معتقد «المبدل» في البحرين قديم جداً ولا يوجد توثيق لهذا المعتقد، وحتى عملية الجمع الميداني في الوقت الراهن لن تنفع كثيراً في توثيق هذا المعتقد وذلك بسبب حدوث انفصال ما بين المعتقد والجزئيات المكونة للمعتقد، بمعنى أن الجماعة الشعبية في البحرين ما عادت مرتبطة ارتباطاً مباشراً بمعتقد «المبدل» لكنها مرتبطة بالصفات المرتبطة بالمبدل. للتوضيح نلاحظ في كتاب «المعتقدات الشعبية في مملكة البحرين» ليوسف النشابة ومها الكبيسي، استخدام عبارة «التشاؤم من ...» ثم يذكر بعدها صفة من الصفات المشهورة للمبدل والتي ذكرت في العديد من الثقافات الأخرى؛ إذاً فالعامة ارتبطت بصفة من صفات المعتقد الأساسي، وعليه فإن الطقوس المتبعة للتخلص من «شؤم» هذه الصفة تكون طقوس «استرداد» الطفل المستبدل، ويلاحظ هنا أيضاً أن هذه الطقوس تتشابه مع طقوس إرجاع الطفل المستبدل في بلدان أخرى. لهذه الأسباب سنستخدم هنا أسلوب المقارنة وذلك لإعادة ربط الممارسات المرتبطة بالجزئيات بالمعتقد الأساسي وهو معتقد «المبدل».

الجن تختطف الإنس

تعتقد الجماعات الشعبية في العديد من الثقافات أن الجن أو «سكان العالم السفلي» لهم القدرة على اختطاف البشر، وهناك اتفاق بين تلك الجماعات الشعبية أن النساء والأطفال هم الأكثر عرضة لذلك، وهذا الاعتقاد له جذور ضاربة في عمق التاريخ ففي النص السومري لأُسطورة نزول الإلهة عشتار (إنانا) إلى العالم السفلي يوجد وصف لسكان ذلك العالم (بشور 1989، ص 241 – 242):

إنَّ الذين رافقوا إنانا

كانوا مخلوقاتٍ لا تعرف الطعام ولا تعرف الماءَ

لا يأكلون الطحين المبسوس

ولا يشربون ماء القرابين

إنهم يأخذون الزوجة من حُضنِ زوجها

ويأخذون الطفل من ثدي مرضعته

وتعتقد الجماعات الشعبية أن الجن تستبدل أطفالها بأطفال الإنس، ولذلك قامت تلك الجماعات بخلق طقوس وقائية لتحمي أطفالها من أن تستبدلهم الجن، من هذه الطقوس نذكر أهمها هنا.

1 - مراقبة الطفل

يجب أن تكون هناك مراقبة مستمرة للطفل خوفاً عليه من الاستبدال وفي البحرين «في اليوم الأربعين من ولادة الطفل تحرص الأم على ألا تفارقه أبداً خشية أن تستبدله الجن بولدهم القبيح وتأخذ طفلها الوسيم، لأن يوم الأربعين من الولادة يكون الطفل قد اكتمل نمو ملامحه» (النشابة والكبيسي 2006، ص 58). الاعتقاد ذاته متعارف عليه في عدد من الدول الأوربية، ففي ألمانيا، على سبيل المثال، وخلال الستة الأسابيع الأولى يتوجب مراقبة الطفل باستمرار وبدون أي انقطاع وإذا تعذرت المراقبة على الأم والأب فإنهما يستعينان بحارس ليقوم بمهمة مراقبة الطفل (Grimn 187،translated by Ashliman 1998 - 2005). وفي مصر أيضاً كان يتم الاستعانة بحارس ولكن ليس لمراقبة الطفل بل لمراقبة الزوجة الجديدة حيث يذكر فارس خضر في كتابه «العادات الشعبية بين السحر والجن والخرافة» أن «ثمة عادة قديمة في الواحات وقد بطلت حالياً، هي وقوف شاب على باب حجرة العروس قبل زفافها ويطلق حليه اسم «الحارس» وذلك ليحرسها من أن يختطفها الجان» (خضر 2008، هامش ص 65).

2 - وضع قطع الحديد

سبق أن ذكرنا في فصول سابقة أن الحديد يستخدم في العديد من الثقافات لمنع أذى الجن ومنه من يستخدمه في منع استبدال الجن للطفل وقد درجت العادة في دول الخليج العربي على أن يقوم بعضهم بوضع قطعة حديد أو سكين أو خلافه تحت وسادة الطفل أو أن يلبس الطفل حجلاً من الحديد. وبعض الجماعات الشعبية كما في السويد (Hoftberg 189، p. 176) ومدينة تلعفر (التلعفري 1986) في العراق تقوم بتثبيت إبرة إما في رأس الطفل أو في ملابسه الداخلية. أما في إيرلندا فعندما يراد ترك الطفل لوحدة فيتوجب تثبيت ملقط مصنوع من الحديد في سرير الطفل لمنع عملية استبداله (Evans Wentz، 191،p.57).

3 - جعل النار مشتعلة

ترى بعض الجماعات الشعبية أن النار تبعد الجن فيعمد البعض إلى إبقاء نار مشتعلة في المنزل باستمرار في حال وجود مولود جديد كما هو الحال في السويد (Hoftberg 1893، p. 176)، وكذلك في بعض مناطق الخليج العربي يقوم بإبقاء شمعة مشتعلة طوال الوقت بالقرب من الطفل وذلك لمنع أذية الجن للطفل (الفحيل والحمدان 1997، ص 130). أما في إيرندا فيتم إشعال قشة ويتم تمريرها من فوق سرير الطفل، وإثناء عملية التلويح يشكل بالقشة علامة الصليب في الهواء (Evans Wentz، 1911، p.57).

4 - إلباس المولود ملابس بنات

قديماً كانت ملابس الأطفال في البحرين موحدة للذكر والأنثى، وقد درج بعض العامة في البحرين على تخريم آذان المولود الذكر وإلباسه «تراكي» (أي أقراط الأذن)، والبعض يطيل من شعر الطفل ليصبح كشعر البنت، وقد عللت بعض العامة هذه الأساليب أنه نذر؛ حيث تنذر المرأة التي لا يعيش لها ذكور أن تفعل ذلك، بينما يرى البعض أنها طقوس لحماية الطفل من «التابعة». ويبدو أن هذا التقليد له جذور موغلة في القدم وليس حصرياً على البحرين ففي إيرلندا في حال كان المولود ذكراً فإنه يتم إلباسه ملابس البنات لحمايته من الاستبدال، ويرى البعض أن شياع هذا التقليد، أي إلباس الذكر ملابس الأنثى، ربما كان مرتبطاً بنسبة وفيات الأطفال الذكور مقارنة بالإناث (Evans 1957، p. 289)، أو ربما يكون هذا التقليد جاء في الأساس لدرء العين الشريرة حيث إن ثقافة حب إنجاب المولود الذكر كانت منتشرة بصورة واضحة (عما عليها اليوم) وكانت المرأة التي تنجب طفلاً ذكراً تخاف على مولودها من العين وقد تصل درجة الخوف لإنكار أن المولود كان ذكراً وهذا التقليد كان شائعاً في مناطق مختلفة في الخليج العربي حيث ورد في كتاب «عادات الميلاد في مجتمع الإمارات العربية وقطر والكويت»: «ويعكس هذا الوضع (أي ادعاء أن المولود أنثى) النظرة المتميزة للذكور في المجتمع، وقد عبرت عن هذا إخبارية بقولها: نخفي الولد لأنه أغلى من البنت. وقد تكتفي بعض الأسر بمجرد إعلان أن المولود أنثى أو مناداته باسم أنثى. لكن القضية أعمق من ذلك في الحس الشعبي؛ فهم يحتاجون لتضليل الإنس والجن سواء، ولهذا يتركون شعر رأس الولد ينسدل ثم يقص مثل قصة شعر البنات. ويحتاط بعضهم بإلباس الذكر ملابس الأنثى أو تخريم أذنه ويلبس حلقاً كما في الكويت، ولكن يبدو كأن هذه ممارسة جديدة نسبياً؛ إذ تشير إخبارية أخرى بقولها: إن الملابس كانت موحدة سابقاً بالنسبة للولد وبالنسبة للبنت. ويبدو أنه لهذا السبب استخدمت إخبارية متعلمة في الكويت تعبير «التعتيم على جنس الوليد» حماية له من العين» (الفحيل والحمدان 1997، ص 127).

5 - ممارسات مرتبطة بالدين

ربطت الجماعات الشعبية بمختلف دياناتها معتقد «المبدل» بعدد من الممارسات الدينية، وإن كسر هذه الممارسة يؤدي لحدوث استبدال المولود من قبل الجن، ففي فلسطين يتوجب على القابلة أن تسم باسم الله أو أن المولود سيكون عرضة للاستبدال «فيما لم تسَمِّ القابلة والنساء، ويذكرن اسم الله عند الولادة. وقد يتم الاستبدال إذا وقع الطفل على الأرض ولم يُسَمِّ أحد ويذكر اسم الله سبحانه وتعالى» (شبانة 2009، نقلاً عن سرحان 1989). وشبيه بذلك تم توثيقه في عدد من الدول الأوربية؛ حيث إن الاعتقاد السائد عند عدد منهم أن عدم تعميد (baptize) الأطفال يجعلهم أكثر عرضة للاستبدال (Munro 1997). وكذلك في المعتقدات الإيرلندية يتوجب اتباع مدح الطفل بعبارة الحماية «God bless him» ومن غير الحكمة ترك هذه العبارة لاعتقاد العامة بما سيترتب على ذلك من أضرار تقع على الطفل ومنها الاستبدال Evans 1957، p.289

6 – طقوس أخرى

هناك عدد من الطقوس المتفرقة التي تم توثيقها في الدول الأوربية لمنع عملية استبدال الطفل من قبل الجن، على سبيل المثال في إيرلندا يتم وضع خبز وجبن في ملابس الطفل (Evans 1957، p.289)، أما في ألمانيا فعندما يضطر الآباء لترك الطفل لوحده فإنه يتم وضع قطعة من ملابس الأب بالقرب من الطفل أو يوضع مفتاح بالقرب من الطفل (Grimn 1877، translated by Ashliman 1998 - 2005)