هناك العديد من الطقوس المختلفة التي تستخدم في علاج أو استرجاع الطفل المبدَّل، ويمكن تصنيف هذه الطقوس إلى أربع مجموعات وذلك بحسب تصاعد حدة أو شدة هذه الطقوس؛ أي تصاعد نسبة الخطر الذي يتعرض له الطفل، وهي تبدأ بمجموعة طقوس في الغالب تكون طقوس مشتركة مع حالات أخرى مرتبطة بالجن كالضرورة أو كالضرر الناتج عن التابعة أو غيرها، فإن لم تنفع هذه الطقوس يتم الانتقال لطقوس أكثر حدة حتى تصل لأقصى درجات الشدة وهي الدرجة الرابعة وفيها يتم تصفية الطفل جسدياً. بالطبع، هناك من يقتصر على الطقوس منخفضة الخطورة وهناك من يبدأ مباشرة بالطقوس الأكثر خطورة. وسنتناول في هذا الفصل الطقوس الأقل خطورة وهي طقوس العبور والوزن.
طقوس العبور
يقصد بالعبور أي النفاذ من خلال فتحة معينة؛ إذ تعتقد الجماعات الشعبية بوجود حارس أو جن عند مثل هذه الفتحات، حتى فتحات البيت كالباب مثلاً، فالجماعات الشعبية في الخليج العربي عموماً تتشاءم من الجلوس على عتبة الباب وهو اعتقاد مشترك بين العديد من الجماعات الشعبية في العديد من الثقافات العربية والغربية، وهناك من يزعم بوجود جن تحت هذه العتبة (الفتال 2005، ص 45 - 46). وقد حدث تعميم لهذا المعتقد بحيث تعتقد الجماعات الشعبية بوجود قوة علاجية عند العبور خلال فتحات معينة أو عند الدخول في شيء والخروج منه وكأن هذا العبور يمثل عبوراً بين عالمين. وقد تم توثيق طقس العبور كطقس علاجي للأمراض الناتجة عن أضرار الجن أو كطقس لعلاج المبدل في عددٍ من البلدان، ففي البحرين والكويت والعراق أستخدم طقس العبور كنوع من العلاجات للأطفال دون تحديد أن الطفل مبدَّل أو مصاب بضررٍ ناتج عن الجن وهذا ناتج، كما سبق وذكرنا، بسبب ربط الجماعة الشعبية بين العرض المرضي والطقس العلاجي بمعزل عن تسمية الحالة المصاب بها الطفل، كحالة المبدَّل أو الممسوس أو أي حالة أخرى. أما في فلسطين وكورنوال Cornwall في بريطانيا فهناك تخصيص لطقس العبور أنه علاج للمبدَّل.
ذكر النشابة والكبيسي في كتابهما «المعتقدات الشعبية في مملكة البحرين» وجود طقس العبور: «يُعتقد إذا ظهرت قواطع الطفل في الفك العلوي قبل الفك السفلي، فإن هذا فأل شؤم ولتفادي حدوث ما لا تحمد عقباه يؤخذ الطفل لأحد المساجد؛ إذ يتم إدخاله من إحدى النوافذ ويتم إخراجه من نافذة أخرى مقابلة للتي أدخل منها. وبهذا التصرف تطمئن أم الطفل على مستقبل ولدها. ويتم توزيع خبز وحلوى على الفقراء وأهل المنطقة وقبل أن يوزع الأكل يمرر به على جسم الطفل من الأمام إلى الخلف» «النشابة والكبيسي 2006، ص 63».
في البحرين وقطر عندما يكثر بكاء الطفل ويأكل كثيراً وتكون عيناه غائرتان يسمى مبدَّل أما بعض الجماعات الشعبية في الكويت فتسمي هذه الحالة «متعسر» ويتم علاج الطفل المتعسر بأخذه إلى الجامع حيث يدخلون به من باب، ويخرجون من باب آخر، مرددين «يالعره أطلعي بره» (الفحيل والحميدان 1997، ص 186). وهذا دليل أن طقس العبور يستخدم في علاج المبدَّل حتى وإن لم تسم الحالة بالمبدَّل.
في العراق تتشاءم الجماعة الشعبية من ظهور أسنان الطفل في الفك العلوي قبل السفلي، وفي سبيل تفادي الشر الناتج عن هذا الحدث يتم إطباق فراش الطفل فوق بعضه ومن ثم يقوم أحد الأشخاص برميه من أعلى ويتلقفه شخص آخر في الأسفل (الفتال 2005، ص 40)، أي أن الفراش يعبر أمام البيت من أعلى لأسفل. وهناك عدد من طقوس العبور ذكرها الفتّال في كتابه ولكن تحت مسميات مختلفة، فقد ذكره لعلاج نوع من الحمى: «قد يصاب الطفل في أيامه الأولى بحمى شديدة وثقل في الرأس، وانسداد في الأنف فتحمله أمه ... إلى مجزرة (مصلخ) فتدخل رأس الوليد في بطن خروف مذبوح تواً بضع مرات ولثلاثة أيام. فهذا كفيل بشفائه من جميع الأمراض التي كان يعاني منها» (الفتال 2005، ص 101 - 102).
وذكره أيضاً لعلاج عدم مقدرة الطفل على المشي حيث يتم إدخال الطفل في (جاون) وإخراجه منه عدة مرات فيشفى الطفل (الفتال 2005، ص 90)، والجاون هو ما يسمى في البحرين المنحاز أو المهراس وهو من أنواع الهاون الذي يصنع من الخشب ويصنع أحيانا من جذع النخلة حيث تؤخذ إحدى قطع الجذع ويحفر في أعلاها حتى تتكون حفرة يضرب فيها حب الهريس أوغيره وذلك بواسطة عمود مصنوع من خشب شجر التوف أو الرمان أو الخوخ ويسمى يد المنحاز.
ينقل صالح شبانه في مقاله عن المبدَّل عن «موسوعة الفلكلور الفلسطيني» لنمر سرحان، إحدى طرق علاج المبدل تحتوي على طقس العبور: «وهناك طريقة أخرى ... وهي إحضار طحين من سبعة بيوت في القرية، ومن البيوت التي تتجه أبوابها ناحية الشرق، ويصنع من كل تلك الكمية من الطحين رغيف كبير يُجعَل في منتصفه ثقباً بحجم الطفل المبدول، ويتم جر الطفل من داخل الثقب وإخراجه وإدخاله، فإذا كان الجن يحبون ابنهم يقومون بإرجاع الطفل المبدول إلى أهله ويأخذون طفلهم». (Granqvist 195، p. 104) و (شبانة 2009، نقلاً عن سرحان 1989).
في كورنوال Cornwall في بريطانيا توجد صخور تسمى مينانتول MenanTol أو Men an Toll وهي تتكون من ثلاث صخور، صخرتان قائمتان وصخرة ثالثة وسطهما على شكل حلقة، وتعتقد الجماعات الشعبية التي تسكن هناك أن لهذه الصخور جنياً يحرسها وأن له قدرات علاجية كبيرة، وهنك حالة موثقة أن «مبدَّل» وضع خلال فتحة تلك الصخرة وذلك لكي تتمكن الأم من استرجاع طفلها الحقيقي (Evans-Wentz، 191، p. 179).
ذكرت طقوس وزن المبدل كطريقة لعلاجه في كل من فلسطين وألمانيا، وفي كل دولة من الدول السابقة ارتبطت عملية الوزن بالدين أي الديانة الإسلامية في الأولى والمسيحية في الثانية، ويبدو أن طقس وزن المبدل له جذور أقدم من الديانة الإسلامية والمسيحية وأن الربط حدث في سنوات لاحقة. ويمكن تلخيص طقوس الوزن في فلسطين كالآتي: «يؤخذ الطفل المبدول إلى المسجد يوم الجمعة، وبواسطة ميزان القب وهو يتكون من كفتين، تربطان بحبال رفيعة بواسطة ثقوب موجودة على أطراف كفتين متساويتي الحجم والوزن، ثم تربط الكفتان بعصا طويلة، وبمنتصف العصا هناك يد، أو ممسك عند رفع الميزان تتساوى الكفتان، وهناك يوضع الطفل المبدول في كفة، وتوضع أحذية وصرامي المصلين في كفة أخرى، وتستمر العملية حتى تتساوى الكفتان، وترجح كفة الأحذية، والعملية بمثابة إهانة للجن لا يستطيعون احتمالها، فيقومون بإرجاع الطفل الآدمي إلى ذويه، وأخذ ابنهم. ويروي المرحوم نمر سرحان عن المرحومة أمه أن هناك امرأة اسمها (عائشة المقلد) تغيرت، وتم وزنها بالأحذية حتى عادت إلى سيرتها الأولى ومن يومها صار لقبها (أم الصرامي) حتى ماتت، وأخبرته أمه أنها شهدت في حقبة الستينيات من القرن الماضي وزن طفل اسمه موسى بالأحذية للشك بأنه تم إبداله أمام مسجد الكردي بالقرب من مخيم اربد» (شبانة 2009، نقلاً عن سرحان 1989).
أما في ألمانيا فيؤخذ الطفل في رحلة حج لتقديس السيدة مريم العذراء عليها السلام وذلك في Heckelstad، إلا أن تفاصيل وزن الطفل لم نقف عليها ففي القصة التي يرويها الأخوان Grimm في كتابهما عن الأساطير الألمانية (Ashliman 1998 - 2005) كان الأب في طريقه ليقوم بالحج ووزن الطفل إلا أن والدي المبدَّل ظهرا للأب واسترجعا ابنهما وأعادا الولد الإنسي
إقرأ أيضا لـ "حسين محمد حسين"العدد 3400 - الأربعاء 28 ديسمبر 2011م الموافق 03 صفر 1433هـ