صناعة المستقبل للإنسان العربي تنقسم في تقديري إلى جانبين: الأول، يتعلق بمسئوليات الدولة العربية. والثاني، يتعلق بالناس أي المجتمع وتحديداً الأسرة باعتبارها نواة صناعة الشباب.
فيما يتعلق بالجانب الأول لاتزال البلدان العربية مشغولة عن الاهتمام بالمستقبل حتى أن الناس لا يعلمون إلى أين المسير! وهذا المشهد يذكرنا بالعالم الشهير ألبرت اينشتاين عندما سئل ذات مرة لماذا تبدي اهتماماً بالمستقبل؟ فرد قائلاً ببساطة: لأننا ذاهبون إلى هناك.
التخطيط للمستقبل مطلب وطني ملح لكن المهم في تقديري ليس التخطيط بل وجود (الرؤية vision) لماذا؟ لأن التخطيط لا يستطيع أن يصنع الرؤية بل يستطيع التخطيط ان يبرمج الرؤية - إن وجدت - كما فعل مهاتير محمد في ماليزيا. أغلب الدول تعتمد «طريقة السيناريوهات» كأسلوب لاستشراف المستقبل فقد استخدم الخبراء الأميركان هذا الأسلوب لتصور خريطة العالم في سنة 2020. على سبيل المثال عرض التقرير الذي أعده المجلس الوطني للمخابرات الأميركية معتمداً على عشرات من الخبراء والمختصين في العلاقات الدولية والدراسات المستقبلية أربعة سيناريوهات محتملة:
1 - السيناريو الاقتصادي: يفترض مشروع تنمية اقتصادية قوية خلال السنوات القادمة وتحديدا كيفية إعادة صياغة مسار العولمة.
2 - سيناريو النظرة الأحادية: يتفحص طرق التمكن الأميركي لمواجهة التحولات الفجائية للسياسة العالمية.
3 - سيناريو قيام خلافة إسلامية: ويتوقع هذا السيناريو ظهور حركة عالمية إسلامية وإمكانية إشغالها بالطائفية.
4 - سيناريو حلقة الخوف: يركز على حالة الخوف الناتجة عن انتشار الأسلحة النووية وما هي مستلزمات اتخاذ إجراءات أمنية ناجحة.
الهدف من استعراض المثال السابق هو شحذ الهمم واستدعاء قدراتنا للإجابة على تساؤلات المستقبل المتعلقة بالإنسان العربي وما يتصل به من قضايا مهمة.. (الفقر، الأمية والتعليم، البطالة، المستوى الصحي والبيئي والمعيشي... إلخ) هذه الدراسات الافتراضية القائمة على البيانات والتي ينبغي أن يتولاها متخصصون ليست نوعا من الترف الفكري. لكن السؤال هو: ماذا عن هذا التوجه على مستوى الحكومات في الوطن العربي؟ هل هو مقتصر على الجانب الأمني فقط؟ قال ديغول يوما لأحد «وزرائه»: خالفني مرة واحدة لأشعر بأننا اثنان!
نعم الدولة العربية تتحمل المسئولية الكبيرة لكننا هنا بهدف خلق وتنمية اتجاهات إيجابية في الأسرة العربية نحو تدريب الأبناء على مهارة التخطيط للمستقبل وفي هذا المجال فقد أصدرت روبين ميريديث Robyn Meredith المتخصصة في الشأن الهندي والصيني كتابا بعنوان «الفيل والتنين - صعود الهند والصين» تحدثت فيه عن الدور الخطير للطبقة الوسطى في تحقيق التنمية والتمرد على الدكتاتورية وذلك أثناء المجاعة الكبرى التي واجهت الصين وأوردت قصة اجتماع بعض الريفيين سنة 1978 للخروج عن نسق شيوعية ماو والمتمثلة في المزارع الجماعية حيث أعادوا تقسيم الأراضي الزراعية بطريقة تفعل «دور الأسرة»، ما زاد الإنتاج إلى أربعة أضعاف وكيف هيأت تلك الإصلاحات الزراعية لشرارة التغييرات الكبرى في الصين.
الأسرة العربية تستطيع المشاركة في صناعة وتقدم الأمة والشواهد على ذلك كثيرة: الأردن يمثل أعلى نسبة تعليم في العالم العربي 90 في المئة تليه البحرين ثم قطر والكويت ولبنان ثم السعودية 78 في المئة. السؤال لماذا يتفوق الأردن؟ علماً بأن الأردن ليس دولة نفطية؟ الجواب ذكره وزير التعليم في الأردن عندما سئل عن السبب قال: لأن التعليم في الأردن أصبح قيمة اجتماعية.
من الذي جعل العلم قيمة نشطة في الحياة؟ إنها «الأسرة» فهي الصهريج العظيم لضخ القيم في المجتمع فعندما تحرم الأسرة نفسها الكثير من الأشياء لصالح التعليم يصبح الإنفاق على التعليم ثقافة واتجاها شائعا لدى الناس. وبشيء من الرصد للمشهد الاجتماعي نلاحظ وللأسف اهتماما غير مسبوق لدى المواطن العربي بكتب السحر والشعوذة وكتب الأبراج مدعوما بفضائيات تعوق تنمية العقول عبر سلطة المرئي. هناك شاهد آخر للتدليل على دور الأسرة في تعزيز «ثقة الشباب بأنفسهم» فمن المعروف أن جامعة هارفارد من أهم الجامعات في أميركا ولها عادة سنوية في منح الدول مجموعة من المقاعد الدراسية وقد خصصت للسعودية خمسة مقاعد أما إسرائيل الابنة المدللة فقد خصص لها 21 مقعدا دراسيا. لكن الملفت للنظر أن السعوديين لم يملأوا هذه المقاعد وقد علق الملحق لسعودي بأن الطلاب السعوديين يتهيبون من الدخول في هذه الجامعة لأن الجامعة لها سمعة شديدة ولها توقع عال من الإنجاز والتحدي.
هنا نرغب في تأكيد أهمية دور الأسرة في تنشئة الشباب المعتمد على نفسه الواثق بها باعتبارها ذات مرتبطة بخالقها أولا وباعتبارها ذات قوية قادرة على الفعل ثانيا كما أن كلا منا له دور مهم في الحياة فإذا كنت ولي أمر، أو مدرساً، أو اخصائياً اجتماعياً انشر الوعي بمبادئ اتفاقية حقوق الإنسان وان كنت ثرياً تبرع بجزء من ثروتك لتأسيس مركز للأبحاث العلمية وان كنت زوجاً صالحاً شجع زوجتك لإكمال تعليمها وان كنت أباً فاشتر كتاباً لطفلك عوضاً عن وجبة من مطاعم الوجبات السريعة وان كنت إعلاميا ساهم بنشر الكلمة الحرة للتخفيف من سطوة الإعلام الموجه وان كنت برلمانيا شجع حكومتك على تحسين مستوى معيشة المواطنين وعلينا جميعا تذكر الحكمة العالمية «إذا أردت أن تصل إلى المستقبل فعليك أن تمزج الحلم بالعمل»
إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"العدد 3392 - الثلثاء 20 ديسمبر 2011م الموافق 25 محرم 1433هـ