دائماً ما يطالب التجار وأصحاب الأعمال بتفعيل السياسة المالية من خلال قيام حكومة البحرين بضخ مئات الملايين من الدنانير في تنفيذ مشروعات لتحريك عجلة النمو الاقتصادي.
كما يتم تحميل الحكومة مسئولية مواجهة الكساد الاقتصادي، وإنقاذ الشركات من الإفلاس، ودعم القطاع الخاص.
من تم سؤالهم عن الحل الاقتصادي، كانت إجابتهم، أن على الحكومة ضخ الأموال في السوق، وطرح مشاريع متنوعة، وتقديم تسهيلات وخدمات للقطاع الخاص.
ما لم أستطع أن أفهمه، أن نشرة لمصرف البحرين المركزي أفادت بأن ودائع حكومة البحرين تبلغ 1.8 مليار دينار، بينما ودائع القطاع الخاص تبلغ 7.5 مليارات دينار في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2011.
حكومة البحرين تصرف كل إيراداتها بالكامل في الاقتصاد على شكل رواتب ومشروعات وغيرها، باستثناء جزء بسيط يتعلق بصفقات خارجية.
وفي نهاية السنة، تقترض الحكومة مئات الملايين من الدنانير، وهو ما يعني أنها لا تمتلك الأموال الكافية وتعتمد على الاستدانة التي ستحمل الأجيال المقبلة ثمنا باهظا على شكل ضرائب.
أما القطاع الخاص فلديه ودائع في البنوك تبلغ 7.5 مليارات دينار (نحو 20 مليار دولار)، مكدسة في حساباته. لو أن القطاع الخاص يضخ مليار دينار في الاقتصاد لانتعشت القطاعات الاقتصادية.
علة الاقتصاد تتمحور في «الحلقة الخبيثة لتكديس الأموال»، وتعني أن الأموال بعد أن تضخ في السوق تدور، وتصل في النهاية إلى أيدي فئة قليلة من القطاع الخاص، وتقوم هذه الفئة بتكديس الأموال على شكل ودائع، ما يحرم آلاف المؤسسات والشركات الصغيرة من الاستفادة من حركة الأموال، وبالتالي تعاني من صعوبات مالية وكساد اقتصادي، قد يضطر بها الأمر إلى الإفلاس.
فالمشكلة في القطاع الخاص نفسه، حينما قام بتكديس الأموال في البنوك، ومنعها من التداول والدوران في السوق. والمشكلة تزداد تعقيداً عندما يكون من يكدس الأموال هم من الأجانب، في ظل تفشي ظاهرة تأجير السجلات التجارية، وسيطرة كبيرة للعمالة الوافدة على القطاع الخاص ملكية وإدارة وتسويقاً.
الخطورة في الحلقة الخبيثة لتكديس الأموال، أنه عندما يقوم شخص بسحب مليون دينار من السوق ويجمدها في البنوك، فإنه يؤثر بشكل مباشر على الطلب الكلي للاقتصاد، فمن سيشتري المنتجات والخدمات مادام الناس لا يحركون الأموال ويكدسونها.
وحتى لو قامت الحكومة بضخ ملايين الدنانير لتحريك السوق ومساعدة المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة، فستكون التأثيرات مؤقتة، لأن الأموال في النهاية «ستدخل الحلقة الخبيثة»، إذ ستصل خلال دورانها إلى الفئة التي تكدسها كودائع، ومن ثم تبقى مشكلة أزمة السيولة، وتبقى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني من ضعف الطلب.
الحل ليس بضخ الحكومة مزيداً من الأموال، وإنما بكسر الحلقة الخبيثة لتكديس الأموال لدى القطاع الخاص، حتى لا تكون دولة بين الأغنياء، وتدور النقود في السوق وتتحرك من مؤسسة إلى مؤسسة ومن مواطن إلى آخر
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 3389 - السبت 17 ديسمبر 2011م الموافق 22 محرم 1433هـ