العدد 3365 - الأربعاء 23 نوفمبر 2011م الموافق 27 ذي الحجة 1432هـ

لا تستمعوا لهرائهم

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

ما الذي يريد قوله لأمتهم أولئك الذين ما إن تواجه ثورات وحراكات الربيع العربي المبهرة، في هذا القطر أو ذاك، بعض الصُّعوبات أو العثرات، أو ترتكب بعض مكوناتها بعض الأخطاء، بسبب قلة الخبرة في كثير من الأحيان... ما إن يحدث ذلك حتى يولولوا بالويل والثبور ويتنبأوا بقرب انهيار الثورات، ويحاولوا المستحيل لزرع الخوف والشُّكوك في قلوب وعقول الشعوب.

ولعلّ أكثر الأساليب شيطانية وخبثاً هي محاولتهم ربط علل المجتمعات من بطالة وفقر وتردّي الخدمات العامة وغيرها كثير، والتي كانت موجودة ومتجذّرة في مجتمعات ما قبل الثورة طيلة سنين وعقود، ربطها بعدم الاستقرار المؤقت، وبتراجع بعض الخدمات المؤقت، وبالتالي الإيحاء الخبيث بأن الحراكات الكبرى والثورات لا تأتي إلاّ بالمصائب والمشاكل.

دعنا نفند بعض ما تقوله تلك الفئة الماكرة كحجج لتشويه سمعة الربيع العربي. المثال الأول هو الهلع الذي يراد للمجتمعات العربية أن تعيشه كلما تراجعت البورصات العربية بسبب عدم اتضاح الرؤية في الفترات الانتقالية للثورات. لكن ألا تتقلّب أسعار البورصات العربية، نزولاً مفجعاً وصعوداً ليس له مبرّر اقتصادي، طيلة العام بسبب الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والنكبات الطبيعية التي تحدث في عالمنا العولمي؟

لماذا نتفهّم تلك الظاهرة ونقبلها كشرٍّ لابدّ منه، ولكننا نرفضها وندينها ونشعر بالإثم تجاهها إذا كانت أسبابها داخلية؟ لماذا نضنُّ على شعوبنا حقّها في التجريب وارتكاب الأخطاء إبان محاولاتها للنهوض من بؤسها التاريخي، ولكننا نوجد الأعذار والتبريرات المثيرة للشفقة للأخطاء الفادحة التي ترتكبها حكومات ومؤسسات وشعوب الدول العولمية الرأسمالية؟

ثم، لنطرح السؤال الآتي: هل ثروة البورصات هي ثروة وطنية تملكها جموع المواطنين، وبالتالي فإن تأثرها السلبي المؤقت يهم الجميع، أم أنها في الأساس ثروة لعدد صغير من الأثرياء والمغامرين، بما فيهم عدد لا يستهان به من الأجانب الذين جاءوا للكسب السريع وإخراج ثروة البلاد؟

المثال الثاني مرتبط بالأول، ولكن تحت عنوان تخويف آخر. فما أن تزيد حرارة الوضع السياسي إبان الفترة الانتقالية المؤقتة للثورات حتى تنبري المنابر والأقلام إياها لترثي موت الاستثمارات الأجنبية أو جفاف منابعها. ومرةً أخرى يطلُّ السؤال: ما نسبة الفوائد المعيشية لتلك الاستثمارات التي تذهب للفقراء والمهمّشين من عمال وفلاحي وشباب ونساء المجتمعات العربية؟ ألا ينتهي القسم الأكبر من الاستثمارات في يد النافذين الفاسدين في مؤسسات الحكم أو مؤسسات المال والاقتصاد التي تملكها أقليّةٌ متعاونةٌ مع ومستزلمة لبعض جماعات السلطة السياسية أو لبعض الشركات العولمية الاحتكارية العابرة للقارات التي من خلال وكلائها المحليّين تجني الأرباح، ثمّ تخرجها لتزيد في توسعها ومضاعفة أرباحها في أماكن أخرى؟

هناك أمثلة كثيرة أخرى من مثل ذرف دموع التماسيح على اضطراب الأمن إبان فترات الانتقال المؤقتة، لكأنّ الأمن قبل الثورات والحراكات كان أماناً ورحمةً للمواطنين، بينما القاصي والداني يعرف أن آلة الأمن تلك كانت ظالمة. ينسى المتباكون الألوف الذين سجنوا من دون محاكمات، عذّبوا من دون وجه حق وماتوا ودفنوا أو أحرقوا خارج القوانين وشرائع السماء. إما انفلات الأمن المؤقت بين الحين والآخر بسبب محاولة أجهزة الأمن القديمة معاقبة الثورات والانتقام منها أو بسبب الفوضى المؤقتة في بعض الأجهزة، فإنه يعتبر مرضاً من أمراض الثورات التي تستدعي توقفها عن السّير.

ما المشكلة بالنسبة للذين يريدون إجهاض الحراكات الثورية العربية الكبرى؟ أحد جوانب المشكلة هو عدم رغبتهم في الاقتناع بأن الغالبية الساحقة من شعوب الأمة العربية يريدون هذه التغييرات وعلى استعداد للموت في سبيلها أو تحمُّل تكاليفها. ما لا يريد هؤلاء أن يدركوه هو حقُّ الأمة العربية، بقيادة شبابها الثائرين، في التجريب وارتكاب الأخطاء، ثم تعديل المسار، حتى نوصل ثورات الربيع العربي إلي بر الأمان. هذا الطريق سلكته الأمم الأخرى وستسلكه هذه الأمة التي أخرجها الظّلمة والمتخلفون عبر القرون من دروب تاريخ الإنسانية.

وأخيراً، ما لا يريد هؤلاء أن يفهموه بأن زوابع الثورات والحراكات قد تهدأ قليلاً إبان فترات الانتقال والاستعداد لصعود جديد غير أنها إذا أصبحت سكوناً تاماً بانتظار أن يمنّ عليها أحد من الخارج والداخل بالمساعدة فإن الثورات ستموت. السكون التام في أية فترة يتناقض ومستقبل الثورة.

من هنا، مطلوبٌ من شباب الثورات ألا يصغوا لكثير من الترهات التي نسمعها ونقرأها في أيامنا هذه، وأن يعوا بأن الطريق إلى الحرية والمساواة والعدالة مليء بالحفر والأعاصير والدموع

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3365 - الأربعاء 23 نوفمبر 2011م الموافق 27 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 4:14 م

      التعليم اساس التقدم

      انظر اليوم الى وزارة التربية ما حل بها
      ..........

    • زائر 21 | 2:34 م

      الطريق الوعر

      طريق الحرية والعدالة.

    • زائر 19 | 7:00 ص

      .

      يظنون انهم يعملون صنعا ولكن هو كما قلت يا دكتور "هـــــــــــــراء" اجوف عفى عليه الزمن كقصص ليلة و الف ليله قديم لا يحاكي الواقع و لا المستقبل مبنى على قصص و حكايات تاريخية قديمه لا يرتفع الى مستوى الشعوب و الربيع العربي و الأجيال الحالية أجيال التكنولوجيا و السرعة و الثقافة و الوعي و الحقوق ...

    • زائر 18 | 7:00 ص

      طريق الحرية والمساواة والعدالة

      مطلوبٌ من شباب الثورات ألا يصغوا لكثير من الترهات التي نسمعها ونقرأها في أيامنا هذه، وأن يعوا بأن الطريق إلى الحرية والمساواة والعدالة مليء بالحفر والأعاصير والدموع


      محمد سلمان

    • زائر 17 | 6:32 ص

      صح لسانك دكتور

      بارك الله فيك دكتور..وبارك في أم ولدتكم..وأب رباكم...فأنتم ذخر الوطن

    • زائر 16 | 6:17 ص

      يا أخ رقم 9

      أنت والله صح لسانك وأنا عندي قول بما معناه تعليقك
      راحت رجال ترقع الدروازة و جت رجال المطنزة والعازة
      راحت رجال طنة ورنة
      وجت رجال الخربطة والزنة
      وسلامتك وسلامة الدكتور

    • زائر 15 | 3:40 ص

      هل تؤيد ثورة سوريا ؟

      هل تؤيد ثورة سوريا ؟ هل تؤيد ما يقوم به حزب البعث هناك يا بو حامد ؟

    • زائر 14 | 2:34 ص

      شكرا لك دكتور وانت تبرهن على ان الانسان الحر يبقى حرا

      ليست الحرية حكرا على مذهب دون آخر او دين دون آخر كلا بل الحرية مطمح انساني وخلق نبيل يتحلى بها من كل أمة خلاصتها وانت والدكتورة منيرة فخرو
      والله يرحمه عبد الله فخرو من هذه العائلة الكريمة التي
      انتجت لنا اشخاصا وطنيون بحق وأحرار رغم الضغوط
      دائما المعادن الثمينة نادرة لذلك انتم قلة في وسط هذا الزحام اننا نجلّكم ونرفعكم حتى ولو اختلفنا معكم
      في بعض الامور وهذه طبيعة البشر ولكننا لا نشك في وطنيتكم واخلاصكم
      شكرا لكم مرة اخرى

    • زائر 13 | 2:18 ص

      ردا على الثورة المطلوبة

      ماذا عن القتل والسلب والنهب والتعذيب والسجن والفصل من العمل والدراسة والانتهاكات الليلية للمنازل وترويع أهلها؟؟؟؟ اتق الله

    • الفاروق | 1:46 ص

      الثورة المطلوبة

      الثورة المطلوبة هى ثورة فى الادارة و ثورة فى التعليم و ثورة فى القيادة و ثورة فى حماية حقوق الانسان و ثورة تقبل الراى الاخر ......هذه نماذج من الثورات المطلوبة .
      لسنا بحاجة الى تقليد غيرنا بتسكير الشوارع و حرق الاطارات و سكب الزيوت ...هذه ليست ثورة و انما غوغاء و شغب .

    • زائر 10 | 1:41 ص

      حقيقة يا دكتور إن الفرد يقف وقفة اجلال واحترام لهذا الشباب العربي الثائر المضحي والنقي الطاهر

      حقيقة هؤلاء الشباب الابطال هم أمل الامة.
      الله يحفظهم وينصرهم ويسدد خطاهم.

    • زائر 9 | 1:02 ص

      اه عليك وعلى زمانك عندما كنت تدير اهم وزارة وهي التربية الجامعة لكل ابناء الوطن انظر لحالها الان

      ايامك ايها الوزير المبجل كنت قمت العدل واتاحة الفرصة لمستحقيها فكانت الانطلاقة قوية والفرصة متساوية والتعليم في اعلى درجاته مابنيته ايها الوزير المبجل تم تحطيمه وشرذمته ياريت ترجع ايامك لكنا بخير وعافية حفظك الله واطال في عمرك

    • زائر 8 | 12:18 ص

      البعض لن يعجبه الكلام

      د علي رجل منفتح ومناصر للديمقراطية ومع الشعوب وثوراتها من اجل الحرية والعدل والمساواة ونبذ الطائفية تجلى هذا من خلال افكاره واطروحاته على عكس البعض كما وصفهم ولعلّ أكثر الأساليب شيطانية وخبثاً هي محاولتهم ربط علل المجتمعات من بطالة وفقر وتردّي الخدمات العامة وغيرها كثير، والتي كانت موجودة ومتجذّرة في مجتمعات ما قبل الثورة طيلة سنين وعقود، ربطها بعدم الاستقرار المؤقت، وبتراجع بعض الخدمات المؤقت، وبالتالي الإيحاء الخبيث بأن الحراكات الكبرى والثورات لا تأتي إلاّ بالمصائب والمشاكل

    • زائر 7 | 12:15 ص

      ناصر

      صح الله لسانك والله يكثر من امثالك يا دكتور

    • زائر 6 | 12:10 ص

      راسنا فوووووووووق يادكتور رغم الجراح

      سأعيش رغم الداء والأعداءِ .. كالنسر فوق القمة الشماءِ

    • زائر 5 | 11:45 م

      انها طريق الخير

      الثوره تعنى النهج إلهى طريق الذى رسمه الله للأنبياء و الصالحين .و الذين لا يعتقدون بالله سوف لا يعتقدون بالثورات .

    • زائر 4 | 11:39 م

      لاحياة لمن تنادي يادكتور

      بصراحة ولا أروع من هذا المقال للمفكر الكبير الدكتور على فخرو .. إلى متى تعي الحكومات بأن الشعوب لم تعد تهاب السجون والتعذيب بل وحتى الموت لأنها مسجونة ومعذبة وميتة على كل حال.. أقول بأن الشعوب قالت كلمتها ومن هذه الشعوب واحد إسمه علووووي ولدي ذو الثالثة من العمر وهو طول اليوم يردد أهزوجته ( الشعب مايرجع ورى ) ، هذا إبن الثالثة فكيف بمن ضاقت به الأرض بما رحبت من شدة الظلم والجور؟؟!!

    • زائر 3 | 11:37 م

      كثّر الله من أمثالك دكتور

      أثلجت صدورنا بمقالك الرائع .. كما عهدناك دكتور، قمة الحكمة والعقل والديموقراطية ..ولكن هل من مجيب؟؟؟

    • زائر 2 | 11:32 م

      سلمت دكتور رايتك بيضاء كما عهدناك اصيل لم تغيره الظروف

      المشكله دكتر في عقول مازالت عليه اقفالها وربما لا يستطيع سكان الارض جميعا من فتح اقفالها لان الصداء وعوامل التعريه اخذت ماخذها من تلك العقول عندنا مثال بسيط سقطت الحكومتين اليونانيه والايطاليه بسلاسه دون ان تقتلع اظافر احد من الشعب دون ان تكسر باب بيت معارض ودون ان تمثل بجثه حدث خرج للشارع مطالبا بحقه طوفان التغيير سيعم المنطقه العربيه بمباركه كل القوى العالميه سواء الامبرياليه ام غيره والتغيير سيفرض فرض على كل العرب من شاء او ابا فلماذا ندخل الشعوب في صوامع تطحن حتى الصغر والتغيير قادم لامحاله

    • زائر 1 | 11:05 م

      سائرون إن شاء الله

      بارك الله فيكم .. هكذا عرفناك يا دكتور كبيرا شامخا
      فسر .. فاننا سائرون إن شاء الله .

اقرأ ايضاً