مشاركة في النقاش الهادئ في موضوع هجرة الأدمغة البحرينية، علق أحد القراء بأن المقال كان يحتاج إلى إحصاءات عن عدد العقول البحرينية المهاجرة، مع العلم بأن البحرين ترعى أبناءها المتفوقين والمتميزين منذ حصولهم على الشهادة الثانوية، وما ذكر عن تلك الهجرة هو إنكار لهذا الدور.
ومع احترامي لأي صوت يبحث عن الحقيقة بالدليل وأضم صوتي له، أضع أمامه مساهمة قارئ آخر، علق على الموضوع نفسه، بإعطاء مثل واحد لشخص بحريني يعرفه عن قرب وهو متفوق جداً في علمه، ولم يحصل على بعثة علمية من الدولة لخارج البحرين، ما اضطر والده لأن يرسله على حسابه الخاص للدراسة في الولايات المتحدة. وهناك - والعهدة على الراوي - تبنته إحدى الجامعات الأميركية وتكفلت بدراسته حتى نهايتها بعد أن انبهرت بتفوقه الكبير في امتحانات القبول بالجامعة. أضف إلى ذلك، أن توافر إحصاءات لهجرة الأدمغة العربية بتفاصيل كل بلد وبشفافية تامة، ليست متوافرة، للأسف، إلا بالشكل العام الذي يشير إلى أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة.
وتضم أميركا وأوروبا فقط نحو 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا، وذلك بناءً على تقرير أعدته مؤسسة العمل العربية. ويؤكد التقرير أن 5.4 في المئة فقط من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج يعودون إلى بلادهم، فيما يستقر الآخرون في الخارج لأسباب عديدة.
وبالتالي ليس هناك من سلطة في أي بلد - وبالذات عندما يكون عربياً - سوف توفر لك إحصائية حقيقية عن هجرة الأدمغة والكفاءات من بلدها إلى الخارج، لأن السؤال المحرج الذي سيطرح بعد إصدار مثل هذه الإحصاءات هو: ما هي أسباب هجرة هؤلاء إلى خارج وطنهم الأم؟ إذا كان هذا الوطن قد احتضنهم كما يجب ووفر لهم جميع السُبل العلمية والبحثية والوظيفية العالية في أجواء من الديمقراطية الطبيعية على أرض الواقع الممارس وليست ديمقراطية الورق الإعلامية.
وبالتأكيد هناك أعداد من الكفاءات البحرينية المهاجرة أساساً منذ فترة ولم ترجع، وأضيفت إليها مؤخراً أعداد أخرى. وكل منا ربما يعرف شخصاً أو شخصين من هؤلاء، وعلى سبيل المثال لا الحصر والإحصاء مرة أخرى؛ ذكر بعض القراء، خلال الشهور الأخيرة فقط، أن هناك خبرة عالمية في أحد المعاهد التدريبية البحرينية بعد أن تم التضييق عليها هاجرت إلى أستراليا.
وكفاءات أدبية وصحافية هاجرت إلى أوروبا، ومثلها في جوانب أخرى كفاءات طبية متميزة، وكذلك خبرات في شئون الطيران وفي صناعات الألمنيوم، كلها هاجرت إلى بعض دول الخليج. وقس على ذلك من لديه حكايات عديدة عن هجرة لأي كفاءة يخسرها الوطن.
ثم إن الإحصاءات المحايدة تحتاج لمؤسسات مستقلة تقوم بها، وبشرط أن تُفتح أمامها جميع الملفات وتعطى كل المعلومات، بعيداً عن التعتيم المبرمج ذي الصبغة الإعلامية من منظار رسمي واحد، كي تتمكن من إصدار تقرير بإحصاءات حقيقية عن الكفاءات المهاجرة وغيرها. فهل توجد مثل هذه المؤسسة في البحرين؟ أعطني طحيناً غير فاسد ومنتهي الصلاحية كي أعطيك خبزاً صحياً بشروطه العالمية! وبالتالي هل هناك علاقة بين هجرة الأدمغة والفساد؟ إن الظروف الدافعة للهجرة خارج الوطن تتعلق بالعوامل السلبية في البلد المُهاجر منه والتي تدفع الشخص للهجرة خارج وطنه ومنها: أنظمة التعليم المتخلفة، الدخل الفردي، البيئة السياسية غير الصحية، بيئة العمل الطاردة. ومن يراقب الأوضاع عندنا في الفترة الأخيرة سيعرف، بلا حاجة لأية إحصاءات، كيف أثرت هذه الظروف في الكفاءات البحرينية الواعدة أو ذات الخبرة الطويلة ومنها الأكاديمية والصحية والفنية.
وربما كنت معتدلاً في طرح مثل هذه الظروف وإلا فإن معظم الهجرات العربية خارج الوطن العربي بشكل عام تعاني من عوامل طرد موضوعية عديدة وقاسية جداً. وهي بالطبع إفراز أساسي لما هيَّج الربيع العربي، إفراز لواقع غياب الديمقراطية الحقيقية، تفشي الفساد والنفاق السياسي، طغيان سلوكيات المحسوبية والرشا لضعاف النفوس والعقول معاً ليتسيدوا المشهد السياسي.
أضف إلى ذلك، غياب السياسات العلمية والتكنولوجية وضعف مقومات المنظومة التربوية الرسمية وغير الرسمية، وعدم تقدير البحث والعلم والمعرفة، بل ومصادرة الحق في التعبير والتفكير والعمل والإبداع.
والأدهى والأمر في كل هذا هو تلك الإهانات التي تطال الباحثين والعلماء، كما حدث للأكاديميين، وظروف التيئيس والتهميش والاحتقار التي زجوا بها جُزافاً وسدّت أمامهم الأفق في الواقع المعاش والمستقبل الغامض بفعل الممارسة القائمة التي أطاحت بهم خارج أسوار الجامعة، وبالتلميح والتحريض ضدهم في الخطاب الإعلامي أيضاً. وقس على ذلك بقية أوضاع الكفاءات.
بينما نجد العكس تماماً في انعكاس الصورة المقابلة في جانب القوى الجاذبة خارج الوطن وتتعلق بالعوامل التي تضعها الدول أمام الكفاءات المهاجرة إليها، مثل التسهيلات التربوية والصحية والتعليمية، الأجور العالية، تقدير البحث العلمي والدرجة الأكاديمية التي تكاد تكون شبه مقدّسة للباحث. والأهم، الأجواء الديمقراطية وحرية التعبير التي تتوافر لجميع الناس قولاً وفعلاً بحماية القانون.
إذاً... عندما تضيق بك الآفاق في بلدك تكون مجبراً على الرحيل جراء الحيف والغبن الذي لحقك من أقرب الناس إليك ومن كنت تظنهم سندك ودرعك الحصين وقت الشدة والأزمات، وإذا بهم هم من يجلسون أمامك بابتسامتهم الصفراء ليطلقوا عليك أسئلة مطاطية كلها تدور حول: هل شاركت؟ هل ذهبت؟ هل اعتصمت؟ هل خطبت؟ هل شربت الشاي هناك؟ ولن يصدّقك أحد إذا أجبت بأنك شاركت في قول لا إله إلا الله، واعتصمت بحبل الله المتين وسُرج الظُلمة، وخطبت ابنة الحلال على سنة الله ورسوله، وشربت الشاي مع أعز الناس من الطائفتين عند سِيف الوطن.
ولكن يبقى سؤال ملح هنا: ما قيمة خطابنا لاحترام الكفاءات قبل أن تهاجر وإعادة المهاجرة منها من أجل تطورنا المعرفي والحضاري، في ظل غياب الظروف الداخلية المهيأة لعدم هجرتها أو لإغراء من هاجر منها بالعودة؟ ما نقوله ليس اجتراراً لموضوع قديم جديد؛ بل هو جرس آخر ندقه ضمن أجراس عديدة باتت تـُدق مؤخراً، وما أكثرها، قبل عيد الميلاد وعام آخر جديد، وإن كان عنوانه هجرة الكفاءات، إلا أن هناك ترددات تشمل جميع القضايا على تراب الوطن. والله من وراء قصد السبيل
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3388 - الجمعة 16 ديسمبر 2011م الموافق 21 محرم 1433هـ
من ديرتي الصغيرة اعرف اثنين من الكفاءات الطبية والاكاديمية دكتوراه مع درجة التفوق
من ديرتي الصغيرة اعرف اثنين من الكفاءات الطبية والاكاديمية دكتوراه مع درجة التفوق ، حضروا الى الوطن الحبيب لكن البيب للمحب طريدوا فعادوا من حيث وفدوا للاسف المكرر ،
القوة الطاردة المركزية لم تحتظن الكفاءة بل من هب ودب والحديث ذو شجون ،والله غالب على امره ولو كره ....
سموه كما شئتم المهجر او المنفي الذي عدت منه منذ 5سنوات
وحتى الان لم احصل على وظيفة وزد انى تقدمت لطلب سكن من الاسكان قيل لي المسئول يرفض طلبك لان عمرك قد فاق ال55سنه فلا تستحق سكن, والان اجهز حالي لاعود حيث اتيت لان هناك يصرف لي راتب ويعطي لي سكن او مقابل ايجار -بانتظار بعد اعياد راس السنة لتنزل قيمة التذكرة فاني رايح لاحفر لي قبرا بتربة غير تربة بلادي لانه بالامس نشرت اسماء المستفيدين من منازل الاسكان وجلكم اطلع على الاسماء التى استحقت ذلك السكن للمواطنين الجدد فاني قديما بالمولد لايحق لي القطن ببلدي الغريب
لأن البحرين بلد العجايب
لم ارى ما يحدث في اي دولة بالعالم غير البحرين
الفقر والتهميش في الوطن غربة
لا نحتاج الي احصاآت وعمل ورش ولا ولا اي من ذالك ، وعلى السائل فقط ان يذهب الي احد الاعتصامات ويشاهد الدكتور والمعلم والمهندس والاكاديمي و و و !!! اللذين تم أقصائهم بشكل ممنهج وحاقد والتشهير بهم ، اوليست الهجرة في الوطن اشد من الهجرة خارج الوطن ؟؟؟؟! عجبي
لا حياة لمن تنادي
مقال رائع، ولكن لمن تقرأ زبورك يا داود؟!!
هل هي هجرة ام تهجير للعقول
التخلف العقلي العربي امر مقصود لكي يتسنى
لسراق خيرات البشر التفرد بكل موارد هذه البلاد الثرية من دون ان تكون هناك عقول واعية وشعوب
صاحية الذهن تعرف ماذا يحاك بخيرات بلدانها
ومعرفة كم هي السرقات وكم تمثل لهذه الشعوب
لو ان هذه الاموال المسروقة صرفة على تنمية
الدول العربية لاصبحت من مصاف الدول المتقدم
في كل النواحي
لذلك تهجير العقول مقصود لكي نبقى قطيع من الغنم يقودها ابسط البشر بسلاسية ولا نعي
سوى قوت يومنا
لم نصدّر الورود البحرينية الأصيلة ونستورد الشوك من الجبال والصحاري؟!
هجرة الأدمغة البحرينية.. عندما تضيق بك الآفاق في بلدك تكون مجبراً على الرحيل جراء الحيف والغبن الذي لحقك من أقرب الناس إليك ومن كنت تظنهم سندك ودرعك الحصين وقت الشدة والأزمات، وإذا بهم هم من يجلسون أمامك بابتسامتهم الصفراء ليطلقوا عليك أسئلة مطاطية كلها تدور حول: هل شاركت؟ هل ذهبت؟ هل اعتصمت؟ هل خطبت؟