قبل سبع سنوات قام المغربي عبدالغني المسعودي بالاشتراك مع ابن موطنه منير المتصدق بكتابة وصية محمد عطا، الشاب المصري الذي تقول الولايات المتحدة انه قاد أول طائرة بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وارتطمت بمبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك وانه كان يرأس «خلية هامبورغ» التي خططت لهذا الهجوم الذي أودى بحياة 3066 شخصا. ويذكر أن محكمة هامبورغ وجدت المتصدق مذنبا وحكمت عليه بالحبس مدة 15 عاما بعد أن اتهمه المدعي العام الفيدرالي كاي نيهم بالمشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر والانتماء الى تنظيم «ارهابي أجنبي». وكانت هذه أول محاكمة تجري على أرض ألمانية لها علاقة بهجوم 11 سبتمبر وكانت لها أصداء عالمية واسعة.

غير أنه لم يسدل الستار نهائيا على قضية المتصدق، فقد تقدم محاميا المتصدق ببيان اعتراض على الحكم، ويمكن للأسباب التي قدمها محاميا الدفاع: جوزف غريسلي مونشر وغيرهارد شتراتي، أن تفيد عبدالغني المسعودي، بالنظر إلى التشابه الكبير بين قضيتة وقضية المتصدق. ويدور الخلاف الآن حول الأسباب وراء عدم مثول شهود أمام محكمة هامبورغ حين جرت محاكمة المتصدق وتشكيك محاميا الدفاع في البيانات التي قدمها المدعي العام الفيدرالي، وفي النهاية حرمان المتهم من الحصول على محاكمة نزيهة لأن القاضي لم يصر على مثول الشهود.

من وجهة نظر المحاميين غريسلي مونشر وشتراتي فإنه كان بوسع مثول اليمني رمزي بن الشيبة الذي اعتقله الأميركيون في كراتشي ويعتقد أنه معتقل في قاعدة أميركية، أو السوري محمد الزمار المحتجز في سورية، إذ كانا على صلة وثيقة بالمتصدق، أن يسهما في القاء أضواء على «خلية هامبورغ» ونشاطات أعضائها وربما المساهمة في ابراء ساحة المتصدق لأن بن الشيبة يعرف من شارك في وضع خطة الهجوم ومن لم يشارك فيها وبوسعه تقديم شهادة تدين أو تبرئ ساحة المتصدق والمسعودي أيضا.

وفي خزانة حديد في مقر المخابرات الألمانية، توجد شهادة أدلى بها بن الشيبة قدمها الأميركيون إلى المحققين الألمان، لكن الولايات المتحدة ضغطت على الألمان من أجل عدم استخدامها لدى محاكمة المتصدق. وتشير مصادر صحافية الى أن مقر المستشارية ووزارة الداخلية في برلين مارستا الضغط على محكمة هامبورغ كي تتراجع عن طلبها باستدعاء رمزي بن الشيبة ومحمد الزمار للمثول أمامها بوصفهما شاهدين.

ويقول محاميا المتصدق ان الزمار أدلى قبل اعتقاله في سورية بأن المتصدق لم يشارك في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر. وقام محققون ألمان بزيارة الزمار في سجنه بسورية واستجوبوه ولم يجر استخدام ما صدر عنه في محاكمة المتصدق، وتوقفت محكمة هامبورغ عن المطالبة بشهادة الزمار حين أبلغها مقر المستشارية بأن الأخير لم يشر بكلمة واحدة إلى المتصدق.

بعد المتصدق حان دور المسعودي ليضع القضاء الألماني أمام اختبار جديد، فهل تتكرر فصول محاكمة المتصدق أم يتحدى القضاء مصالح السياسة ويسعى الى التحرر من الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على الحكومة الألمانية؟.

يوم الخميس المقبل ستبدأ محاكمة عبدالغني المسعودي في هامبورغ، ويتهمه المدعي الفيدرالي العام بالمشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر والانتماء الى تنظيم «إرهابي أجنبي». غير أن دفاع المسعودي يريد نقد هذه الاتهامات ويقول ان المسعودي لم يفعل أكثر من تقديم خدمات الى صديق له يدعى زكريا الزبار حين كان الأخير خارج ألمانيا، وكان يدفع نيابة عنه رسوم التأمين الصحي وكذلك رسوم الفصل الدراسي... وهي كما يبدو خدمة قدمها صديق الى صديقه، بينما هي في نظر المدعي العام مشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر.

لكن محامي المسعودي يقول ان العرب يقدمون إلى بعضهم خدمات لا يقدمها الألمان إلى بعضهم بعضا. ويعتبره المدعي العام الفيدرالي عضوا في خلية محمد عطا، ويتهمه بتقديم خدمات إلى هذه الخلية والتخطيط للشروع في قتل 3066 شخصا في الهجوم على نيويورك وواشنطن. وكان المدعي العام الفيدرالي اكتفى قبل إدانة المتصدق باتهام المسعودي بتقديم دعم لتنظيم «إرهابي أجنبي» غير ان إدانة المتصدق والحكم عليه بالحبس 15 عاما دفع بالمدعي العام الفيدرالي إلى توسيع اتهامه للمسعودي الى مستوى الانتماء الى تنظيم «إرهابي أجنبي» والمشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر.

الرأي الشائع أن المسعودي كان على صلة وثيقة بمحمد عطا من خلال مجموعة الطلبة الذين كانوا يصلون معا، وفي غياب عطا والاماراتي مروان الشيحي كان المسعودي يشرف على شقتهما في مدينة هامبورغ. إلا أن المدعي العام الفيدرالي يشير في دعواه الواقعة في 92 صفحة إلى الاستنتاج بأن المسعودي متطرف اسلامي وكان منذ لحظة التأسيس الأولى عضوا في «خلية هامبورغ» وأنه قام بتقديم خدمات كثيرة إلى أعضاء الخلية وأنه تصرف رغبة منه في المشاركة في تنفيذ هجوم 11 سبتمبر.

ويشير محضر الدعوى إلى أن المسعودي البالغ اليوم 30 عاما من العمر، كان يعمل في اخفاء آثار سفر أعضاء فرقة الهجوم الى الخارج. وصديقه زكريا الزبار الذي كان ينبغي ان يسافر الى الولايات المتحدة والحصول على دروس الطيران لكنه لم يحصل على تأشيرة السفر، كان حتى أغسطس/آب العام 2003 في أفغانستان حين كان المسعودي يسدد فواتيره في ألمانيا، ومن خلال سداد هذه الفواتير أوحى المسعودي - وهذا رأي المدعي العام الفيدرالي - بأن الزبار موجود في هامبورغ للتغطية على دور الأخير في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر.

كما تشير الدعوى الى أن المسعودي قام بالتغطية على محمد عطا ومروان الشيحي أثناء غيابهما عن هامبورغ إذ واصل العناية بشقتهما في شارع مارين شتراسه رقم 54 بضاحية هامبورغ. وفي فبراير/شباط 2000 استأجر باسمهما شقة في مسكن للطلبة في الوقت الذي كانا في الولايات المتحدة ويتدربان على قيادة الطائرات.

بحسب بيانات الادعاء شارك المسعودي رفاقه في تبني ايديولوجية مشتركة وسبق وقال في العام 1996 انه يؤيد القيام بأعمال عنف ضد الولايات المتحدة حتى لو تسببت في سقوط أطفال بين الضحايا كما يظهر في شريط فيديو لحفل زواج صديقهما الجزائري (من أم ألمانية) سعيد بهجة، الفار منذ وقوع هجوم 11 سبتمبر، وهو يغني مع مروان الشيحي. وتم العثور لدى تفتيش مسكنه على شريط فيديو يلقي فيه الشيخ الأردني أبوقتادة الذي لجأ الى بريطانيا خطبا حماسية تدعو الى العنف.

كما تشير بيانات المدعي العام إلى أن المسعودي زار أفغانستان في مطلع العام 2000 وحصل على اسم مستعار (طلحة) وتدرب في قاعدة تابعة لمنظمة «القاعدة». وقال الشاهد الرئيس شادي عبدالله الذي تجري محاكمته في مدينة دوسلدورف انه شاهد المتصدق والمسعودي وآخرين في أفغانستان. ويأمل شادي عبدالله الحصول على عقوبة مخففة من وراء إدانة غيره.

ويقول المدعي العام أيضا ان المسعودي سعى إلى الحصول على جواز سفر جديد بعد عودته من أفغانستان لابعاد الشبهات عنه، موضحا أن جواز سفره تركه سهوا في قميص قام بغسله. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2000 قدم جواز سفره القديم وكان من الصعب قراءة البيانات فيه التي محتها مكنة غسل الثياب.

كل هذه الاسئلة والألغاز تنتظر اجوبة في محاكمة «خلية هامبورغ» يوم الخميس المقبل