العدد 3397 - الأحد 25 ديسمبر 2011م الموافق 30 محرم 1433هـ

المُبدَّل وطقوس استرضاء «الأرضيين»

حسين محمد حسين comments [at] alwasatnews.com

.

لقد أوضحنا في الفصول السابقة أن للجماعات الشعبية مفهومين لمصطلح المبدّل أحدهما خاص وهو المفهوم الحرفي للمصطلح بمعنى حدوث عملية استبدال للطفل الإنسي من قبل الجن، أما المفهوم العام فيدل على وجود إحدى صفات المبدّل في أحد الأطفال والتي تعلل وجودها الجماعة الشعبية بضرر أصاب الطفل من قبل الجن وتحاول علاجه بطقوس معينة وتكون في الغالب طقوساً في مضمونها تعتبر طقوس استرضاء للجن لكي يرفعوا ضررهم عن الطفل المصاب. وللعامة تصور خاص بالنسبة إلى الجن يتعلق بأماكن الجن وأوقات ظهورهم وطرق أصابتهم للطفل وكيف يتم تحاشي ضررهم وهذا ما سنحاول توضيحه في هذا الفصل.

أماكن تواجد الجن

عموماً، تعتقد الجماعات الشعبية أن الجن يعيشون تحت سطح الأرض وأنهم يخرجون فوق سطح الأرض في أوقات معينة وأماكن معينة، ولذلك يجب الحذر من رمي أشياء معينة فوق سطح الأرض في أوقات معينة فقد تصيب أحد الجن فيحاول أن ينتقم من الأنس. ويبدو أن هذا التصور له جذور عميقة في التاريخ؛ ففي حضارات وادي الرافدين يمكن العثور على معتقدات شبيهة بذلك؛ إذ كان يسود الاعتقاد بوجود عالم سفلي به مخلوقات يجب التعامل معها بحسب طقوس معينة، ويمكن الاستدلال على ذلك بما ورد في ملحمة جلجامش عندما قرر أنكيدو النزول للعالم الأسفل حينها بدأ جلجامش يحذره من عواقب النزول إلى العالم الأسفل وقسوة القوانين التي تحكمه، ويقدم له النصائح اللازمة لتجاوز المخاطر التي تنتظره هناك (اليوسف 2009):

لا تضع عليك ثياباً نظيفة

وإلا خف إليك الأموات

ولا تضمخ نفسك بالعطور الطيبة

كي لا تجذبهم الرائحة فيتجمعوا حولك

ولا ترم رمحاً ( عند تجوالك ) في العالم الأسفل

لئلا يتكئ عليك من أصابهم رمحك

ولا تحمل بيدك هراوة كي لا تهيم حولك الأشباح

لا تضع في قدميك صندلاً

وفي العالم الأسفل لا تصرخ ولا تبك

ولا تقبّّل زوجتك المحبوبة

ولا تقبّل ابنك الحبيب

ولا تضرب ابنك الذي تكره

ومن الأماكن التي تزعم العامة أن الجن والشياطين تتجمع بها هي الأماكن المهجورة والأماكن التي تتجمع بها النجاسات كالبواليع؛ ولذلك فالعامة في البحرين تحذر من المشي فوق البواليع.


الظلام والجن

تعتقد العامة أن الجن ممكن أن تخرج في أي وقت إلا أنها ربطت تواجد الجن بصورة أساسية في المناطق المظلمة، وفي الماضي قبل وجود الكهرباء، التي ساهمت في إنارة البيوت والطرقات، ما أن تغيب الشمس حتى يسود الظلام والهدوء في الطرقات فلا تكاد تسمع أحداً يسير في الطريق وتبدأ مخيلة الأفراد في تلك الحقبة ترسم لهم العديد من الصور؛ وهكذا فقد كان «وقت المغرب يعد من الأوقات المخيفة قديماً معتقدين أن الشياطين والأرواح الشريرة تحضر في هذا الوقت فلحماية أنفسهم كانوا يضعون (الشبّة والسويدة) في المباخر وتبخر بها غرف البيت وأماكن تواجد أفراد العائلة وقت المغرب لطرد هذه الأرواح» (النشابة والكبيسي 2006، ص 99).


طقوس استرضاء الجن

بالرجوع إلى المقطع السابق المقتبس من ملحمة جلجامش نلاحظ جلجامش يحذر صديقه أنكيدو من أن يلبس لبساً جميل أو يتعطر أو أن يلقي برمحه، كل هذه طقوس يجب أن تتبع لكي لا تسبب ردود أفعال من الجن، ويبدو أن الجماعة الشعبية مازالت تمارس هذه الطقوس، فالعامة تعتقد أن الجن تختطف الأولاد الجميلين، وتعتقد أيضاً أن من يرمي بشيء على سطح الأرض في مكان وزمان معين ربما يصيب جنياً بأذى فينتقم، وقد ابتكرت العامة طقوساً معينة لتتحاشى هاتين النقطتين خاصة.


الوشم والتسنين

تعتقد الجماعات الشعبية في العديد من الثقافات أن الجن يحب الأطفال الجميلين فيقوم بخطفهم أو استبدالهم بأطفال قبيحين، وقد ارتأت العامة أن إظهار الطفل بصورة قبيحة ستبعد عنه ضرر الجن، وكذلك ضرر العين الشريرة، فالعامة في الخليج يقومون بتسنين الطفل باستخدام السنون وهو مسحوق الفحم، حيث يستخدم السَنون في رسم أشكال معينة على ظاهر كف المولود الجديد وكذلك ظاهر قدميه، وأحياناً يوضع على جبهته أيضاً. بعد ذلك يتم ربط خيط أسود حول معصمي الطفل وحول ساقيه مباشرة فوق قدميه. وفي العراق تعمد الأمهات اللاتي يموت أطفالهن أو يجهضن «إلى تشويه وجه الطفل أو الطفلة بالوشم، اعتقاداً منهن أن الوشم يساعد على عدم موت الطفل» (الفتال 2005، ص 105). وقد ذكرنا في الفصل السابق أن العامة تظهر المولود الذكر في صورة أنثى لكي لا تختطفه الجن أو حماية له من العين.


تفادي غضب الجن

بما أن العامة تعتقد أن الجن يعيش تحت الأرض أو فوق سطح الأرض إلا أنه غير مرئي؛ فهذا يجعل الجن عرضة للإصابة بأي شيء يلقيه الإنسان فوق الأرض فيغضبون ويقومون بالانتقام، ولتفادي ذلك وضعت العامة عدداً من الطقوس ففي البحرين كانت العامة تتحاشى «رش الماء الحار في الليل اعتقاداً أن الماء الحار يحرق الجان فيغضبهم ويدخل الجني جسم الشخص الذي رش الماء الحار» (النشابة والكبيسي 2006، ص 98). وفي العراق يمنع الأطفال باللعب بالسكين وعدم رميها بحيث ترتكز في الأرض حيث يسود الاعتقاد «أن رمي السكين على الأرض بتلك الكيفية يؤذي الجن المنتشرين في كل مكان؛ ما يولد ردود فعل لديهم فيؤذون اللاهين بهذه اللعبة» (الفتال 2005، ص 69).


العذرة وكسر البيض

تعتبر العذرة والبيض من أشهر ما كان يقدم للجن كنوع من الترضية، وقد سبق أن تناولنا ذلك بالتفصيل في فصول سابقة، فما أن يتم كسر أحد الطقوس التي تعتقد العامة أنها تغضب الجن فإنهم يعمدون لتقديم العذرة وكسر البيض لاسترضاء الجن، «فإذا وقع الطفل وقت المغرب يأخذ شخص بيضة ويكسرها مكان الوقوع معتقدين أن الجن لن يدخل في الطفل (يتلبس) عند كسر البيضة التي تقدم له، وبعض النساء يكسر البيض مكان الحادث حين وقوعه في أي وقت من النهار» (النشابة والكبيسي 2006، ص 61). وإذا وقعت المرأة في مكان ما فإنه يتوجب إعداد العذرة ووضعها في المكان التي وقعت فيه (الفحيل والحمدان 1997، ص 67). وبعض العامة تجاوز حد تقديم العذرة وابتكر طقوساً جديدة لاسترضاء الجن، فحينما يقع الطفل على الأرض فإن الأم تقوم «بتهميز» الجزء من الأرض التي وقع عليها الطفل «وذلك اعتقاداً بأن الطفل ربما سقط على أحد أطفال الجن، فعملية التهميز (المساج) ستطبب ابن الجن» (النشابة والكبيسي 2006، ص 61).


المبدّل والعذرة والشياط

معتقد تقديم نوع معين من الغذاء للجن لاسترضائهم منتشر في العديد من الثقافات وإنما تختلف نوعية الغذاء، ففي مصر يسمى الغذاء المقدم للجن باسم «الرضوة» (خضر 2008, ص 47 - 48). ولعلاج المبدّل في مصر يتم تحضير طبق خاص يطلق عليه اسم «الشياط» وهي صينية «تكون عليها ثلاث لقمات (من الخبز) وثلاث بلحات وكباية ماء، وسكر وشاي، وفول سوداني، وقطعة من ملابس الطفل المبدول. ثم تضع الصينية في صبيحة يوم الجمعة بالمكان الذي يرقد فيه الطفل ... وتتركها حتى خروج المصلين من الصلاة بعدها توزع محتوياتها على الأطفال وتلقي بلقمات الخبز الثلاث إلى القطط والكلاب خارج البيت» (خضر 2008، ص 68)

إقرأ أيضا لـ "حسين محمد حسين"

العدد 3397 - الأحد 25 ديسمبر 2011م الموافق 30 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً