العدد 3383 - الأحد 11 ديسمبر 2011م الموافق 16 محرم 1433هـ

كيف تستقيم المعارضة والتحالف مع السلطة!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

علمتنا أزمتنا في البحرين أن نقرأ الأمور مثلما يجب. وكما قال الصحابي والحكيم العربي أكثم بن صيفي التميمي: يتشابه الأمر إذا أقبل، فإذا أدبَر عرفه الكَيِّسُ والأحمق. لذا، ومن منطلق فكرة أكثم ونصحه، فلا ضير إن التفتَ أحدنا ولو متأخرًا، وأصبح كَيِّسًا فطِنْ، فذلك أفضل له من الحمق قطعًا. كما إننا نستعين في أمورنا بتجارب الأمم الأخرى، لكي لا نكرر أخطاءنا.

اليوم، فإن كلّ ما يقال عن المعارضة السياسية في البحرين من حملة مضادة لن ينفع، بل إن دونه شيب الغراب، مع ما لدينا على أدائها من وجهة نظر، قاسية كانت أم ناعمة سنفرد لها مقالاً خاصًا في الأيام المقبلة. نعم ... شئنا أم أبَيْنا، فإن هذه المعارضة، فرضت خطابًا سياسيًا أحرج السلطة أمام حلفائها، بالدعوة إلى الديمقراطية والحياة البرلمانية الكاملة وتعزيز الحريات، والمواطنة الصالحة والمساواة. وهي جميعها عناوين لا يختلف عليها أحد، فضلاً عن أنها تمنح حاملها شرعية حركته، في وقت أصبحت فيه بمثابة هَمّ العالَم كله.

لقد دفعت تلك الشعارات الغرب «الليبرالي» معطوفًا عليها رغبته في مركزة حركات الإسلام السياسي داخل منظومة الحكم العربية، لأن يقبل بالجماعات الإسلامية في العراق ويقتلع صدام حسين ليثبتهم في الحكم، والآن يتكرر الأمر في مصر وتونس وليبيا والمغرب، ليخرجهم (أي الإسلاميين) من السجن إلى الحكم مباشرة، ويقيم معهم حلفًا جديدًا ضد حلفائه التقليديين في المنطقة، وكأن صرخة زبغنيو بريجينيسكي مستشار الأمن القومي الأميركي أيام الرئيس كارتر والتي أطلقها قبل ثلاثين عامًا تتكرر من جديد عندما قال: حيَّ على الجهاد.

ذلك السلوك، أو قريب منه، يترجم الأداء الأميركي في الشمال الإفريقي والشمال الغربي من آسيا، والتصريحات المتكررة لهيلاري كلينتون بشأن صفقات تتم مع إخوان مصر، ونهضويي تونس من الإسلاميين. كما إن ذلك المسلك، يترجم ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي بشأن ضرورة وجود حوار ذي مغزى، بين الحكومة (في البحرين) وكبرى كتل المعارضة (الوفاق) وهو دعم سياسي، بلا حدود حصلت عليه المعارضة والوفاق بالتحديد، من رئيس أكبر دولة في العالم، ومن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كأعلى هيئة دولية، وأمام مسمع ومرأى العشرات من رؤساء دول العالَم الأول والثاني والثالث.

كما إن هذه المعارضة، حظيت بتعاطف عالمي غير مسبوق، سواء على مستوى المنظمات الحقوقية، أو الأممية، ومنظمات المجتمع المدني، اضطرت على إثره الدولة لأن تستبق كل ذلك بقبولها لجنة تحقيق مستقلة (وإن كانت محلية) جرَّعت الدولة العلقم باتهام أجهزتها بممارسة التعذيب والقتل العمد والفصل التعسفي، ثم «بحرنتها» للحركة المطلبية، بل ووصفها (أي اللجنة) حتى أكثر الشعارات الراديكالية التي كانت ترفع في تظاهرات دوار مجلس التعاون، بأنها لا تعدو كونها شعارات متأثر بالحالة المطلبية العربية الأوسع من تونس حتى مصر دون أن يكون له ذات المضمون والهدف.

هذا الأمر يجب أن يفهمه الجميع. لكن، ما يجب فهمه ليس هذا فقط، وإنما فهم لعبة العلاقة مع السلطة، وفن إدارة اللعبة السياسية. وهنا، يجب أن نطرح سؤالاً محورياً: لماذا استطاعت هذه الجمعيات السياسية، لأن تتحول إلى معارضة نشطة، ويقبل بها العالَم وبخطابها السياسي، في حين بقيت قوى أخرى خارج عملية الاعتراف والصدقية الدولية، وحتى من قطاعات شعبية واسعة؟ هذا الموضوع مهم جدًا، وعلى القوى التي نعنيها، أن تعيد قراءة الوضع من جديد دون مكابرة أو عناد، لأن تلك المراجعة ستفيدها في المستقبل حتمًا.

أكبر مشكلة واجهتها القوى السياسية، التي فشلت في لعب دور سياسي إيجابي، هي أنها تورطت في علاقة عرجاء مع أطراف اللعبة. ففي الوقت الذي كانت لديها وجهات نظر نقدية حادة تجاه المعارضة السياسية مع جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، انجرفت في خطأ استراتيجي بتحالفها المطلق مع السلطة، الأمر الذي أفقدها السيطرة على استقلال خطابها وسلوكها وممارستها السياسية، وفي نفسه الوقت، حَرَمَها من أن تكون نسخة جديدة من معارضة متمايزة ومنافسة، لها ذات الشعارات والمطالب، وإن بآليات مختلفة.

أضِف إلى ذلك، فإن ضياع البوصلة بالنسبة لتلك القوى، عبر تحالفها مع السلطة، قد جعل خطابها متماهيًا مع خطاب الحكم، وبالتالي تحوّلها إلى وجه مُكرَّر لذات العملة. كثيرون من شخوص تلك القوى، يتساءلون: لماذا لا يسمع لنا الغرب، والمنظمات الدولية، مثلما يسمع لأولئك المعارضين؟ أو لماذا لا يأتون إلينا ليسمعوا منا؟ الجواب باختصار، هو أن ذلك الغرب، وتلك المنظمات لم يجدا فرقًا بين ما تقوله تلك القوى وما تقوله الدولة، سواء بالنعوت التي تقال عن المعارضة السياسية والوفاق بالتحديد، أو برؤيتهم المحافظة جدًا لشكل الدولة والحكم والديمقراطية والحياة البرلمانية، وبالتالي انتفاء التمايز، الذي لا يفضي إلاّ بمطابقة هؤلاء بالدولة. هذه هي المشكلة التي يجب أن تصحَّح.

لو أن هذه القوى، استطاعت أن تجترح لنفسها خطًا ثالثًا على أقل تقدير، وأن تقول في خطابها للداخل والخارج، أن هناك مسافة بيني وبين المعارضة السياسية وبالتحديد الوفاق لكنني أيضًا لا أدافع عن السلطة من حيث إنها سلطة ذات غلواء مادية، حتى ولو كان الأمر مرتبطًا بالمنهل الطائفي ذاته الذي يجمعني بها، لكانت قد نجحت في أن يكون لها مكانًا متقدمًا دوليًا، ولكسبت قطاعات واسعة من داخل المعارضة الحالية أيضًا.

اليوم تدفع تلك القوى ضريبة تحالفها مع السلطة بتحملها أخطاء الحكم دون أن يكون لها يد فيها، وهو ما حصل اليوم مع شديد الأسف، بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق، وما حمَّله لأجهزة السلطة من ممارسات قمعية وطائفية وانتهاكات نقابية واسعة، انعكس كله سلبًا على السلطة بشكل آلي وعلى حلفائها كذلك، ومن ضمنها تلك القوى.

في المنطق الدولي اليوم، أن مناصري الأنظمة الحاكمة في العالَم العربي والمدافعين عنها، هم ليسوا أكثر من نسخة كربونية من تلك الأنظمة، بل هم يعتبرونهم أدوات ضمن أدوات عدة تملكها تلك الأنظمة للدفاع عن نفسها وعن التغيير الديمقراطي، وبالتالي فهي جماعات (بنظر أولئك) لا يتم التعويل عليها كثيرًا في حسم القضايا المصيرية. لاحظوا المتظاهرين المناصرين لحكم بشار الأسد في سورية والذين يتظاهرون تأييدًا له يوميًا، وقبله مع القذافي، وقبله مع مبارك. لم يعد أحد ليجعلهم في الميزان مثلما كان هو يريد. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3383 - الأحد 11 ديسمبر 2011م الموافق 16 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 7:25 ص

      الوجهة الخاطئة للاتجاه الاخر

      للاسف الاتجاه الموالي للسلطة لم يحركه الا شيئين اساسيين وهما: الخوف من زوال مصالحهم الشخصية التي حصلوا عليها من السلطة والتي خافوا ان تزول بزوال السلطة والبعض الاخر وخصوصا السلفيين حركهم حقدهم على المتظاهرين لان اكثريتهم من طائفة غير طائفتهم. . لم يكن تحركهم خوفا على البلد وما شعارات التدخل الخارجي الا وسيلة للوصل الى مآربهم الشخصية وذلك بالقضاء على الاخر وانتهاز فرصة توحش السلطة لنفث حقدهم على الاخر

    • زائر 8 | 12:59 ص

      واصل

      لك الشكر

    • زائر 5 | 11:59 م

      عبد علي البصري

      ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب))المشكله مو في الابصار المشكله في البصيره . المشكله مو في السلاح وانما في من يحمل السلاح ، المشكله مو في ايجاد المعلومه المشكله في معالجتها ، وفهمها . لو كان كل ما ورد عن رسول الله صحيح ومفهوم على نطاق الكل الكيس والاحمق لما احتجنا لفقهاء لستخراج الحقيقه ! ما تقولون يا اخوان ان الامام علي ليس هو اول من ولد في الكعبه هنا آخرين . تعرفونهم .حكيم بن حزام الأسدي ترى مو بس هناك اناس علمو امير المؤمنيين علي الحكمه

    • زائر 4 | 11:54 م

      مقال فاق الخيال

      كم هو مقال راقي يصب الواقع ويرسم طريق الحق
      شكرا لك

    • زائر 2 | 11:29 م

      كيف كان الليبيون في الساحة الخضراء؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      في التجربة الليبية كان الناس في الساحة الخضراء يخرجون حناجرهم لتأييد القذافي لكن كل اؤلئك لم يكن لهم دور في حماية من كانوا يتمنون الموت من اجله. مؤيدوا الانظمة ليس لهم من عمل سوى التأييد والتأييد حتى الأبد

    • زائر 1 | 11:06 م

      من يتّعظ!

      أستاذ محمد .. حديث في غاية الجرأة والوضوح اصاب كبد الحقيقة ، ولو كان إخواننا يسمعون او يعون لا تخذوه درسا و موعظة .. كنت انا من الملتصقين جدا يالاعلام المصري (المعارض والموالي) أيام الثورة المصرية، ولقد رأيت نسخة معدّلة من هؤلاء .. ربما كان المصريون أقل قسوة و تجنٍّ على المعارضين، ولكن يا سبحان الله .. الثورة هناك انتصرت فأصبح اولئك الآن من المنظّرين والمحلّلين و الداعمين للثورة .. هنا ايضا لو منح الحكم بعض الاصلاحات لوجدتهم يهلّلون ويباركون ما اليوم يرفضونه..
      دمت حكيما..

اقرأ ايضاً