ظاهرةٌ غريبةٌ عن المجتمع الإنساني المتحضِّر قد لا تُصَدِّق من يرويها، أو قد يُوصف راويها بالمهرِّج، لا لأن غرابتها هي دون التصديق، وإنما لأنها بعيدة عن فَيء الفطرة وصفوة الأخلاق وحياض الأديان كل الأديان، ولهذا غَدتْ ظاهرة غريبة مفزعة عسيرة على التصديق، لكنها على كل حال حَدثَتْ بحق وحقيقة صَدَّقتَ أم لم تُصدِّق.
هذه الظاهرة سَوءةٌ من مساوئ الأخلاق لو وضعتها في ميزان العدالة الاجتماعية لوجدتها ثقيلة ثقل الجبال الرواسي، ذلك لأنها عندما تُلقي بظلالها تجدها تحمل في ثناياها بذور الفتنة والكراهية والبغضاء والحقد ورفض التعايش وعدم قبول الآخر، فضلاً عن أنها تُكرِّس الطائفية المقيتة، فتثمر حصاداً مآله تقطيع الأمة زبراً.
هذه الظاهرة التي وقفنا عليها عن كثب مؤخراً (وإنْ قيل لنا إنها قديمة متكررة) تتجسد في مشهد واحد تبدأ فصوله وتنتهي في مكان واحد. ولكي لا نطيل اليراع نَلِج إلى هذه الظاهرة بتصوير مشهد من مشاهدها كما رأيناه. فقد اصطفت الحافلات التي تنقل حجاج بيت الله الحرام داخل حدود مملكة البحرين الواحدة تلو الأخرى في مسار واحد وفي طابور منتظم بأعداد لم تتجاوز خمس حافلات آنذاك، وكانت كل حافلة تنتظر دورها لساعة أو أكثر هي في زمن المسافر طويلة جداً. وبعد برهة من الزمن قَدُمت حافلة سادسة فأخذت موقعها في الطابور لتكون هي الرقم السادس، وبعد دقائق قليلة جداً من وصولها تصدر الأوامر إليها للتقدم إلى الأمام لتصبح هي الرقم الأول، في مشهد أدهش ركاب الحافلات الخمس الآخرين المنتظرين وجعلهم في حالة من الوجوم والذهول وقد كساهم الغيظ وأجهشتهم الزفرة، في حين كانت قهقهات حجاج تلك الحافلة (المُقدَّمة عليهم) تعلو بسخرية وكأنهم يعلنون فوزاً بنصر عظيم على أقرانهم.
وعندما سأل الحجاج المنتظرون عن أسباب هذا التصرف الذي يحمل رُبى التمييز لم يجدوا حينذاك جواباً مقنعاً سوى القول «لا دخل لكم»، في حين تبين لنا السبب ظاهراً بأن تقديم تلك الحافلة كان عائداً إلى أنها كانت تنقل حملةً لحجاجٍ من فئة معينة استناداً إلى ما هو واضح من اسمها المُثبَّت على واجهة الحافلة، بخلاف باقي الحافلات التي كانت تنقل حجاجاً من فئة مغايرة.
وبعد أن انتهى هذا المشهد، وخف الغيظ لدى أولئك الواجمين، عادوا إلى خالقهم بالقول «حسبنا الله ونعم الوكيل». بيد أن انتهاء هذا المشهد لا يعني خروجه من الذاكرة، ولا يعني أبداً انتهاء تداعيات هذه الظاهرة، بل إن تداعياتها بدأت فور انتهاء ذلك المشهد وستبقى حتماً في لب الذاكرة تُهيِّج المشاعر وتشحن القلوب كُلما تكررت.
ومع أننا على يقين بأن الذين أصدروا الأوامر بتقديم أولئك الحجاج على أقرانهم لا نخالهم سوى أنهم صغار المستخدمين، في الوقت الذي نختلف فيه مع من يرى أن هناك توجيهات أو توجهاً يقضي بهذا التمييز، غير أن ذلك لا يعني أن يظل كبار الإداريين القائمين على إدارة الجسر بمنأى عن المساءلة أو العتاب على الأقل.
ونحن في سياق هذه المساءلة والعتاب نسأل هؤلاء السادة كبار الإداريين ما يأتي: ألاَ تدرون أن هذه الظاهرة وهي صورة من صور الازدراء بطائفة من الناس معاقب عليه جنائيّاً بمقتضى حكم المادة رقم (172) من قانون العقوبات، وأنها ضربٌ من ضروب إساءة استعمال الوظيفة المعاقب عليه جنائيّاً أيضاً؟ وهل نسيتم أن قوام العدل هو المساواة بين الناس، وأن أسمى المساواة وأعلاها اجتناب التفضيل بينهم إلاّ بمقتضى قواعد التفضيل، ونبذ التمييز إلاّ في إطار الأسس العادلة للتمييز؟ وأنه لا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتقوى؟
وهل تعلمون أن مِنْ أحسنِ المكارم هو خدمة الحاج والمعتمر، لأن الحاج والمعتمر وافدان إلى الله، فكان حقّاً على الله أن يُكرمهما. ذلك هو ما علمنا أياه رسول الله (ص) بقوله: «الحاج والمعتمر وفد الله، وحقّ على الله تعالى أن يكرم وفده»، فإذا كان هكذا لهما الحق على الله أليس من الأولى أن يكون حقهم على العباد أكبر وأوفى؟
وفي سياق العتاب ذاته نُذكر الأخوة الإداريين في الجسر؛ بأن أي مواطن فرد هو خيط رفيع في نسيج الوطن، وأن تقطيع هذه الخيوط تدمير لنسيج الوطن. وأن المواطنين متساوون في الحرمة والكرامة، وأن أية فئة ترى أنها مميزة، أو أن الوطنَ حِكرٌ عليها فهي دعاة باطل وأسيرة الهوى، ترنو إلى شرذمة الوطن والإضرار به سواء أبصرت ذلك أم لم تُبصر.
فإن لم تدركوا أيها السادة هذا وذاك كان حقاً عليكم أن تدركوا على الأقل أن ما حدث كان ظاهرةً هي ليست من الأخلاق في شيء، بل هي سوأةٌ من مساوئه، لأنها كما قلنا سلفاً بعيدة عن فَيْء الفطرة وصفوة الأخلاق وحياض الأديان
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3367 - الجمعة 25 نوفمبر 2011م الموافق 29 ذي الحجة 1432هـ
حاج
كلامك صحيح وانا من الشاهدين على هذا الفعل وانا كنت احد الحجاج فى الحافله الاولى وكانت حافلة النائب .. فى المأخره ولكن تم تقديمها علينا ولكن احنا زاد من اجرنا عند الله بسبب التقدم علينا والله ياخد الحق
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها ...
ان قهقهات ركاب تلك الحافلة كما ذكرتها يا اخ علي والذاهبة الى حج بيت الله الحرام هي دليل واضح على سطحية وخواء تلك العقول ، والجماعة هنا لا يقع اللوم عليهم وحدهم ولكن عملية الشحن اليومي في عقولهم المحدودة خلقت تلك الحالة التي تدعو ليس للغيظ وانما للرثاء على المستوى المتدني لتلك العقول ، نتمنى ان تصحو تلك النفوس التي لا ادري في اي قرن تعيش
هذا غيض من فيظ
عندما يتجرا شخص أصبح الآن يدعى مهرج ويقول بكل صلافة انتو ما عليكم عطوني الموضوع وانا اتصرف اذا ماخليتهم يصيرون شوادى لكم الحق هل هذه كلمة تقال حتى ولو أعطي الصلاحية لعمل ما يريد ولكن الموقع المستخدم يجب اولا و ىخرا ان يكون في خدمة البلد وابناء البلد لضمهم لا لتفريقهم ولكن لا نستطيع القول الا حسبنا الله ونعم الوكيل