مُنتج أول: «أكلت النار بيتي الذي ورثته من أبي وتقاسمناه أنا وأخي؛ بسبب تماس كهربائي أتلف كل محتوياته. قُمت بترميمه وإصلاحه على نفقتي ولا أنكر أنّه وصلتني بعض المساعدات من الناس الطيبين لكنّها كانت ضئيلة جدّاً، لكن بالطبع حجمها عند الله كبير. سرعان ما انتهيت من ترميم المنزل، سكنّاه ولكن على البلاط (أي من غير أثاث). ذات يوم فجأة قرع الجرس، وإذا بسيارة نقل وعاملٌ آسيوي يقول: هذا منزل فلان الفلاني... قلت له: نعم، قال: هذه الثلاجة لك، قلت له: يبدو أنك أخطأت العنوان فأنا لم أشتر ثلاجة. وبعد التأكد رجع وقال: هذه هدية من شخص لك. فرفضت أن أتسلمها إلا بعد أن أعرف هذا الشخص النبيل. فاتصلت بالشركة وأعطوني اسمه. وهنا كانت الصدمة، بل كانت هي القاضية، الثلاجة كانت هدية من «خائن» كان قد فُصل من عمله وكان لي دور كبير في فصله لمدّة سبعة أشهر، ظنّاً أني سأحصل على شيء من المسئولين على هيئة ترقية أو رتبة على الأقل فهذا هو زمنها.
ولكن كما تعلمون أنّ المسئولين قدّموا التنازلات وأعادوهم إلى وظائفهم غير مبالين لماء وجهنا. بعد رجوع المفصول إلى عمله لم يكلمني وأنا كلّي غيظ لرجوعه لكنني في الوقت نفسه خجل فالذي قمت به ضده ليس بقليل، وأعتقد أنه سمع عن قصتي، وعلى رغم ذلك أهداني الثلاجة التي تقدّر قيمتها بربع راتبه تقريباً، وأعلم أنه اشتراها لي عند تسلمه أول راتب له بعد سبعة شهور من فصله. وفي الحقيقة هو أهداني حقارتي ودناءتي إن صح التعبير، فبمقدار الحقد الذي كنت أكنه له قابلني بالخير الذي قدمه لي. لقد سهرت طول الليل أبكي وأفكر كيف أقابل هذا الرجل؟ وما إن انبلج الصبح وذهبنا إلى العمل وشكرته، سارعت بسؤاله: أنت تعلم ما اقترفته في حقك فلماذا قابلتني بعكس ذلك؟ فأجاب بكلّ فخر واعتزاز وشموخ: لأنّ هذي هي مبادئ حركتنا».
وصلتني هذه القصة، بلا تعليق، عبر البريد وذكر مرسلها أنها قصة حقيقية وأنه للأمانة ربّما غيّر بعض المصطلحات في هذه الحكاية لكنه لم يغير شيئاً من المضمون، والعهدة على الراوي.
مُنتج ثانٍ: كل من يتلون مع الأيام فيها يكون رابحاً، كل من يحمل تحت أبطيه مجلد النفاق فيها يصبح مؤلفاً بارعاً. كل من يطالب بحقوقه البسيطة فيها من سُبل العيش الكريم يكون خائناً وممولاً بامتياز من الخارج. كل من لا يُعير أي اهتمام لتقارير انتهاكات حقوق الإنسان يكون فيها مخلصاً.
مُنتج ثالث: بعض الموتورين والمنتفعين حققوا مكاسب ما كانوا ليحصلوا عليها بأية طريقة من الإلحاح والشكوى المتكررة بل حتى الواسطة الصغيرة هنا وهناك. عجيب وغريب أن تنال مطلبك الذي كنت تلحُّ عليه سنيناً وقدمت بشأنه مئات الرسائل والشكاوى وربما خرجت في تظاهرة أو اعتصام هنا وهناك أو عجزت وأنت تقدم عشرات الالتماسات والطلبات لقضايا بسيطة، لبناء ممشى أو موقف سيارات، أو الحصول على زاوية قرب بيتك، أو توظيف ابنك الذي لم يُكمل الثانوية العامة لرسوبه المتكرر أو انه فُصل من المدرسة لسلوكه المشين وغير الأخلاقي. أو ترقية كنت تنتظرها سنين طويلة لا لأنك كفاءة مميزة أو مجد في عملك بتقارير ممتازة؛ بل لأنك تعتقد فقط أنها من حقك مع أن القانون لا يجيزها لك لأن تقاريرك السنوية كانت «غير مرض». أما الآن فها أنت تحصل على كل ذلك بسهولة وانسيابية لم تكن تتصورها سابقاً حتى لو خرجت في مئة تظاهرة أو اعتصمت لقرن كامل أمام بيتك أو في أي زقاق من (الزنقات).
الآن فقط تستطيع أن تحصل على كل ما لم يخطر ببالك منذ أشهر، فقط أن تتعلم وبشكل سريع في مدرسة «كلنا منافقون» والفصل الدراسي ليس متعباً ولا مكلفاً أبداً والمناهج ميسرة لأنها تعتمد على درس مهم هو «تعلم أصول الفتنة». أليس الأمر سهلاً، بأن ذلك سيحقق مكسباً لم تستطع بالطرق القانونية أو بالطلبات المتكررة أن تحصل عليه بهذه السرعة والسهولة. في أي مكان كنت ومن أي لون كنت، سواء كنت في ناد أو مدرسة، أو جمعية سياسية أو اجتماعية من ذوات النفع العام أو نقابة عمالية، أو حتى جمعيات فنية، طبية، هندسية، خيرية، شرية. أو حتى لو ترغب في أن تتبوأ منصباً في جمعية الرفق بالحيوان. لن تحصل على أي مكسب إلا بأن تكون من أصحاب تلك المدرسة. فيا له من منتج تربوي عظيم نغرسه في أجيالنا.
مُنتج رابع: شاهدته في أحد أسواق المنامة ولم أصدق عينيي. صبي معوق يضحك من هذه الدنيا الغريبة التي يعيشها اليوم وكأنه لم يعشها من قبل على رغم معرفته بشوارع العاصمة وأزقتها الضيقة جداً. خرج من بيته ذات مساء ولم يعد إلا ومعه هدية مؤلمة في عينيه اللتين يعاني منهما في الأساس. احمرارٌ في عينه اليسرى وعملية من كذا غرزة في عينه اليمنى من أثر طلقة مطاطية جاءته مباشرة في الوجه وهو لا يعلم من أين؟ أو لماذا؟ وضحك كثيراً بألم خفي حين بقي يكررها: ولماذا أنا؟ لماذا أنا؟.
مُنتج خامس، قديمه جديد:
يا نخلةٍ شيبت تملي عطاها سدود
إحنا انزرعنا وعشنا في ثراج سدود
لاهم حرّ الظما وماي الرجا مسدود
احنا شربنا الوفا من كاسكم وافي
طيبج معا حبنا في الأرض متوافي
والزرع ليمن نبت في أرض الحيا وافي
يا غارس في الصُّبخ، تالي الغوارس دود
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3395 - الجمعة 23 ديسمبر 2011م الموافق 28 محرم 1433هـ
للامانة فقط
كنت اعتبرك اخي محمد حميد من الناس الترددين في التعبير عن ما تراه في الواقع او بلاحرى انسان(ماشي بجنب الطوفة)..هذه الفكرة تكونت لدي في الثمانينات عندما كنت تلف الاندية لتنشّج المسرح هنا وهناك باخلاص لاتخطأه العين ولكنى كنت اراك تتحاشى الخوض في العمق..اقصد من الناحية السياسية.. اما هذا المقال الرائع والمعبر بقلم رشيق جعلني اغيّر فكرتي لان هذا مانتحاجه الآن .. الاهتمام بكشف مايراد له ان يكون مستورا بل ومبررا بغيمة من الاباطيل تخنق الوطن من اقصاه الى اقصاه...وشكرا
قصص جميلة تلتقي مع بعض قصص الخلفاء العباسيين
مسألة بيع الدين مقابل حفنة من دراهم الدنيا هي امور تتكرر في كل زمن ومن رضي بالأكل النظيف
والرزق الحلال الزلال لا يرتضي ان يقيت عياله واهل
بيته بشوائب الدنيا. لقد شبه الله ذلك الأكل بأكل النار وهو واقع تمثل العمل فلو كشف الغطاء لصاحب الكسب المشبوه لرأى انه يأكل نارا حقيقية تلك هي نظرية تجسم الاعمال حيث يقول الله (إنما يأكلون في بطونهم نارا) وفي آية آخر (ووجدوا ما عملوا حاضرا)
الحمد لله لا زال البعض مصرا ان يبقى على معدنه البحريني الناصع رغم محاولات تخريب النفوس
قصه حلوه يادكتور محمد حميد السلمان
القصه حلوه وعبره في نفس الوقت وانت يادكتور محمد ماعليك زود كبير وتبقى كبير
رائع
رائع رائع رائع جدا يا محمد انا زميلة قديمة لك في العمل عندما كنت في وزارة التربية . المقال جدا رائع ومعبر . واتمنى ان توثقه ضمن مقالاتك في إصدار
الشكوى لله
اذا حلت معلمة لا تعرف كتابة تقرير بسيط او فتح سي دي بالكمبيوتر قائدة قسم بمدرسة ما واذا حلت اربع معلمات لتقوم بعمل معلمة واحدة وذلك بعد التنكيل وبعد اقصاء الكوادر التعليمية الاصلية فأي جودة ترجى وأي رفع لمستوى التعليم ولكن النتيجة ستتضح قريبا مع قرب الانتهاء من الفصل الدراسي سوف تعضون أصابعكم ندما يا ظلمة على تدني مستوى طالباتكم دراسيا وسلوكيا
الله كريم
المعدن الاصلي لا يتغير
لامست الواقع المعيب المخجل يبن السلمان
نعم ياغارس في الصبخ تالي الغوارس دود ا ذا سقطت الاقنعه استاذي سترى قصص حتى شهرزاد ما حكتها لشهريار في الف ليله وليله استاذى في احد زيارتي للاردن الشقيق التقيت بسمسار شهادات اقليميه وعالميه تجاوز الستين بعد ان عرف اننى من البحرين بعد سماعه للهجتى في مطعم النخيل المشهور في عمان تقدم وحياني وطلب منى زيارته في منطقه عجلون زرت الرجل سائلني هل تعرف فلان وفلان وفلان من البحرين اجبته اكيد مسؤليين اكبار قال انا من رتب شهاداتهم من دول ماعمرهم زاروها مقابل 3الف دولار رتب تزييف
قويه
هههههههههههه الصراحه قصه قويه
أبكيني بهذه القصة فتيقنت أنها حقيقية
نعم هي المباديء الحقيقية المعنونة بالعفو عن من ظلمك.هذه هي أخلاق الإمام زين العابدين (ع) حيث كافأ من شتمه.هذه هي أخلاق القرآن.
اخي محمد السلمان أغبطك على ما تكتب. أنت صادق و أنا أعرفك منذ كنت مدرسا معك فى السبعينات حينما كنت مخرجا مسرحيا.وفقك الله أيها المخلص المحب لوطنه. أبو حسين
قصة رائعة
مشكور على القصة. لكني لا امتلك قوة نفسية تشجعني على اهداء ثلاجة لمن ساهم في فصلي.