إن أخطر تحدٍ يواجه الممارسات التربوية ذات الصلة بمشروع «التربية على حقوق الإنسان» هو التناقض وازدواجية المعايير (Double Standard) بين ما يعيشه المعلِّم والمتعلِّم فيما تقدِّمه المؤسسة التعليمية من قيم التسامح والديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة وما شابه ذلك من جهة، وما يعيشه المجتمع من أوضاع وانتهاكات قد تتنافى مع تلك القيم والمفاهيم من جهة أخرى.
ولكي نكون أكثر دقة وموضوعية فإن علينا أن نجيب عن الأسئلة الثلاثة: ماذا تدرس؟ كيف تدرس؟ بم تدرس؟
نبدأ بماذا تدرس؟ ومعناه، أيُّ نوع من التربية تريد؟ وذلك يقودنا إلى المراجع والمواثيق الدولية المهمة والمعنية بحقوق الإنسان كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، واتفاقية حقوق الطفل.
وكيف تدرس؟ بمعنى، توظيف أفضل الطرق والاستراتيجيات الحديثة الملائمة للتربية على حقوق الإنسان، والابتعاد عن الارتجال، وذلك لا يتأتى إلا من خلال إشراك الخبراء عند وضع الاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بتنمية الوعي بثقافة حقوق الإنسان، من منظمات حقوق الإنسان والنقابات المهنية كالمعلمين والتنظيمات النسائية، إلى جانب مجالس الآباء (أولياء أمور الطلبة) والمربين والمجتمع المحلي؛ لأن هؤلاء معنيون بالشأن التربوي بوجه عام، وببرنامج التربية على حقوق الإنسان بوجه خاص، طالما كان الهدف هو أن يتعلم الطالب كيف يتعلم.
أما السؤال الأخير، بم تدرس؟ فيقصد به استخدام الوسائل التعليمية الحديثة التي تتلاءم مع كل مرحلة تعليمية، من ناحية تنظيم الفصل الدراسي، وتهيئة الطلبة من جميع النواحي النفسية والجسمية والمادية.
أذكر أنني عندما بدأتُ الكتابة في صحيفة «الوسط» في العام 2008م، كان عنوان أول مقالٍ كتبته «تدريس المواطنة أم حقوق الإنسان»؟!
حينها كنتُ ـ ومازلتُ ـ مقتنعاً بأن مادة «المواطنة» لا تغني عن تدريس «حقوق الإنسان» كمادة مستقلة لها أبعادها التربوية والتعليمية، ومراميها الفلسفية والحركية، والتي هي أعمق من مجرد دروس تقدَّم في الصفوف الدراسية أو على مستوى الأنشطة في الفضاء المدرسي، لتشمل دروساً للحياة في أبعادها المتنوعة.
هذه القناعة التي توافرت لديَّ كان منشأها الأساس أن عملية إصلاح التعليم لا يمكن أن تحقق أهدافها وغاياتها بأي حالٍ من الأحوال بمعزل عن عملية الإصلاح الشاملة، وما القفزة النوعية للدول المتقدمة في مجال التعليم إلا بسبب احترامها لقيم ومبادئ حقوق الإنسان، ومراجعاتها الشاملة والمستمرة لمناهجها التعليمية لتتلاءم مع التوجهات العالمية الرامية إلى إدماج ثقافة حقوق الإنسان في المؤسسات التربوية والتعليمية، بدءاً من مرحلة رياض الأطفال وانتهاء بالمرحلة الجامعية، فـ «المدخل المعرفي» يشكّل الركيزة الأساسية لتمثّل الحقوق وممارستها بدلاً من حفظها وتكرارها، وهناك مقولة رائعة «اعرف حقك لتدافع عنه».
لا نكاد نختلف على أن المعوقات السياسية تشكل تحدياً كبيراً أمام مشروع «التربية على حقوق الإنسان» في الوطن العربي؛ لأن الصورة النمطية لدى البعض أنه كلما تعرف الطلبة في المدارس على حقوقهم، فإن ذلك يدفعهم شيئاً فشيئاً نحو العنف والضغط في سبيل المطالبة بحقوقهم، والتمرد على السلطة وأجهزتها وإحداث الفوضى وما شابه ذلك، وهذا يعني أن الدولة فقدت سيطرتها على الوضع في البلاد، وبالتالي جلبت لنفسها المشاكل ومكَّنت الأجيال من جرِّها نحو حبل المشنقة!
يؤسفنا القول إن هذه المعوقات تمثل هاجساً أمام المسئولين وصناع القرار، ولكن ما نريد التأكيد عليه هنا أن تدريس مبادئ حقوق الإنسان ما هو إلا عملية تربوية وتعليمية استراتيجية؛ تهدف إلى الاستثمار الأمثل لمستقبل أبنائنا في إقامة مجتمع عادل يكفل لهم حقوقهم في إطار دولة المؤسسات والقانون، قبل أن يكون مشروعاً خاضعاً للظروف والتحولات السياسية بين الفينة والأخرى.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بادرت دول العالم المتحضر لوضع حد للحروب وأعمال العنف، فكانت النتيجة صدور وثيقة «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948».
ليس عيباً ولا منكراً أن نفكر بذهنية منفتحة تتطلع إلى غد ومستقبل أفضل لهذا الوطن في رسم الحلول لمشاكلنا الداخلية مهما كبرت، طالما أردنا أن نتفيأ بظلال حقوق الإنسان وقيم العيش المشترك في هذه الأرض الطيبة.
في الفترة الأخيرة قرأنا في توصيات «حوار التوافق الوطني» ضمن المحور الحقوقي عبارة «تضمين مبادئ حقوق الإنسان في المناهج الدراسية بوجه عام، والفضاء المدرسي بوجه خاص»، كما قرأنا في توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق عن «وضع برامج تعليمية وتربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية لتشجيع التسامح الديني والسياسي والأشكال الأخرى من التسامح، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون».
كما كان لافتاً دعم عاهل البلاد في كلمته الأخيرة بمهرجان «البحرين أولاً» توجّه وزارة التربية والتعليم نحو تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك بين الطلبة ونشر ثقافة حقوق الإنسان، باعتبارها امتداداً لقيمنا الحضارية والدينية الأصيلة، وجزءاً لا يتجزأ من اهتمام مملكة البحرين بهذه القيم الإنسانية.
الوقت قد حان، لنتجاوز كل التحفظات والمعوقات السياسية في تدريس مبادئ حقوق الإنسان على مستوى المؤسسات التعليمية، والانتقال فوراً إلى مرحلة التنفيذ من خلال تبني الاستراتيجية الوطنية الخاصة بمشروع التربية على حقوق الإنسان، وهي استراتيجية شاملة وفعالة على مستوى النظم التعليمية، وتشمل إجراءات شتى مثل: «دمج تعليم حقوق الإنسان في التشريعات الوطنية المنظمة للتعليم في المدارس، وتنقيح المناهج الدراسية، وتدريب المدرسين قبل الخدمة وأثناء الخدمة بما يشمل التدريب بشأن منهجيات تعليم حقوق الإنسان، وتنظيم الأنشطة خارج إطار المناهج الدراسية، لتشمل المدارس والأسرة والمجتمع المحلي، وتطوير المواد التعليمية، وإنشاء شبكات دعم من المدرسين وغيرهم من المهنيين، من جماعات حقوق الإنسان واتحاد المدرسين والمنظمات غير الحكومية والرابطات المهنية، وما إلى ذلك» (راجع مبادئ تدريس حقوق الإنسان/ أنشطة عملية للمدارس الابتدائية والثانوية، جنيف 2003م، ص: 8)
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3396 - السبت 24 ديسمبر 2011م الموافق 29 محرم 1433هـ
حقوق النسان ممارسة وتطبيق
حقوق الانسان ممارسة لا تدريس من منا لا يعرف حقوقه ووجباته حتى نعلمه اياها
هل ان المعلم لا يعرف حقوقه واجباته وحققوق وواجبات طلبته
هل ان الاب لا يعرف حقوقه وحقوق ابنائه وواجبات كل منهما
الحاكم الايعرف حقوقه وواجباته وحقوق وواجبات مواطنيه
اذا لم يكن ذلك اذن نحن في عالم اخر وفي طريقنا الى الهاوية
قبل ان نعلم الحقوق في المدرسة غلينا ان نمارسها ولنعلمها لاطفالنا بالممارسة والتطبيق