في اجتزاء القول (التصريح)، خبث، ونية مريضة، وخصوصاً إذا ما حدث (الاجتزاء) لخدمة غرض وتوجُّه صاحبه؛ أو حين يصب مثل ذلك الاجتزاء في صالح من ينتمي إليهم. وفي تجيير المعنى، اجتزاء بشكل أو آخر، حين يُوظف للأهداف والمرامي والغايات ذاتها. ربما في عالم الإعلام، والصحافة خصوصاً تبرز مثل هذه الظاهرة أكثر من أي وسيط إعلامي آخر.
في الأحداث الكبرى، وفي الأزمات والاحتقانات، يتصيَّد كلٌ بحسب هواه، فتوجه تصريحات هنا ولقاء هناك وندوة هنالك. تبدأ «الطبخة» في الاجتزاء، وخصوصاً في انعدام ذمة وأخلاق تتطلبانها المهنة في الدقة والتحري. وإذا كانت المهنة انتظار راتب آخر الشهر، وما يتبعه من أعطيات، من دون التفات إلى الذمة أو الأخلاق أو حتى «البطيخ»، لا شيء يحول بين اجتزاء قد يزيد الأزمة أزمات، والاحتقان احتقانات. والعرب من بين أمم الأرض أكثر موهبة من غيرهم في هذا المجال، وخصوصاً الكتَّاب الذين يمتهنون التهريج، ويتعاملون مع المهنة كما يتعامل المهرّج في السيرك أمام النظّارة الذين جاؤوا يبحثون عن الإثارة والمتعة، وإن كانت الصحافة لا تخلو من إثارة ومتعة؛ ولكنها ضمن مقدمات ووقائع وأحداث لا يمكن القفز عليها بإيحاء من نزوة أو أهداف فئوية لا تخلو من خبثها ومن ثم نتائجها الكارثية.
في التصحيف المتعمد مهالك، وفي سوء القراءة والفهم والاستيعاب والإدراك مهالك أكبر، وفي سوء نية التصحيف وسوء النية في الفهم والاستيعاب والإدراك كارثة كبرى، وكلها برسم الحضور في واقعنا الإعلامي العربي، والصحافي منه خصوصاً. ويقود لواء ذلك التوجّه أسوأ وأردأ الكتّاب والصحافيين في عالمنا العربي، وفي واقع الأمر تظل المهنة منهم براء؛ لأنهم ليسوا أكثر من متطفلين على المهنة من ألِفها إلى يائها. قادتهم الصُدف والمنافع والفساد والمحسوبيات ليجدوا أنفسهم كتّاب رأي ومحللين استراتيجيين، وفي أوقات الفراغ يمكن لهم أن يقدموا استشارات نفسية لكل مضطرب؛ فيما هم في عمق وذروة الاضطراب النفسي!
في اجتزاء القول (التصريح) افتراء وانحسار قيم وأخلاق، يترتب عليه ما يترتب من إرباك وزعزعة للقناعات، ومس بالمشترك، وافتئات بيّن؛ علاوة على ما يجرّه من أذى ونصَب ونصْب على الواقع، ومحاولة تحريفه واختطافه.
وفي الشق الثاني من عنوان هذه المقالة «تجيير المعنى»، هو الآخر في العمق من خلل الذمة واضطراب الأخلاق. ولا يلجأ إلى مثل ذلك التجيير في المعنى إلا صاحب نقص وعقدة ومتورط في مأزق قائم يحاول تبرئة نفسه منه أو تبرئة من يمثلهم، وإدانة المقابل له/ لهم.
ومثلما يكون اجتزاء القول محاولة للخروج من ورطة ومأزق، وإدخال صاحبه في الورطة والمأزق نفسه، في حال من التوهم الدائم والمكرر، يكون تجيير المعنى محاولة للتغطية على قبح سالف في الممارسة، وإجراء يتجاوز القيمة والمعنى والأخلاق، قفزاً عليها. ولن تجد ممارسة كتلك إلا في بيئات القمع والمصادرة والفساد وتوهم إمكان امتلاك الخلق بوعيهم وإدراكهم وقيمتهم وحريتهم في الخيار.
فتش عن معظم التوترات التي طالت العالم، وخصوصاً مع تعدد الوسائط المعرفية والإعلامية، ستجد المدخل المؤدي إليها هو اجتزاء تصريح وتجيير معنى، ولم يعِ أكثر مهرجي التطفل على هذه المهنة، العواقب الناتجة عن مثل ذلك السلوك، ارتداداً عليهم، ماداموا يقبضون بيد ويهدمون بيد
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3376 - الأحد 04 ديسمبر 2011م الموافق 09 محرم 1433هـ
لا جف يراعك ياجمري
من يضمن للاعلاميين اللي لعبوا بحسبت الناس وتطرقوا لاعراضهم ومعتقداتهم ان صحائفهم تبقى مطويه ليوم القيامه ربما تفتح تقراء قبل القيامه وهم ادرى بماضي بعضهم ..عندما تسرد سيرتهم العفنه على الفضائيات كيف سيكون حال ابنائهم وبناتهم احفادهم واذا تعرضوا للمسائله وهذا وارد ما الاجابه ماده اعلاميه وقرئناها على الناس بحكم شغلنا و ان غدا لناظره قريب نعيش وانشوف