كل يوم أكتشف أن العالم أصغر من أن يحتوي العوالم التي يكتنز بها الإنسان.
كل يوم أكتشف أن الاختلاف هو الذي يمنح هذا العالم قيمته ومعناه بالتنوُّع والتعدُّد، وأن الاتفاق الدائم هو في كثير من حالاته إما ضجر أو مرض أو ضعف أو استسلام؛ من دون أن ننكر أنه جميل في ضرورته.
***
الذين يذهبون إلى الكتابة من دون الاحساس بالمسئولية. مسئولية أثرها وقيمتها وما سيخرجون به على العالم هم بؤر مآزق ومشاريع فتن أو فراغ.
***
أصحو كل يوم على صوت في داخلي. صوت يذكّرني بأنَّ مصلحي العالم لم يبدأوا رسالتهم ودورهم برشوة الناس بالذهب. بدأوها بالكلمة؛ لكنها ليست كأي كلمة لا تقيم وفاقاً، ولا تصلح حالاً، ولا تجْبر نفساً، ولا تحقق التوازن في العلاقات بين البشر.
***
ثمة من يمتهن خسران البشر؛ وخصوصاً الأصدقاء. نعم بين البشر اليوم من مواهبه، أو تكاد تكون موهبته الوحيدة جمع مزيد من الأعداء، تماماً كما تجمع الطوابع والعملات. تصبح هواية مثل أية هواية.
كيف لبشر أن يحيا من دون أصدقاء؟ كيف لبشر أن يفرِّط في كنز روحه؟ الأصدقاء ليسوا لقيا في الطريق. الأصدقاء أعصاب ودم وسهر وقلق محبَّب ورحيم. الأصدقاء أنت حين تغيب، وصورتك ومعناك في الأمكنة التي يتواجدون فيها بعيداً عنك.
***
أن تخسر من كنت تظن أنهم أصدقاء لا تعد خسارة؛ وخصوصاً إذا طال أذاهم وتنكّرهم خلقاً ومجاميع بشرية؛ فقط لمواقف تتعلق بخيارات تمس قيمتهم في الحياة؛ فقط لأنهم ليسوا ملاحق لأحد، وليسوا حدائق خلفية لأحد في وعيهم وإدراكهم ومواقفهم الحرّة. خسارة أولئك ليس انتصاراً لك فحسب. إنه انتصار لمجاميع بشرية أنت على تماس معها في صورة أو أخرى.
***
عرَّج مطلع هذا المقال على العوالم التي يكتنز بها الإنسان. من ضمن تلك العوالم الكبرى، الأصدقاء.
كما عرَّج المقال على الاختلاف والمعنى الذي يمنحه لهذا العالم. الأصدقاء من المعاني الكبرى لهذا العالم، واختلافهم بوعي تعميق لذلك المعنى.
ومرَّت هذه الكتابة على الاحساس بعظم مسئوليتها. ذهابك إلى الكتابة ذهاب إلى صداقة؛ حيث لا أحد في عالمك وحيّزك الخاص، محاطاً بعوالم متخيّلة؛ ولكنها لصْق وعيك ولمسك إياها.
***
توازنك مع نفسك. توازنك مع العالم من حولك. توازنك في علاقاتك ونظرك إلى العالم لا يمكن له أن ينفصل بأي حال من الأحوال عن أصدقاء تأوي إليهم ويأوون إليك؛ ليس لعَمَار كل منكم؛ بل لعَمَار الحياة نفسها
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3383 - الأحد 11 ديسمبر 2011م الموافق 16 محرم 1433هـ
.......
مقال رائع , للاسف معضم الناس تغفل عن هذه الحقيقه