لا أعتقد أن هناك من لا يرغب في الهدوء والسكينة لبلده، مهما حصل من عداء وشق للصف بين أبناء الشعب الواحد، فالجميع يتوق لرؤية التطور والعزة والإباء والبناء لوطنه. هذا الشعور ليس تحليلاً سياسياً، وإنما نتلمسه، حينما نحاور أبناء المناطق المختلفة على أرض البحرين، فالكل متمسك بتربة بلده ومستعد للتفاهم والمصالحة عندما يحصل على حقوقه الدستورية والمكتسبة وغير المنتقصة.

ينقصنا في هذا المقام أن تتخذ الدولة إجراءً شجاعاً وسريعاً حتى لو كان مؤلماً للمصالحة لوقف تداول أزمتنا ولقتل الحزازيات بين الشعب والحكومة، إذا ما أردنا توطيد العلاقة الحقيقية مع الشعب في ظل الاحترام المتبادل، لأنه ليس من مصلحة أي نظام العداء مع شعبه.

نتفهم مسبقاً بأن هناك من الموتورين والمؤزمين من يوسوس كالشيطان ويقوم بشقشقة لا طائل منها في مدارك النظام مع أنه دوماً لا يعتريهم أي اهتمام لأسباب سياسية ولكون الحكومة تحلل الأزمة في سياق دولي إقليمي عصري وقد ترى ما لا يفقهه الآخرون، والقيادة الحكيمة الرشيدة طبعاً لا تتبع المراهنات السياسية، وقد رأينا ما حصل للبلد أثناء الأزمة! إلا أن البعض مصر على دفع البلد مرة أخرى في الوحل كما في الأشهر الماضية ودائماً ما يصرون على مطالبات التصعيد أو يحثون النظام على التعامل بالقمع وليس في أجنداتهم لغة الحوار، لأن هذه الفئة لا تريد أن تخسر مصالحها في ظل الوضع الراهن. لكننا بالمقابل لا نبرر لمن يقوم بهذه الإجراءات غير المقبولة التي تزيد من الاحتقان بين القيادة والشعب من جهة وبين النظام والمنظمات الدولية الحقوقية والدول الكبرى من جهة أخرى.

بدأ النظام بخطوة طيبة وفي الاتجاه الصحيح عندما أمر بإرجاع المفصولين لأعمالهم، وبهذه المناسبة نطالب المسئولين في الوزارات ونحث الهيئات والشركات الخاصة على عدم التعسف معهم، والمعاملة بالحسنى مع الراجعين وإعطائهم حقهم في مناصبهم الحقيقية لتتم تصفية القلوب بنسيان الماضي، لا أن يتم نقلهم إلى إدارات أخرى أو التقليل من درجاتهم أو مهماتهم، وتتم معاملتهم على أساس التحدي الذي لا طائل منه غير الحقد والكراهية بين الشعب الواحد.

بالمقابل لو أتم النظام السياسة التصحيحية نحو مسار المصالحة، مع إجراء سريع لإطلاق سراح جميع المعتقلين للوصول إلى أساسيات توصيات تقرير بسيوني، لهدأ الشارع بما فيه من مسيرات ومظاهرات يومية متواصلة، ولجمنا غليان الناس بعد تهدئة النفوس الثائرة، وانحصرت مطالبات المعارضة سياسياً بالحوار وليس أمنياً (مظاهرات ومسيرات وقمع وغيرها)، ومن ثم يبدأ الجميع بالتعاون المثمر لخدمة البلد ورفع مكانته من غير غالب ولا مغلوب.

بهذا الإجراء سيكون حصادنا الاستقرار والهدوء، وستعم الفائدة الجميع، أولها: تقليل النفقات المستمرة على الأمن والأمان، وثانياً: انتعاش البلد سياحياً واقتصادياً، وثالثاً: إرجاع سمعة البلد والتباهي بها بين الأمم، إذ إنه بحسبة بسيطة بأن ما يدفعه الوطن من آلام نفسية على سمعته، وخسائر على الأمن والعلاقات العامة أكثر مما لو تم العمل على تنفيذ إصلاحات موسعة ومصالحة حقيقية. فهل سيتحقق حلمنا؟

لسنا متشائمين، وكلنا أمل أن ترجع إلى الوطن عافيته، وتزدهر البلد سياسياً واقتصادياً بعد أن تستقر أمنياً، ونتعشم خيراً إذا صدقت النوايا وتحسنت الأنفس، إذ إن هذه الدنيا لن تغرَّ من يريد الخير للناس وهي فانية، والأهم من كل ذلك أن تبقى سمعة الإنسان ومحبته رصيده في هذه الدنيا الزائلة