"العدد 3403 - السبت 31 ديسمبر 2011م الموافق 06 صفر 1433هـ
الحكم الجنائي النهائي حجر عثرة للتعويض
نعم أخي الاستاذ المحامي/ حسن أسماعي - اشاطرك الرأي بأن اشتراك الحكم الجنائي النهائي سوف يصبح حجر عثرة لتعويض المجني عليهم وخصوصا هناك استحالة معرفة المتهمين في الجرائم المتعلقة بحقوق الانسان حيث أن كل الأسرى والمرتهنين في السجون تم تعذيبهم مع تصميد وجوههم وبالتالي المتهم مجهول وفي هذه الحالة على المجني عليهم اللجوء إلى القواعد العامة وهي رفع دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية الكبرى - الدائرة الإدارية.
كل عام وانت بخير
المشكله ليست في تقرير بسيوني المشكله في من يطبقه
عشم بليس في الجنة
الازلتم تصدقون ما يقولون الم تملكلوا البرهان على عدم صدقهم الازلتم مصرين على ان تلذغوا الجحر مرات لا مرتين
سيروا في طريق يخرجكم فيما أنتم فيه وتوكلوا على الله
لا تتعبوا انفسكم فلا وجود لنوايا صادقة
الكلام عن التسويات وعن الحلول كلام لا طائل منه ولا جدوى فليس هناك نية خالصة ومخلصة للخروج من الازمة والكلام كله للاستهلاك وللاعلام الخارجي ليس الا
جميل ، جميل جداً
جميل ، كل ما ذكرته جميل أستاذ\r\n\r\nلكن ماينقُصنا في السلطة هو الإرادة الجادة نحو المصالحة. \r\n\r\nالإرادة فقط هي كل ماتفقده.