أصبحت السياحة قطاعاً مهمّاً في اقتصادات معظم الدول العربية، وهي تساهم في التنويع الاقتصادي وإيجاد فرص العمل وكسب إيرادات بالعملات الأجنبية. غير أنّ التأثيرات البيئية والاجتماعية غير الملائمة تبدِّد الإنجازات الاقتصادية لهذا القطاع. فعدم تنظيم الشراء والسفر وخدمات الإقامة والترفيه والضيافة، مقروناً بالفوضى في بناء المنتجعات، أدّى إلى الإفراط في استخدام الطاقة واستغلال المياه من دون أي حِسّ بالمسئوولية وتوليد كميات هائلة من النفايات. لذلك يتزايد إسهام هذا القطاع في الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري بمقدار 2 و3 في المئة سنويّاً. ويؤدي التوسّع في بناء المنتجعات البحرية إلى تدهور النظم البيئية الساحلية والبحرية. كما تبرز الشكوك والتساؤلات حول مضاعفات إدخال أنماط السياحة العالمية التوجّه على المجتمع والثقافة والتنمية الاجتماعية.
تبلغ حصة الشرق الأوسط 6 في المئة في سوق السياحة العالمية، وحصة شمال أفريقيا 2 في المئة. وتتراوح نسبة السياحة الدولية إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 26 في المئة في لبنان، و17 في المئة في الأردن، و12 في المئة في مصر، و 10في المئة في كل من المغرب وتونس، و9 في المئة في البحرين. أما نسبة إيرادات السياحة الدولية إلى مجمل الصادرات العام 2009 فكانت الأعلى في لبنان 33 في المئة، يليه الأردن 28 في المئة، ثم المغرب 26 في المئة، فمصر 22 في المئة، وسورية 19 في المئة، وقد أمّنت السياحة في مصر وظيفة واحدة من كل 7 وظائف في العام 2010. كما بلغت حصة السياحة من إجمالي التوظيف في المنطقة العربية العام 2010 نحو 4 في المئة.
وعلى أساس القدرات المحتملة في المنطقة لجذب السياحة الدولية والحاجة إلى التنويع الاقتصادي وفرَص التوظيف، جذب هذا القطاع استثمارات كثيرة. فبالإضافة إلى المنتجعات الساحلية في بلدان شمال إفريقيا العربية، رسّخت دول أخرى في المنطقة أقدامها في سوق المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات الثقافية بحيث أصبحت مقاصد لهذا الغرض، ومنها أبوظبي ودبي (في الإمارات) وعُمان وقطر.
الاتجاه الغالب حالياً في التطوير السياحي في عدد من أهم المقاصد السياحية في مصر والأردن والمغرب وتونس وبلدان الخليج العربي يركز على المراكز السياحية المتكاملة، وهي عادة مشاريع تطوير واسعة تتجاوز مساحتها 200.000 متر مربع، وتقع في المناطق الساحلية. وتضم هذه المراكز مجموعات فنادق وبيوتاً ومحلات تجارية وأحواضاً للمراكب وميادين غولف، وهي تستهلك الطاقة والمياه بكثافة وتخلّف كميات كبيرة من النفايات. ومن أكثر اهتمامات المراكز السياحية المتكاملة في البلدان العربية صيانة ملاعب الغولف التي تبتلع كميات هائلة من المياه، مع أنها مورد شحيح في المنطقة. فمتوسّط استهلاك المياه في ملعب غولف واحد في منطقة الخليج يقدّر بـ 1.16 مليون متر مكعب سنويّاً، ويصل في دبي إلى 1.3 مليون متر مكعب، وهي كمية كافية لاحتياجات 15.000 مواطـن سنويّاً.
إن انعدام الأنظمة المُلزمة وغياب المراقبة هما من أهم العوائق التي تعترض التحول إلى قطاع سياحة مستدام. فالمبادرات الخضراء في قطاع السياحة العربية تكاد تكون اختيارية بمجملها، لأن الحكومات العربية الراهنة عاجزة أو غير راغبة في صياغة وإنفاذ المعايير التنظيمية اللازمة لضبط أعمال المستثمرين وشركات التطوير العقاري. أضف إلى ذلك أن حوافز الاستثمار في السياحة الخضراء محدودة جدّاً. أما شروط تطوير المراكز السياحية المتكاملة فنادراً ما تفرض أي اجراءات بيئية. حتى إن الحكومات تدعم الكهرباء والماء والوقود، ما يدفع إلى الإفراط في استهلاك هذه الموارد وما يستتبع ذلك من تأثيرات بيئية سلبية.
ويتمّ إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي على كل مشروع بمفرده، وهذا يعقّد فعلاً تقييم الآثار التراكمية لأعمال السياحة على البيئة والاقتصاد. علاوةً على ذلك؛ فإن الدوائر الحكومية الموكلة مراجعة دراسات تقييم الأثر البيئي تفتقر، في أكثر الأحيان، إلى الخبرة الكافية لإصدار توصيات إضافية من أجل التدابير التصحيحية.
وإذا كان من واجب وزارة السياحة صياغة الاستراتيجية العامة لقطاع السياحة، فإن إعدادها ينبغي أن يتمّ بمشاورة الوزارات الأخرى المختصة والجهات ذات العلاقة وبالتعاون الوثيق معها. ذلك لأن المسائل المتعلقة بالمياه والطاقة والنقل والبناء وإدارة النفايات والبنية التحتية والتنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية لا تقع جميعها ضمن اختصاصات وزارة السياحة. والتجاوب المنسَّق المطلوب في السياسات لتعزيز السياحة المستدامة والخضراء ينبغي أن يشمل حزمة آليات تضمّ الأنظمة والتدابير المحفِّزة والتمويل والتقنيات الملائمة للبيئة وبناء القدرات، على أن تنسَّق هذه الجهود بين الوزارات والدوائر المختصة المتعدّدة.
تؤدي السياحة البيئية والسياحة الثقافية المعتمدة على المجتمعات دوراً فاعلاً في المحافظة على الطبيعة ودعم الاقتصادات المحلية وإيقاف الهجرة من الريف إلى المدينة، وبذلك تساهم بشكل فاعل في محو الفقر. لذلك، من الأهمية بمكان أن تقدّم المنظمات الدولية والحكومات العربية الدعم المالي لهذه السوق المهمة على صغر حجمها.
يتوجه الاهتمام الدولي حالياً إلى السياحة المستدامة، وهي مفهوم أشمل من السياحة البيئية، للحلول محلّ السياحة التقليدية. فالأماكن التي تتمتّع ببيئات نظيفة ومأمونة تجذب السياح أكثر من الأماكن الملوّثة والمكتظّة، وتأتي بمداخيل أكبر. فإذا ما زادت الدول العربية استثماراتها في السياحة المستدامة، فإنها بذلك تزيد حصتها في سوق السياحة الدولية وتوفّر المزيد من الوظائف الخضراء الجديدة وتجني أرباحاً أكثر في آن واحد.
استناداً إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010، فإن ازدياد السياحة الدولية بنسبة 12 في المئة في الدول العربية يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الإيرادات تقدَّر بـ228 مليار دولار كل عام، كما يخلق 5.6 ملايين وظيفة جديدة، ما يرفع حصّة هذا القطاع في مجمل سوق العمل إلى 10 في المئة.
ويمكن أيضاً تقييم آثار السياحة المستدامة على استهلاك الطاقة والمياه لقياس مدى وَقْع تدابير رفع الكفاءة على خفض الاستهلاك. استناداً إلى تقديرات العام 2010، جذب قطاع السياحة العربية نحو 59.2 مليون سائح، علماً بأن متوسط استهلاك الطاقة لكل سائح يقيم مدة أسبوع يقدّر بـ 798 كيلوواط ساعة، وهو أعلى من معدّل الاستهلاك في المنطقة بـ20 في المئة. لذلك فإن المزج بين اعتماد تدابير كفـاءة الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجدّدة يُقدَّر أن يؤدي إلى خفض 45 في المئة من الاستهلاك، وهذا يُنقص 360 كيلوواط ساعة من استهلاك الطاقة للسائح الواحد في أسبوع واحد، أي ما يصل إلى 21.300 مليون كيلوواط ساعة سنوياً في كامل المنطقة العربية. كما أن ذلك سيخفّض 52 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. أما تدابير كفاءة المياه فسيكون من تأثيراتها خفض استهلاكها بنسبة 18 في المئة. وعلى افتراض أن متوسّط استهلاك المياه لكـل سائـح هو 300 ليتر يوميّـاً، فـإن خفض 18 في المئة من استهلاك المياه سيوفّر على البلدان العربية صرف 22.400 مليون ليتر سنويّاً
العدد 3380 - الخميس 08 ديسمبر 2011م الموافق 13 محرم 1433هـ