تُختتم اليوم الأربعاء (21 ديسمبر/ كانون الأول 2011) اجتماعات الدورة الخامسة التي تعقدها لجنة المرأة في «الإسكوا» ببيروت وبمشاركة ممثلي الحكومات والمنظمات غير الحكومية في البلدان الأعضاء. وما يميز هذه الدورة كونها تعقد في ضوء تغيّرات جذرية تشهدها المنطقة وتجعل من دمج قضايا النوع الاجتماعي في سياسات وبرامج وأنشطة المؤسسات العامة محوراً أساسيّاً يأتي على قمة الأولويات والأجندات، كما يحمِّل اللجنة أعباء مضاعفة في بذل الجهود والطاقات لتحقيق تقدم محرز بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل.
من هنا، كيف ترى «لجنة المرأة» الإنجازات التي تحققت للمرأة العربية، وما لم يتحقق منها بعدُ؟ ما تصوراتها للمضي قدماً في المرحلة المقبلة؟ ما هي التحديات...الخ؟ في هذا الشأن ثمة استنتاجات تجيب عليها مضامين خطابات افتتاح أعمال الدورة للأمينة التنفيذية «للأسكوا» ريما خلف ومنسقتها فاطمة سبتي، وكذلك ما تم تداوله في الجلسات. لاشك أن هناك تشخيصاً دقيقاً لواقع المرأة وقضاياها وبما له علاقة بالنواقص والاختلالات، وما تواجهه المؤسسات المعنية بتلك القضايا من تحديات وخصوصاً لجهة حقوق النساء المكتسبة أو المطلوب تحقيقها.
أشارت الأمينة التنفيذية إلى وجود تراجع في المكتسبات المتحققة للمرأة وخصوصاً الاتفاقيات الدولية كـ «اتفاقية السيداو»، إذ تبرز التراجعات من خلال النظر إلى المكتسبات باعتبار علاقتها بأنظمة الحكم التي اتسمت بالفساد في إدارتها وفشلها في تحقيق أهداف برامج التنمية لمجتمعاتها، بيدَ أن خلف ترى أن ما تحقق ما هو إلا ثمرة جهود لنضالات نسائية مضنية ولفترات طويلة، ما يعني أن عملية التطوير بحاجة إلى استراتيجيات جذرية، وإعادة نظر في منهجية الحركة النسائية، يضاف إليها نقد ذاتي. صحيح أن الحركة حققت إنجازات، لكن الصحيح أيضاً أن الإنجازات ظلت في إطار حركة مركزية لم تستطع التحول إلى حركة شعبية تنزل إلى نساء المدن والأرياف والمنازل والمصانع...الخ، وتلامس احتياجاتهن وتطلعاتهن. لهذا وذاك اختير موضوع «المساواة والقيادة السياسية للمرأة» كموضوع أساسي لفعاليات الدورة الخامسة.
حين تلامس حالة الحراك السياسي العربي غير المسبوق، تفيد أن هذه الحالة أفرزت قوى تشكك في حقوق المرأة الأساسية لاعتبارات اجتماعية وثقافية واقتصادية خاصة بمجتمعاتنا، وهو ما يفرض ضرورة حضور المرأة في مواقع صنع القرار، فهذا الأمر بالنسبة إليها لم يعد خياراً، إنما صار وضعاً ملزماً يستوجب تعزيز مهارات المرأة وتحسينها لضمان مشاركتها السياسية بفعالية، كما يتطلب تمكين الشباب والشابات ليمارسوا دورهم في المرحلة الانتقالية، وخصوصاً الملتزمين منهم بالأحزاب السياسية إلى جانب تحقيق تشبيك مع القيادات النسائية في العالم، وإتاحة الفرص لبناء علاقات وإرساء تحالفات، فالأخيرة تعد مسئولية كل الجهات من حكومات وأفراد ومنظمات غير حكومية، وذلك استناداً إلى كون قضية المرأة والمساواة بين الجنسين قضية للجميع وبحاجة إلى إيمان المرأة بقضيتها وحقوقها علاوة على توافر إرادة سياسية وصياغة برامج وسياسات ومشاريع وتعاون بين شركاء التنمية بالقطاع الحكومي والخاص.
في المحصلة النهائية، كل ذلك يتطلب عملاً جديّاً وتنفيذاً للاتفاقيات الدولية ودفع التحفظات عن موادها، وتستدرك خلف: لاشك تحقق الكثير، بيد أن العقبات أيضاً كثيرة وبحاجة إلى جهود متضافرة مع الإعلاميين لنقل صورة موضوعية غير متحيزة، فما لم تنل المرأة حقوقها ستبقى العملية الديمقراطية ناقصة.
أما بالنسبة إلى منسقة الدورة فاطمة سبتي؛ فقد بينت أن المرحلة الانتقالية مفصلية في حياة شعوب المنطقة وفيها يعاد تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي بما فيه وضع المرأة التي لاتزال على هامش عملية اتخاذ القرار الذي ينتج الوضع السياسي العام. مضيفة: هنا لا يمكن الاكتفاء بمشاركة المرأة في الحراك الشعبي، بل بتعزيز قدراتها لتساهم في تشكيل سير هذه التغيرات، وبالتالي بتغير مكانتها كشريك، ولاسيما أن أصوات الشباب والشابات في الانتفاضات قد سلطت الضوء على نواقص توفير فرص للعمل والبطالة والفقر وخلل في الحصول على الخدمات الرئيسة وتراجع عن المكاسب بتبريرها كمخاطر، ولتفادي ذلك فهي تدفع باتجاه تشجيع الشباب والشابات على الحضور في المجالس واللجان التنفيذية وغيرها، وأن تفرض المرأة نفسها كشريك وكمواطنة ودعمها لدمج برامج المساواة بين الجنسين. كما طالبت الحركة النسائية للمشاركة بشكل متساو في الانتخابات، وإدخال تعديلات على النظام الانتخابي واعتماد نظام الكوتا ودراسة تأثير ذلك على المترشحات، مؤكدة أن هذه المبادرات خطوات في الاتجاه الصحيح لإطلاق تشريع طويل الأمد وليس تمثيلاً صوريّاً، ما يعني إيلاء المزيد من الاهتمام بتمكين المرأة عن طريق بناء القدرات استناداً إلى العدالة الانتقالية وإدراج بند المساواة بين الجنسين وتقييم هذه المسألة في الإصلاح الدستوري وفي إطار قانون سياسي.
إلى جانب ما سبق، لفتت سبتي الانتباه إلى ما أحرز من تقدم للمرأة في التعليم والصحة والعمل في ظل عدم استقرار سياسي وزيادة سنوية للبطالة وارتفاع الهوة بين الفقراء والأغنياء، واضمحلال الطبقة الوسطى وغيرها، ما يجعل الجميع أمام تحديات تنموية كبيرة، فالمتحقق بنظرها لم ينعكس نوعيّاً على تقدم المرأة في الشأن العام بعد. ومن أبرز الانجازات المتحققة على مستوى التنمية والآليات، استحداث وزارة للمرأة ومرصد إقليمي، وانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لكنها لم تغفل الإشارة إلى وجود تحفظات على بنود جوهرية في «اتفاقية السيداو»، وحتى من أعلن رفع التحفظات لم يبادر بعدُ إلى إيداع وثائق الرفع عند الأمم المتحدة، كما وضعت بعض الدول استراتيجيات وطنية وشبكات لإدماج النوع الاجتماعي وعدلت تشريعات وأعطت حقوقاً سياسية...الخ. بيد أن أكثر التحديات التي يواجهها العاملون في هذا المجال تتعلق بشح الموارد البشرية والمادية المخصصة لتنفيذ برامج المرأة، وضعف التنسيق وعدم توافر البيانات الإحصائية الدقيقة المصنفة بحسب نوع الجنس، وضعف برامج التوعية والتأهيل لصقل مهارات المرأة، واختلاف بشأن التعاطي مع مفهوم النوع الاجتماعي، وسوء تفسير التعاليم الدينية. داعية في الختام إلى ضرورة اقتراح رؤية وإجراءات جديدة خلاقة لمواجهة التحديات السابقة.
في المحصلة النهائية إضافة لما سبق، هناك من يرى أن الإرادة السياسية المتعلقة بمساواة المرأة موجودة لكنها مترددة، ويعوزها القبول الاجتماعي عامة، ولهذا يتطلب الأمر بداية توضيح مفاهيم إدماج النوع الاجتماعي ومقاربتها للواقع وثقافة المجتمع، لكن يبقى التحدي الأكبر للجميع، هو كيفية تحويل هذه القضية من قضية على الورق إلى قضية عملية تلامس واقع المرأة وتحدث التغيير المنشود
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 3392 - الثلثاء 20 ديسمبر 2011م الموافق 25 محرم 1433هـ