بداية علينا أن نقول إن التقرير الذي أصدرته اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بما سجله من أحداث ومعلومات حساسة، وما اقترحه من توصيات مهمة يبقى بحاجة إلى دراسة وافية ومتأنية، وقراءة موضوعية من جانب القوى الحقوقية والسياسية، ولكن يبقى من المهم أيضاً أن نرى كل التوصيات قد أخذت طريقها إلى التنفيذ بشكل عادل وعاجل، كذلك من المهم والمرجو اليوم بعد صدور هذا التقرير قد تحققت قناعة تامة عند الجميع بأن الحل والمدخل للأزمة الراهنة في بلدنا هو الحل السياسي والدستوري، وإن الحالة الكارثية التي عصفت بالبلاد تعود في أسبابها الرئيسية إلى تجاهل المعالجة السياسية للأزمة، فالتقرير قد كشف بوضوح كيف كانت البحرين تسير على طريق الخطأ، بل «طريق الكارثة» موضحاً الأسباب التي قادت إلى هذا الوضع المأزوم، وحدد الجهات والأطراف المسئولة عنه، كما حدد بصورة لا تقبل الشك أو التسويف أن الإمعان في الحل الأمني وما رافقه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان هو المسئول الأول عن تفاقم الأوضاع السياسية والاجتماعية بالشكل المفزع والمخيف الذي رأيناه، وهو ما أدى بالتالي إلى زيادة تعقيد الأمور، وزيادة حدة الاحتقان الطائفي في المجتمع الذي شارف على نقطة الانفجار.
لذلك نحن نعتقد أن التقرير بكل تفاصيله الحقوقية وتوصياته المختلفة يشكل فرصة سانحة لإعادة صوغ الواقع الحقوقي والسياسي في البلاد بدءاً من الدستور، مروراً بكل التفاصيل المتعلقة بالجوانب السياسية والتشريعية التنفيذية إذا ما أحسنت النوايا وتوافرت الإرادة السياسية.
بصور إجمالية ودون الدخول في التفاصيل يمكن القول إن التقرير قد انطوى على الكثير من النقاط الجوهرية التي يمكن أن تكون لحظات أو محطات فاصلة على طريق مغادرة أزمتنا الراهنة بصورة نهائية، فـ (التقرير) أولاً أكد بشكل قاطع لا يقبل التأويل أو التفسيرات المختلفة وجود أو حصول انتهاكات لحقوق الإنسان، وهو الأمر التي كانت تصدح به قوى المعارضة ليل نهار، وتعيد تكراره طوال فترة الأزمة، إلا أن التجاهل كان سيد الموقف كما كان واضحاً في الإعلام الرسمي، وثانياً استبعد التقرير ما كان يروج له إعلامياً على مستوى الداخل والخارج حول وجود «مؤامرة خارجية»، فالتقرير قد نسف هذه «الفرضية» من أساسها وفند كل المزاعم التي جرى تداولها والبناء عليها على خلفية هذه المؤامرة المزعومة، وهو ما يعني تأكيد مشروعية الحراك الشعبي السلمي والدوافع الوطنية الداخلية المحركة له، وتبرئة القوى السياسية المشاركة فيه من تهمة الارتباط بالخارج. وبذلك صارت تلك «المعزوفة» خارج أي قيمة سياسية أو أخلاقية، وإن الإصرار على ترديدها حتى بعد صدور هذا التقرير من جانب بعض الكتاب والإعلاميين يعني الاستمرار في تخريب جهود المعالجة للأحداث وقطع الطريق أمام عودة الوئام والمصالحة الوطنية، كما يعني الاستمرار في انتهاك حقوق الناس المطالبين بالإصلاح والعدل والكرامة، وهذا هو جوهر المشكلة التي لم يعد من المجدي الهروب منها أو تجاهلها، وثالثاً النقطة التي تتعلق بالحلول السياسية والدستورية التي أكد التقرير أهميتها من خلال توصيفه لحجم الكارثة التي حلت بالبلاد جراء الإصرار على الخيار الأمني، وبذلك أكد الحاجة إلى وجود إستراتيجية أو مشروع وطني شامل لمعالجة الأزمة وتداعياتها، وأحد أهم أوجه أو عناصر هذا المشروع الوطني التوافق على بناء دولة مدنية وديمقراطية ووجود نظام برلماني تعددي، يمكن أن يكون المدخل إلى ذلك عقد مؤتمر وطني يضم كل القوى السياسية والمكونات الاجتماعية وأن تكون مبادرة سمو ولي العهد بنقاطها السبع المعروفة قاعدة انطلاق للوصول إلى حل توافقي يخرج البلاد من مأزقها الراهن.
أما العنصر الآخر المهم والملحّ في إطار هذه الإستراتيجية الوطنية هو وجود حكومة تمثل إرادة الناس، قادرة على أن تأخذ البلد من يدها وتعبر بها من ضفة «الأزمة» والديمقراطية المنقوصة إلى ضفة «الحل» والديمقراطية الكاملة.
نقطة رابعة وأخيرة تكتسب أهمية خاصة واستثنائية تتعلق بقضية الوحدة والمصالحة الوطنية، وهنا علينا أن نكون واضحين ومنصفين فهذه المهمة الضرورية والعاجلة ليست معنية بها الدولة أو السلطة السياسية وحدها، إنما هي مسئولية كل القوى السياسية المجتمعية على اختلاف انتماءاتها السياسية ومشاربها الفكرية والمذهبية، ونرى بصدق أن هذا الهدف السامي والنبيل يحتاج من جميع القوى بعض التضحيات والتنازلات، وقبل ذلك يحتاج إلى مسئولية وطنية وصدقية عالية، وضرورة مغادرة كل المواقف الحادة والمتصلبة والبدء في ولوج طريق الحلول السياسية التوافقية دون أي تردد أو مكابرة، فعندما يكون الوطن كله والمصلحة الوطنية في الميزان فلا سبيل أمامنا سوى هذا الطريق المفضي إلى إنقاذ البلاد من أزمتها.
إننا لا نظن أن هناك مواطناً عاقلاً محباً لهذا الوطن يكره أن يرى البحرين وقد تعافت من أزمتها ولملمت جراحها المتناثرة، لذا نعتقد أن صدور التقرير والتوصيات الواردة فيه يوفر فرصة للوصول بهذه الأزمة لنهايتها، ويضع أقدامنا على أول الطريق العادل والمنصف الذي يخرج البلاد من المأزق الذي تقبع فيه منذ أحداث فبراير/ شباط.
ولكن علينا ألا نغفل عن بعض الأولويات الملحّة، وألا نتجاهل الاستحقاقات العاجلة التي يفرضها السياق العام للتقرير، وتشكل بوابة الحل المنشود، فهناك أولاً قضية المعتقلين السياسيين الذين انتزعت منهم الاعترافات تحت وطأة الإكراه والتعذيب وجرى توظيفها في المحاكمات التي تمت لهم والأحكام التي صدرت ضدهم؛ وهناك قضية عودة المفصولين من أعمالهم إلى الوظائف والدرجات نفسها التي كانوا عليها قبل قرار فصلهم، ومن ثم تعويض كل هؤلاء عمّا لحق بهم من عذابات وخسائر؛ وهناك مسألة اللجنة الوطنية المستقلة المحايدة التي أوصى التقرير بتشكيلها من القوى السياسية المعارضة والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ توصيات التقرير.
ومع احترامنا التام لكل أعضاء اللجنة الذين جرى تعيينهم إلا أننا لانزال نرى افتقار اللجنة إلى التوازن المطلوب، ونحتاج إلى رؤية واضحة حول مهام هذه اللجنة والصلاحيات التي تتمتع بها فيما إذا كانت صلاحيات تنفيذية أو استشارية؟ وهو ما يدخلنا في متاهة اللجان التي تتناسل الواحدة من رحم الأخرى مع ما يحمله هذا الوضع من بعثرة للجهود وتبديد للطاقات، وبالتالي ضياع أو تضييع الهدف الأساس منها، ومع كل ذلك نرى أنه لاتزال هناك فرصة لاستدراك النواقص في هذه اللجنة معولين في ذلك على حكمة جلال الملك، وعلى مقدرة رئيسها الأستاذ علي الصالح الذي يتصدى لمهمة غير عادية وفي ظروف غير عادية.
نحن ندرك أن هناك بعض المتشددين والمنتفعين من الأزمة وأن هناك بعض الانتهازين الذين ساهموا بشكل كبير في خلق وتعقيد هذه الأزمة وإذكاء نار الطائفية البغيضة، ولا يساورنا أدنى شك بأن هؤلاء سيعملون بكل السبل على إعادة خلط الأوراق والدفع في اتجاه تشابك الخيوط التي استطاع التقرير تفكيك بعضها، لذلك سنراهم يقاومون أي توجه للإصلاح والمصالحة، وسيحاولون الالتفاف على تنفيذ أهم التوصيات التي جاء بها التقرير لصالح استمرار الأوضاع الأمنية كما هي وتعطيل الحلول السياسية التي يمكن أن تأتي فقط من طريق الجدية في تنفيذ هذه التوصيات.
وربما هذا ما يفسر لنا أسباب الهجوم الشرس على التقرير وإمطاره باللعنات من قبل هؤلاء بمجرد سماعهم كلمة بسيوني الملخصة للتقرير، واتخاذ بعضهم موقفاً رافضاً للتقرير بصورة مطلقة، والمجاهرة «بأنه لا يعني له شيئاً»، بل سمعنا وقرأنا أن هناك من وصف هذا التقرير «بالكفر» فقط لأن بعض الحقائق الصادمة والمؤلمة التي احتواها قد خالفت هواه السياسي وعاكست مزاجه الطائفي، ولم تكن محصلته النهائية متوافقة مع أهدافه وغرائزه البدائية والمتخلفة الداعية إلى الثأر والانتقام والتي كانت المحرك الأساس لمواقفه من الأزمة وكل تداعياتها.
إننا نأمل أن يراجع هؤلاء مواقفهم بعد أن اتضحت الكثير من الحقائق، وبعد أن تبين لهم بما لا جدال فيه أن العديد من المواقف المتشنجة السابقة وما تبعها من خطاب تخويني وكل لغة السباب والشتائم الموجهة للمعارضة وللمتظاهرين السلميين كانت تنطلق من «هواجس» وهمية، وأنها قد بنيت على أساس هش ومزاعم واهية، وقد آن الأوان لمغادرة كل هذه المواقف التي يتمترس خلفها هؤلاء. فهذا الإصرار على التصعيد والتحشيد الطائفي والاستمرار في سياسة الكراهية لا طائل من ورائها، بل إنها لا تشرف أصحابها ودعاتها نظراً لحجم الظلم الذي يتلبسها، وكم الانحراف عن القيم الوطنية والأخلاقية الذي يصبغها.
فالقضية ليست انتصار «طرف» وهزيمة «طرف» آخر، إنما المسألة تتعلق بالانتصار لخيار الحق والعدل والتمسك بخيار الحل والمصالحة الوطنية، وإفساح المجال أمام هذا الخيار للنجاح من أجل مصلحة البحرين وشعبها بكل مكوناته وأطيافه، وهذا يستدعي قبل كل شيء القطيعة التامة والكلية مع خيار الظلم والتعدي على حقوق وأرزاق الناس الذي ساد المرحلة السابقة وكان عنوانها الرئيسي، وجعل أبواب الوطن مشرعة لدخول نسائم التسامح والصفح والعفو المتبادل حفظاً للوطن وقبراً للفتنة التي تطل برأسها
إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"العدد 3375 - السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ
يتروالى العكس
سوف تغلق الأبواب المفتوحه .. تعنى الكثير ... رجوع الى ايام المضلمه ..
الأبواب والنوافذ
تقرير بسيوني سيغلق النوافذ المتبقية والتي لم تغلق بعد ، أما الأبواب فلا توجد هناك أبواب من الأساس
يامحمود لا تقرير بسيوني ولا غيره
الماستر كي ضاع فهذه الابواب لا يمكن ان تفتح بلطريقه التقليديه ولانها غايه في الثقل والاقفال كباب حصن خيبر تحتاج لمن فتح باب خيبر ان يفتحها او على الاقل بنفس طريقته فانتظر يا محمود ان منتظرون
بل سيقفل الأبواب المغلقة..
الحكومة بيدها المال والعباد.. أي براً وجواً وبحراً وتستطيع أن تحل كل مشاكل البلاد وفي نفس الوقت تستيطع أن تخلق كل المشاكل في البلاد..