عندما يقول الرئيس الإيراني محمد خاتمي امام كل صناع القرار الإيرانيين عسكريين ومدنيين وبحضور المرشد، أي الرجل الأول في النظام: «إن ديننا واخلاقنا يمنعانا من صنع سلام نووي، بل وأي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل»، فانه يضع بذلك الرئيس الأميركي جورج بوش في الزاوية الحرجة تماما. لماذا؟
ذلك لأن تقارير مخابراته وأجهزة رقابة بلاده المختلفة ومجموع التحقيقات التي «تجمعت» في مطبخه عن إيران تفيد بحسب «لوس انجليس تايمز» على الأقل: «بان إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من صنع قنبلة نووية».
ولما كان بوش الابن صاحب العقيدة التي ستسجل بأسمه منذ 11 سبتمبر بأنه «لابد من توجيه الضربات الاستباقية للعدو المفترض قبل ان يتحول إلى عدو فعلي». فماذا سيكون موقفه اذن اذا ما صدقت توقعات و«تحقيقات» صحيفة «لوس انجليس تايمز» تجاه عقيدته التي أصبح اسيرا لها منذ ان تم الاعلان عنها «ميدانيا» في حرب أفغانستان؟ ثم ماذا سيكون فاعلا بإيران اذا ما ثبت ومن خلال تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن خاتمي كان صادقا فعلا في اعلانه الموثق ليس فقط عن خلو بلاده من اسلحة الدمار الشامل، بل وعن نيتها المخلصة والاكيدة في البقاء بعيدا عن تجارب النادي النووي بالمطلق؟
المحللون السياسيون المستقلون يقولون إنه سيكون في الحالة الأولى اشبه بمن فاته القطار بعد ان اصبحت ايران: «قوة نووية فاعلة ستضع الولايات المتحدة الأميركية أمام معادلة عسكرية وسياسية صعبة للغاية، اذ يعني انها ستصبح أول عدو «لإسرائيل» يملك قنبلة نووية وأول دولة تملك سلاحا نوويا في مجموعة الدول التي تعتبرها الإدارة الأميركية من البلدان التي ترعى الارهاب الدولي» كما تقول «لوس انجليس تايمز» ما يعني بكلام آخر أن ايران باتت: «في دائرة الفعل الذي يهدد الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، ويطيح جذريا بعقيدة جورج بوش ذات المدى الدولي الخاص بمكافحة الارهاب من خلال الضربات الاستباقية»، كما يقول رئيس تحرير صحيفة «السفير» اللبنانية جوزيف سماحة.
وأما في الحالة الثانية، أي اذا ما تبين للعالم صدق دعاوى الرئيس محمد خاتمي ومجموع صناع القرار في ايران، وكانت ايران خالية تماما من اسلحة الدمار الشامل، الا يكون الرئيس جورج بوش مرة ثانية اشبه بحالة «بالع الموسى» الذي لا يستطيع ان يتخلى عن عقيدته المعلنة من جهة ولا يستطيع ان يتمكن من التقدم اكثر في سياق تطبيق عقيدته على الحالة الايرانية من جهة أخرى؟
فإيران انما تقع في قلب «مسرح العمليات» في الاستراتيجية الأميركية وعقيدة الرئيس بوش، وهو سبق ان أعلن أن «الخيارات كلها مطروحة على الطاولة في حالة إيران». ولما كانت ادارته منقسمة بين من يطالب بالحاح بالقيام بضربات ردعية تحت ضغط اللوبي اليهودي، ومن يطالب بانتهاج طريق الضغط السياسي المكثف كما هي حال جناح الحمائم الذي تقوده وزارة الخارجية.
فان هو عمل بنصيحة الجناح الاول فان ذلك سيدخل ادارته ومجموع تحالفاته في حرج خطير باعتبار ان الطريق العسكرية ليست معبدة تماما باتجاه طهران وخصوصا ان «الانجاز» العراقي يتعثر ولم يصل الى نهاياته المتصورة مسبقا. وان هو عمل بنصيحة الجناح الثاني فان ما كان يتوقعه من نتائج محتملة بالتغيير الداخلي لمصلحته باتت ايضا اشبه بالحلم الذي يتبخر مع مرور الايام بسبب التحولات الايرانية الداخلية المتسارعة نحو «تشكيل جبهة وفاق موحدة» لمواجهة تحديات الخارج ما يجعل التغيير الذي كانت تنشده واشنطن للداخل الايراني بات مكلفا جدا. ولما كان بوش لا يستطيع ان يراوح مكانه وعليه ان يتحرك باستمرار دفاعا عن عقيدته وحفاظا على صدقية الاستراتيجية المعلنة لادارته فانه سيواجه صداعا كبيرا من الآن فصاعدا اسمه «الملف الايراني».
ثمة من يقول ان طريق الحوار المباشر والمواجهة الصريحة على طاولة المباحثات مع طهران هو الحل الوحيد الذي يمكنه انقاذ جورج بوش الابن من «صداعه الايراني». ولندن هي العاصمة الاكثر الحاحا عليه لاقناعه بالعودة الى طاولة المباحثات مع طهران.
وفي هذا السياق يقال ان الحاكم العسكري البريطاني للعراق كان في زيارة غير معلنة لطهران قبل اسابيع حاملا رسالة أميركية القادة الايرانيين بهذا الشأن.
باعتبار ان الساحة العراقية باتت الساحة الأكثر صدقية للتعبير عن مدى «حسن نية الطرفين أو قدرتهما على ليّ ذراع الآخر».
في ظل اصرار الرئيس الأميركي على التعامل مع طهران من باب «العقيدة البوشيه» أي استراتيجية الردع والضربات الاستباقية. وبعد ان فشل جاك اشترو في مهماته الدبلوماسية السابقة في الايام والاسابيع المقبلة كفيلة بوضع حد لهذا «الصراع» أو تطويره الى ما يشبه «الصرع» - لا سمح الله - ان هي (واشنطن) لم تتعلم من درس العراق
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 337 - الجمعة 08 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ