تناولت الصحف الإسرائيلية بعض الملفات المثيرة للجدل على مستوى التطورات المتعلقة بتنفيذ المرحلة الأولى من خطة «خريطة الطريق» لإقرار السلام التي تدعمها الولايات المتحدة ولا سيما بعد أن ألغى رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس اجتماعا مع نظيره الإسرائيلي ارييل شارون، واتهمه بالتباطؤ في اتخاذ خطوات تعزز «خريطة الطريق».
وكان اجتماع شارون ـ أبومازن، سيتوافق مع إفراج «إسرائيل» عن 342 أسيرا فلسطينيا، بدلا من 540 الأمر الذي أغضب الفلسطينيين الذين يطالبون أصلا بالإفراج عن كل السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. فيما أقام مستوطنو كريات أربع موقعا استيطانيا جديدا على أراض فلسطينية في الخليل، ويستعد متطرفو تنظيم «أمناء جبل الهيكل» لاقتحام الحرم القدسي الشريف وإقامة الصلاة فيه. ومع تجديد الفصائل الفلسطينية المعارضة التزامها بالهدنة التي أعلنت الشهر الماضي، أعلن مسئول أميركي كبير ان الولايات المتحدة تفكر في معاقبة «إسرائيل» على قيامها ببناء جدار أمني مثير للجدل في المناطق الفلسطينية.
وقال المسئول الذي طلب عدم كشف هويته إن هذه الخطة تقضي بحرمان «إسرائيل» من ضمانات أميركية لقروض تعادل قيمتها المبلغ الذي ستنفقه تل أبيب على أجزاء من الجدار. وأعلن الناطق باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان أن «أي قرار لم يتخذ بعد» مضيفا ان المعلومات عن هذا الموضوع «سابقة لأوانها».
في أي حال وعلى ذمة الصحف العبرية، فإن هذا الملف غير وارد، فقد لفتت «هآرتس» في خبر افتتاحي، إلى ان مستشارة الأمن القومي الأميركي غونداليزا رايس، اتصلت هاتفيا برئيس مكتب شارون دوف فيسغلاس، مطمئنة، إذ أكدت له ان الولايات المتحدة، لن تخفض من قيمة القروض التي سبق وخصصتها لـ «إسرائيل». لكن الصحيفة العبرية، نقلت أيضا عن مصادر في الإدارة الأميركية، ان الأميركيين يفكرون مليا في الإقدام على هذه الخطوة وذلك للتعبير عن امتعاض أميركا، من مسار السياج الفاصل الذي يقضم أراضي فلسطينية. وفي مقابلة نادرة في هذه الأيام مع صحيفة عبرية، أجراها داني روبنشتاين في «هآرتس»، مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، المحاصر في رام الله، لاحظ روبنشتاين، ان ما يقلق الزعيم الفلسطيني، ليس النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وحده وإنما ما يجري في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وقال عرفات: إن توازن القوى في الشرق الأوسط، قد اهتز بعد انهيار العراق ولذلك يتوقع أن تحصل صدمات ومشكلات كثيرة في المنطقة. وأوضح عرفات، أن مسألة إطلاق الأسرى احتيال وخداع للشعب الفلسطيني. وشدد عرفات، على ان السياج الفاصل يزعجه كثيرا، ذاك انه يجب ألا تقام جدران وفواصل بين «إسرائيل» والفلسطينيين. موضحا انه يرغب في أن يقوم تعاون وثيق بين «إسرائيل» وفلسطين، والأردن ولبنان في المستقبل.
وأضاف الرئيس الفلسطيني ان السياج الفاصل يدمر الشرق الأوسط بأسره. وأعرب عرفات، خلال المقابلة عن تأييده فكرة السفير الأميركي لدى «إسرائيل» مارتن إنديك، الذي دعا إلى وجود أميركي أسترالي بريطاني مؤقت في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وختم عرفات، مقابلته بالقول: إن تدهور الأوضاع على مر السنين، لم يثبط من عزيمته ولم يفقده أمله في إمكان تحسن الأوضاع.
من جهة أخرى، زعم عاموس هاريل في «هآرتس»، ان معظم الهجمات التي نفذها الجانب الفلسطيني ضد الإسرائيليين منذ إعلان الفصائل الفلسطينية هدنة في 29 من الشهر الماضي، كانت من تصميم أفراد من «فتح» يتلقون الأوامر ويحصلون على التمويل من إيران. ونقل عن مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، رفضت الكشف عن هويتها ان إيران تمول وتوجه «كتائب شهداء الأقصى» في منطقة جنين في الضفة الغربية. لافتة إلى ان الهجمات التي شنت بعد بدء الهدنة، تبنتها شهداء الأقصى «المرتبطة بإيران».
وأضافت المصادر، أن المنظمات الفلسطينية المجاهدة «militants» (وهو وصف بدأ يستخدمه هاريل منذ فترة) تحاول إرسال ممثلين عنها إلى خارج الأراضي الفلسطينية عبر معبر رفح، على الحدود الإسرائيلية المصرية. وأوضحت المصادر، أن «المجاهدين» المسلحين الذين يأخذون الأوامر من إيران، هم أفراد من خلايا فلسطينية تابعة لفصائل شهداء الأقصى المتصلة بحركة «فتح» لكنهم لا يلتزمون بالضرورة بأوامر قيادة «فتح» السياسية وهم يعتمدون بشكل رئيسي على الأموال والأوامر الصادرة عن إيران وعن حزب الله المدعوم من إيران والمتمركز في لبنان.
وفي حملة إسرائيلية صريحة على مصر، تتواصل، منذ هدد شارون القاهرة بكف يدها عن ملفات الشرق الأوسط إذا لم تطلق الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام الذي ينفذ حكما بالسجن في مصر، حمل زئيف شيف في «هآرتس»، بشدة على مصر والأردن، معتبرا انه لابد أن تتوقف الولايات المتحدة عن الضغط على الجانبين المصري والأردني لإرسال سفيريهما إلى تل أبيب لأن «إسرائيل» تتدبر أمرها جيدا من دونهما... ولاحظ ان مصر والأردن، تتصرفان كما لو انهما تقدمان خدمة لـ «إسرائيل»، عبر إعادة سفيريهما إلى الأراضي الإسرائيلية من جديد، بعدما كانا قد استدعيا إلى القاهرة وعمان عند بدء الانتفاضة. لكن شيف، قال إن هاتين الدولتين لا تخدمان «إسرائيل»، بهذه الخطوة بل على العكس، عودة السفيرين تؤثر سلبا على المسار السياسي.
وأضاف ساخرا انه من المحتمل ان مصر والأردن، ستطالبان بأن تدفع «إسرائيل» الى السفيرين مقابل بقائهما على أراضيها، ولكن لابد أن يرفض الجانب الإسرائيلي هذا الأمر. وشدد على ان «إسرائيل»، تتصرف بشكل جيد من دون هذين السفيرين. لذلك لابد أن تتوقف الولايات المتحدة، عن الضغط على الجانبين المصري والأردني، لإعادة سفيريهما إلى تل أبيب. معتبرا ان مصر والأردن تتعاملان بشكل سيئ مع «إسرائيل». وملاحظا انه بعد وقف إطلاق النار، وإعلان الفصائل الفلسطينية الهدنة، فإن الجانب الفلسطيني يتصرف مع الإسرائيليين بصورة أفضل من تلك التي يتبعها المصريون.
موضحا ان المصريين الذين مازالوا يحرضون ضد «إسرائيل». وقال شيف، إن مصر ساهمت فعلا في التوصل إلى وقف إطلاق النار، لكن مساهمتها هذه ناجمة عن معرفتها بأن تصرفات الإسرائيليين وتصرفات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تعرض استقرار منطقة الشرق الأوسط للخطر الأمر الذي ينعكس سلبا على القاهرة وقد تزعزع الاستقرار المصري. وشدد شيف، على انه لا يحق للعاصمة المصرية، أن تعلم الأخلاق لـ «إسرائيل» فيما يتعلق بقضية الأسرى الفلسطينيين طالما انها لا تأخذ في الاعتبار مطالبة القادة الإسرائيليين تسليم (الجاسوس الإسرائيلي) عزام عزام.
أما فيما يتعلق بالموقف الأردني، فقال الكاتب الإسرائيلي، ان عمان تعيش حالة من الخوف من القاهرة، ومن الرغبة في تقليد التصرفات المصرية. وإذ لفت شيف، إلى ان المملكة الأردنية مهمة كثيرا بالنسبة الى الإسرائيليين وهي تقيم علاقات جيدة مع «إسرائيل»، رأى ان هذه الأمور يجب ألا تدفع الدولة العبرية إلى غض الطرف عن موقف عمان من إيفاد سفيرها إلى تل أبيب. واعتبر انه لا بد من إعلام الأردن، ان «مسألة السفير» ليست في المصلحة الأردنية. وختم شيف، بالقول إن كثيرين هم الذين يعتبرون ان تصرفات الدول العربية مع «إسرائيل» هي من أهم الأمور بالنسبة إلى تقدم المسار السياسي، لكن بعد ملاحظة ما تواجهه «إسرائيل»، من سوء معاملة عربية، لم يعد للمبادرة السعودية السياسية الأخيرة التي أقرتها القمة العربية في بيروت أية أهمية.
ورأى وزير العدل الإسرائيلي السابق يوسي ساريد في «هآرتس»، ان يوم سقوط حكومة أبومازن ليس بالبعيد، متسائلا عما يدفع بوش إلى تصديق الأكاذيب التي يعرضها شارون أمامه؟... وقال ساريد، انه حين تسقط حكومة عباس، سيعود رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، ليتعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بما انه يكون قد تخلص مما أسماه اعتدال أبو مازن. ولاحظ ساريد، ان شارون، يجد مشكلة في التعاطي مع المعتدلين الفلسطينيين بينما هو يسبح مثل «السمكة» في بحر التطرف الفلسطيني.
وأوضح الوزير الإسرائيلي السابق، ان مشكلته مع المعتدلين هي انه يجب عليه أن يشجعهم ويقويهم ويعرض عليهم اقتراحات ويقدم «تنازلات مؤلمة». وهذه أمور رأى ساريد، ان شارون لا ينوي فعلا تطبيقها، ولكنه يقول إنه مستعد للقيام بها لأنه يريد أن يعود إلى «إسرائيل»، سالما. وتساءل ساريد، عن السبب الذي يدفع الرئيس الأميركي جورج بوش، إلى تصديق الأكاذيب التي يعرضها شارون أمامه؟ وتساءل أيعقل ان بوش، لا يعرف ان شارون يكذب أو انه يدعي تصديق شارون، لأن هذا الأمر هو لمصلحته السياسية والداخلية؟ ورأى ساريد، ان موقف بوش، لغز وسيبقى لغزا لأن الرئيس الأميركي الذي يفتخر بذكائه يبدو مستعدا لأسباب معينة لأن يتقبل كذب شارون، وقصصه الطويلة. وأبدى ساريد، خوفه من عدم تنفيذ بند مهم من بنود «خريطة الطريق» وهو ضرورة تجميد «إسرائيل» المستوطنات كافة ومن ضمنها النمو الطبيعي لهذه المستوطنات بل يتم الاكتفاء بتفكيك بعض الحواجز. ورجح ساريد، ان يعود بوش عن قراراته.
وقال ساريد، انه عند سقوط حكومة أبومازن، وعند إراقة الدماء من جديد، سيجب على الرئيس بوش، أن يجيب على أسئلة صعبة تضاف إلى أسئلة كثيرة متعلقة بما يجري في العراق. وختم بالقول إنه يحق لبوش، أن يلعب بمصيره السياسي ولكن لا يحق له أبدا أن يلعب بمصير الآخرين.
يُذكر ان وليام سافير كان قد كشف قبل أيام في «نيويورك تايمز»، المزيد من توجهات رئيس الوزراء الإسرائيلي، ففي حديث أجراه معه في واشنطن، لفت إلى ان شارون لا يعتبر الجدار حدودا سياسية أو أمنية بل يرى فيه طريقة لتحديد الأماكن التي يريدها الإسرائيليون والتي لا يريدونها تحت سيطرتهم... ولاحظ ان شارون يرى ان دعم أبومازن يجب أن يطول المشروعات الاقتصادية التي من شأنها أن تزيد من أرصدته... كما لفت إلى ان شارون يعتبر ان لدى الوزير الفلسطيني محمد دحلان طموحات سياسية تمنعه من أن يكون حازما مع «الإرهاب».
أما «زبدة» الموقف والذي يعتبر في خلفية «عنترة» شارون المتزايدة، أشار سافير، الى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتوقع حدوث تغيير عظيم في المنطقة، فقد «أوجد بوش في الشرق الأوسط فرصة لم يوجدها أحد قبله... ما يعني اننا سنشهد تغييرا كبيرا» هكذا يرى شارون الأمور
العدد 337 - الجمعة 08 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ