أتوسل شيئاً أكتبه عن جمال، ذلك الإنسان الذي اعتقدت أنني عرفته ولكن دون جدوى.
لم أكن قريباً كل القرب، ولم أكن بعيداً كل البعد عن هموم وهواجس المرحوم وما يفكر به، فالعلاقة الأسرية كانت كافية بأن تشي بجزء من السر عن تلك الهموم التي تلازمه بين الفينة والأخرى.
فالقلب صاف صفاء النفس التي يحملها ويجعل من الآخرين قريبين منه مهما تكن نفوسهم وأفكارهم وطبائعهم، فهو حلقة الوصل بين المتخاصمين لا يرجح كفة أحد على أخرى، فالكل سواء عنده ويحتفظ بالتفاصيل لنفسه دون سواه، ولا يسرك إلا بالقليل القليل حتى لا يخدش أذنك بكلام زائد. هو ذا جمال مرهون الذي رحل عنا دون أن يطلب منا شيئاً أو يتقبل منا شيئاً.
يتفطر قلبي وأنا أحاول أن أتماسك لأكتب شيئاً ما، فالرحيل صعب والفراق بهذه الشاكلة يصعب المهمة.
شهر كامل بالمستشفى كان كفيلاً بأخذه منا عنوة دون أن يستطيع أي منا مساعدته بعد أن تقلص جسمه من شدة المرض وأصبح روحاً بلا جسد.
كان الكثير من أصدقائه يأملون من خلال لقاءاتهم به النفوذ إلى دواخل حزنه إلا أنهم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا، فعناد النفس وروحه التواقة إلى المجادلة تمنعه من ذلك.
أي ذاكرة تستطيع تذكر تفاصيل حياة إنسان كان وإلى لحظاته الأخيرة يفيض إليك بنكاته المرحة وكأنه يعي بأن الحياة مزيج من الحزن والفرح حتى في أحلك الظروف وأصعبها. كان يود ألا تتركه إلا وبصيص أمل يراودك، لِمَ لا... ألم يسمِّ باكورة زواجه أمل! فالأمل كان يراوده حتى في لحظة انكساره، ومع ذلك لحظت في عينيه بقايا حزن غائر عميق لم تمحه ابتساماته لزائريه.
أشعر بحرقة في الأعماق وأنا أحاول أن أستجدي الكلمات المناسبة المعبرة علها تصبح جملاً مفيدة لجمال روحك وخفة ظلك وسهولة معشرك.
كم كان طيباً، ممتلئاً بالبهجة عندما عرفته في دمشق وهو شاب يافع ينضح ويضج بالحيوية والنشاط. في غرفته رقم (7) بالمستشفى في أواخر حياته كان شبحاً يلاحقه الموت وهو يصر على الرحيل عنا على رغم مشاغباته في طلب الخروج وهو الذي يعرف أن ليس بمقدوره المغادرة وهو على هذا الحال.
كنا نتوسل اليه مدركين حالته الصعبة يحدونا الأمل في شفائه، لكن لا تنفع الأمنيات حين تحل النوائب فالمرض قد تمكن منه وأقعده كلياً، وعلى رغم ذلك كان مرحاً لم يوفّر أحداً من مرحه حتى الممرضات اللاتي يعالجنه فرحن بخفة روحه.
شيء ما ضاع منا دون رجعة في ذلك الأربعاء الحزين. كان يوم الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني يوماً عصيباً على عائلته وأحبائه، كلٌّ تلفع بالحزن العميق على هذا الرحيل المفاجئ ودون إنذار أخير.
إنه لمنظر رهيب ومهيب أن ترى جموع العائلة وهي تحيط بفقيدها الذي كان قبل سويعات أملاً يرتجى. بعدها بدأت أتأمل الوجوه من حوله، كلٌّ يودعه بطريقته الخاصة. وضع آخر بدأ يتشكل صورةً لمشهد حزين سيظل ملازماً لنا فترات طويلة. كأني به في ذلك المشهد يود أن يقول لنا أشياء كثيرة قبل أن يرحل عنا، لكن لم يمهله القدر.
غالباً وأنا أكتب عنه ما تطوف بذاكرتي يداه النحيلتان المصفرتان. يدان عصبيتان حساستان يود لو أنه يستطيع المغادرة دون باقي جسمه النحيل الذي سيطر المرض عليه أيما سيطرة.
جمال شمعة انطفأت في غير أوانها. إنسان رائع من نوع نادر لا يتكرر، أتاه الموت مبكراً وخلّف لأهله وذويه وأصدقائه جرحاً عميقاً من الأحزان والآلام
إقرأ أيضا لـ "حميد علي الملا"العدد 3394 - الخميس 22 ديسمبر 2011م الموافق 27 محرم 1433هـ
خالي الغالي
ستبقى ذكراك في قلوبنا وسنظل نستمد من ذكراك الأمل والحب برغم كل الحسرات والألم والجرح العميق الذي حفره رحيلك في قلوبنا ستبقى انت شمعة تنير لنا الطريق وسنظل نغني كما كنا طريقنا انت تدري شوك وعر عسير موت على جانبيه لكننا سنسير سنغنيها دوما لأجل روحك الغاليه
فَقْدُ الاَْحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
ماعلمتُ قبل موتك ان النجوم في التراب تغور.
قال أبو تمام :
كذا فليجــــلَّ الخطـــبُ وليفـدحِ الأمــــرُ ***** فليسَ لعـيـن لــم يـفـضْ ماؤهــا عـــذرُ
عـلـيــك سَــلامُ اللَّــهِ وَقْــفــــاً فــإنَّـنــي ***** رَأيـتُ الكريـمَ الحُـــرَّ ليسَ له عُـمْــــــرُ.
عبدعلي فريدون
وهكذا تبقى ذكرى من زرعوا الورد خالده في ذاكرتنا
الغريب استاذي عندما تفارق من يعز عليك تظل لسنوات طويله كلما تمر ذكراه ترى الدموع وفا له تنهمر يدون ان تستطيع ايقافها ترى بعضهم ذكراه كلمسك تتطيب به بين الحين والاخر. واخر الراحلين الذين ما زلنا نتطيب من ذكراهم ابو عبدالهادي الشيخ حسن الباقري الذي مامرت ذكراه الابللت دموعي خدودي لا شعوريا رغم اني شحيح الدمع في معظم المواقف المحزنه ولكن هذا حال الدنيا هم السابقون
ونحن في اثرهم لاحقون