العدد 3360 - الجمعة 18 نوفمبر 2011م الموافق 22 ذي الحجة 1432هـ

شباب الثورات وتحفيز المجتمع

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في مقال الأسبوع الماضي ذكّرنا بالأهمية القصوى لا لتواجد شباب ثورات الربيع العربي في سلطة الحكم أو في مواقع اتخاذ القرار فقط وإنّما أيضاً تواجدهم في صفوف المعارضة. وما من شكٍّ في أن إحدى نقاط ضعف الحياة السياسية العربية في الماضي هو الغياب المفجع لمعارضة سياسية منظّمة فاعلة مستدامة قادرة وكفؤة لممارسة تبادل السلطة الديمقراطي السِّلمي مع سلطة الحكم، كما هو الحال في المجتمعات الديمقراطية العريقة.

لكن شباب الثورات يجب أن ُيعدُّوا أنفسهم ويبنوا قدراتهم لممارسة مهمَّة ثالثة أثبتت أهميّتها وفاعليَّتها في أجزاء من المجتمع الدولي.

هذه المهمّة الثالثة تتلخّص في مساعدة بعض فئات المجتمع المدني، والتي لها مطالب معيشية أو حقوقية محددة، في تنظيم نفسها وتجييش أعضائها لتحقيق تلك المطالب. في قلب تلك المهمة يكمن مبدأ سياسي مفصلي وهو أن الحقوق لا تطلب من أية جهة كانت وإنما تؤخذ. المنطلق هو الحق في وضع وامتلاك الحقوق وليس في تسلمها كهديَّة أو منَّة أو تفضُّل . الصورة المناقضة لذلك هي صورة المواطن المغلوب على أمره، الصَّابر، الممدود اليدين بانتظار تسلم شيء ما، حسبما وفي الوقت الذي تقررِّه هذه الجهة أو تلك. وفي هذه الحالة؛ فإن الإرادة السياسية، التي تتحدث عنها الدساتير والتي كانت نتيجة سجالات فكرية وأخلاقية عبر القرون ليست ملكاً للناس ولا لعموم المجتمعات وإنما لجهة وسلطة تعلوان فوقهم.

وللخروج من الجوانب النظرية لهذه المهمة الثالثة إلى آفاق الواقع؛ يستطيع شباب الثورات العربية دراسة بعض الممارسات الناجحة في بعض مناطق العالم. في كتابه «قيمة اللاشيء «يفصِّل الكاتب الناقد راج باتيل قصَّة نجاح الحركة الدولية المسماة «لافيا كومباسينا»، ويقدِّمها كمثل لحراك تضامني فهم جيداً العلاقة الحميمة بين الحقوق والديمقراطية وممارسة الفعل. لقد تكونت الحركة من الفلاّحين والأجراء والمحرومين من امتلاك أي أرض للوقوف في وجه محاولات الهيمنة الأميركية والأوروبية والبنك الدولي وخبرائه الدوليين والمحليِّين، هيمنتهم على اتخاذ القرارات بشأن السياسات الزراعية والإنتاج الغذائي والثقافة الغذائية المحلية على مستوى قسم كبير من دول العالم الثالث. إنها اليوم تضمُّ أكثر من مئة وثمانين مليوناً من الأعضاء، ينتشرون في نحو سبعين دولة. إن تفاصيل نضالات ونجاحات وإخفاقات تلك الحركة موجودة في المراجع، لكن ما يهمنا هو معرفة بعض الأسس والممارسات التي تبنّتها، وذلك من أجل أن يقوم شباب الثورات بالاستفادة منها، بل وتحسينها بقدراتهم الإبداعية التي أصبحت حديث العالم في الآونة الأخيرة.

أول هذه المنطلقات هو حقُّ أعضاء الحركة في ارتكاب الأخطاء والتعلُّم منها بدلاً من الاعتماد الكلي على الخبراء، هؤلاء الخبراء الذين بسبب ارتباطاتهم بكبرى الشركات العولمية أو بجهات رسمية نافذة بما فيها البنك الدولي؛ كثيراً ما قدموا النصائح الخاطئة وأحياناً الكارثية. من هنا تغيُّر شعارات الحركة عبر الزّمن لتأخذ في الاعتبار التطورات وما كسبه الأعضاء من خبرات.

ثاني المنطلقات هو عدم السماح لأية منظّمة أو جماعة أو إيديولوجية منضوية تحت جناحها، مهما كبرت في حجمها وعدد أعضائها، بالهيمنة على اتخاذ القرار، فالقرارات النهائية تمرُّ عبر سلسلة طويلة من المناقشات والمشاورات التي يشارك فيها الأفراد العاديون، مهما تكن مستوياتهم التعليمية أو الاجتماعية. في أدبياتهم؛ فإن صفة الديمقراطية لحركتهم لا تتمثل في التصويت فقط وإنما في عدم ممارسة التصويت إلا إذا سبقته مناقشات حرة شاملة شفّافة بالغة الاتساع والالتزامات الإنسانية.

ثالث المنطلقات هو ربط الشعارات بالقضايا الاجتماعية الحقوقية التي تواجهها المجتمعات. فشعار الحركة الأول «سيادة الغذاء» المرتبط بقضايا الأرض والمياه والبذور الزراعية إلخ ... أصبح بعد سنوات «سيادة الغذاء هو لإنهاء كل أنواع العنف ضدّ المرأة». هل هو خلط انتهازي للأوراق؟ أبداً، بل للقول بأن الجوع ليس فقط عدم توافر الغذاء الكافي وإنما هو أيضاً سلطة تستعمل للسيطرة على الآخرين. في عرفهم إن اضطرار المرأة لبيع جسدها بسبب الجوع أو اضطرارها إلى أن تذوي جوعاً حتى تطعم أولادها الصغار هي حالات من حالات العنف ضدّ المرأة.

قصّة هذه الحركة هي مثال فقط لأشكال لا حصر لها ولا عدّ من الحراك الاجتماعي - الحقوقي الذي تموج به السّاحة الدولية حاليّاً. المطلوب من شباب الثورات العربية هو أن يساعدوا في تنظيم حراكات عربية وطنية وقومية لأنواع من مواطنيهم، وكثير منهم من الفقراء والمهمَّشين غير القادرين على أخذ المبادرات والخطوات الأولى، وذلك من أجل استكمال الثالوث السياسي الذي لن تكتمل ثوراتهم المباركة إلا باكتمال مثلثه: تسلم الحكم أو التأثير الفاعل في مسيرته، تنظيم معارضة وطنية سلمية فاعلة كفؤة، والمساهمة في تنظيم حراكات مجتمعية مدنية للحصول على حقوق محدَّدة تصبُّ في إنضاج الثورات، ولاكتساب معرفة وخبرة بممارسة الحق في امتلاك الحقوق. وستكون الفائدة أكبر وأبقى لو ربطت الحراكات العربية القطاعية بما يماثلها على مستوى العالم . هذا تحدٍّ آخر لشباب الثورات العربية

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3360 - الجمعة 18 نوفمبر 2011م الموافق 22 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:52 م

      علي فخرو

      د. علي تعجبني مقالاتك .. وشكرآ للوسط

    • زائر 5 | 6:27 ص

      مصالح

      عبر سنين طويله غيبت الشعوب العربيه عن القرار السياسي وانخرطت حكوماتها في كسب بعض المصالح من الجهات الغربيه التي اتضح لاحقا للحكومات العربيه انها تتعامل مع مافيا وليس حكومات وفي نفس الوقت خسرت حكوماتنا نفسهاشعوبها

    • زائر 4 | 2:15 ص

      الحراك الاجتماعي - الحقوقي الذي تموج به السّاحة الدولية حاليّاً.

      سلمت يا علي فخرو "رجل والرجال قليل "

    • زائر 2 | 12:53 ص

      لطفاً دكتور

      انا انسان بحريني بسيط عجبني عنوان مقالك لكني ما فهمت من مقالك شئ ارجوا منك يادكتور الترفق بحال البسطاء وعدم الاسهاب0 حسيت وانا اقراء مقالك بما قاله نهاش فتى الجبل في مسرحيه باى باى لندن حينما قال في( والله كلامه حق بس ماأدري ويش قال ) ارجوا المعذره

    • زائر 1 | 12:20 ص

      دكتور صباح الخير

      دكتور ابتعادك عن الساحه السياسيه في البحرين هي الفجيعه لان البلد في امس الحاجه لشخصيه تتفق عليها الفرقاء تحمل بين طياتها مشروع وطني ديمقراطي واضح المعالم بعيد كل البعد عن التجاذبات الطائفيه انت شخصيه بحرينيه فذه بامكانك الاخذ بايدى كل الشباب وبعض من دخل حلقه الاربعين وهي حلقه النضوج السياسي ان صح التعبير فانت وزيرهم المقبول وطبيبهم المقبول ومثلهم الاعلى وبلعربي انته ما تخوف لان التجارب السابقه تعطيك صك ضمان الشرف السياسي الذي يفتقر له الكثيريين فقرب من الشعب اكثر علشان خاطر البحرين و اهل البحرين

اقرأ ايضاً