اليوم، بدلاً من مناقشة القضايا التي كان يتصارع بشأنها السياسيون طوال العقد الماضي، أود أن ألفت الانتباه إلى الفرص التي نسعى إلى اغتنامها في العقد المقبل.
بعد انقضاء عشرين سنة على انتهاء الحرب الباردة ومرور عشر سنوات على هجمات 11 سبتمبر/ أيلول2001، وبينما نقوم بسحب آخر قواتنا من العراق ونستعد للعملية الانتقالية في أفغانستان، فإن أميركا أصبحت تركز اهتمامها على التجدد الاقتصادي بينما تمرّ السياسة الخارجية الأميركية في خضم محور استراتيجي موجه نحو المحيط الهادئ.
لقد كان الرئيس باراك أوباما واضحاً عندما قال إن «تيار الحرب بدأ بالانحسار». لقد قضينا الكثير من سنوات العقد الماضي- بالضرورة - ونحن نركز اهتمامنا على أماكن حيث كنا نواجه فيها أكثر التهديدات إلحاحاً. وستبقى استجابتنا لهذه التهديدات دائماً عنصراً مركزياً في سياستنا الخارجية. ولكن كما يحلو لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن تقول، لا يمكن ان تكون تلك هي سياستنا الخارجية. علينا ان نوجه تركيز اهتمامنا، في العقد المقبل، إلى الأماكن التي تتوافر لنا فيها أعظم الفرص التي تدعم مصادر قوة أميركا.
وهكذا، فإنني أود اليوم أن أركز اهتمامي على منطقة المحيط الهادئ الأوسع، التي تمتد من الهند إلى الساحل الغربي للأميركتين، وان أدافع عن القضية التي تقول بأن العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية المتكاملة مع شركاء ينبضون بالحيوية في آسيا والأميركتين ستكون مركزية لتحقيق نجاحنا في المستقبل.
آسيا - المحيط الهادئ: المحور الاستراتيجي لأميركا
ستكون منطقة المحيط الهادئ الأوسع، من أوجه كثيرة، الجزء الأكثر ديناميكية وأهمية في العالم بالنسبة للمصالح الأميركية لعقود كثيرة مقبلة. فقد أصبحت تشمل حالياً أكثر من نصف عدد السكان في العالم، كما تضم الكثير من اقتصادات العالم الأكثر أهمية، ومن بينها حليفيات رئيسية وقوى ناشئة. أوصيكم جميعاً بمطالعة مقال حديث نُشر في مجلة السياسة الخارجية حيث تشرح فيه وزيرة الخارجية كلينتون رؤيتها حول «قرن أميركا (الزمني) في المحيط الهادئ».
تشكل الروابط الاقتصادية والسياسية المتنامية عبر أرجاء المحيط الهادئ جزءاً من قصة أوسع لسياسات التكامل في القرن الواحد والعشرين والتي توسّع وتتحدى المفاهيم الجغرافية التقليدية والهيكليات البيروقراطية. إذ تعزز الولايات المتحدة، في كل واحدة من هذه المناطق، علاقاتها مع شركائها الاستراتيجيين الحاليين، وتجند دول القوى الناشئة من اجل معالجة المشاكل العالمية والانضمام إلينا في صوغ قواعد الطريق للقرن الواحد والعشرين.
وبنفس الأهمية تماماً، فإن هذه الأماكن تقطنها طبقات وسطى مزدهرة تستطيع شركات الأعمال في الولايات المتحدة ان تستفيد منها كأسواق جديدة تصل من خلالها إلى مستهلكين جدد لدفع عجلة الانتعاش الاقتصادي الأميركي إلى الأمام. وليس من قبيل الصدفة أن الاتفاقيات الثلاث التي وقعها الرئيس كقانون في الشهر الماضي كانت مع شركاء في المحيط الهادئ. ومن اجل تسخير فرصنا الهائلة خلال العقود المقبلة، يجب أن نتبنى مفهوماً جديداً في سياستنا واستراتيجيتنا الخارجية، مفهوماً يوجه اهتماماً أعظم إلى الروابط المتنامية عبر المحيط الهادئ، والتي ترفع مستوى علاقاتنا الأساسية على كلا جانبي المحيط الهادئ.
كان صعود آسيا دراماتيكياً إلى درجة بحيث لم يعد عملا قاصرا على إعادة تشكيل مدن واقتصادات آسيا وحسب، بل أصبح من الضروري إعادة رسم الخريطة الجغرافية الاستراتيجية. ولإعطاء مثال واحد، فإن نصف عدد الأطنان المشحونة من السلع التجارية في العالم تمر عبر بحر الصين الجنوبي. ومع مرور آسيا بتغيرات عميقة، لذا أصبح يتوجب علينا ان نطور بنيتنا الدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية لكي نستطيع ان نجاري تلك التغيرات. وقيادة أميركا في تنفيذ مثل هذه البنية ستحقق لنا المكاسب خلال هذا القرن وتساعد منطقة المحيط الهادئ في الوصول إلى تحقيق قدراتها الكاملة، تماماً كما فعلت مرات كثيرة استثماراتنا في بناء شبكة شاملة ودائمة من المؤسسات والعلاقات عبر المحيط الأطلسي.
وإذ نتطلع نحو المستقبل، فإننا ننطلق من مركز قوة. فأميركا قوة قائمة دبلوماسياً، وعسكرياً، واقتصادياً في المحيط الهادئ، وكما تقول وزيرة الخارجية كلينتون، نحن هناك لنبقى. ويبقى الأساس لسياستنا تحالفاتنا التاريخية مع اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، والفليبين، وتايلند التي تشكل أقدم شريك معاهدة لدينا.
واليابان، التي قمت بزيارتها في الأسبوع الماضي، هي ثالث أضخم اقتصاد في العالم وشريك حيوي في كل شيء من تنمية أفغانستان إلى جهود مكافحة القرصنة مقابل سواحل إفريقيا. وتبقى تحالفاتنا حجر الزاوية للسلام والاستقرار في المنطقة. وكوريا الجنوبية حليف يتوجب الالتقاء معه، فهي محرك للنمو الاقتصادي العالمي، ومساهم رئيسي في الاستقرار الإقليمي والعالمي. وسيصل الرئيس أوباما، في وقت لاحق من هذا الشهر، إلى استراليا في زيارة تاريخية تدلل على تحديث التحالف في ما بيننا. كما نحتفل مع الفليبين في الذكرى الستين لمعاهدة الدفاع المشترك، ونعمق علاقتنا الاقتصادية، والدفاعية، والأمنية.
كما اننا نسعى إلى بناء شراكات جديدة عبر المنطقة مع دول كالصين، والهند، واندونيسيا، وسنغافورة، ونيوزيلندا، ومنغوليا، وفيتنام، وبروناي.
سنبدأ مع الصين، التي قمت بزيارتها من جديد في الأسبوع الماضي، بالفكرة التي تقول ان السياسة الجيدة تجاه الصين نابعة بالضرورة من السياسة الآسيوية الجيدة، ومن ثم نعمل بشكل حثيث لتعميق التعاون والثقة بين دولتينا. فسنة بعد سنة ظل حوارنا الاستراتيجي والاقتصادي مع الصين يشمل أكبر الوفود الدبلوماسية التي تم تشكيلها على الإطلاق. كما ننخرط في حوارات جديدة واعدة مدنية وعسكرية من أجل زيادة الشفافية والثقة، ولخفض إمكانات الخطأ في التقدير بشأن القضايا الحساسة.
في علاقة معقدة كهذه، من غير الممكن التقدير المسبق، لا للنزاع ولا للتعاون. وبينما ينمو دور الصين في الشئون العالمية، فإن المحافظة على هذه العلاقة في مسارها المنتج ستشكل تحدياً محورياً- لكلا الجانبين- لسنوات كثيرة مقبلة. وعلى رغم كل خلافاتنا، لدينا قدر أكبر لنكسبه من خلال العمل سوية مجتمعين بدلاً من العمل منفصلين. لا يمكن لأي علاقة ثنائية أن تكون أكثر أهمية لمصالح كل من بلدينا أو لمستقبل النظام العالمي في القرن الجديد الذي يتكشف أمامنا.
وعلاوة على هذه العلاقات الأساسية، نقدم تعهداً غير مسبوق بدعم المؤسسات الإقليمية الواعدة في آسيا يتضمنها المنتدى الإقليمي لمجموعة دول جنوب- شرق آسيا (ASEAN)، ومؤتمر قمة شرق آسيا، حيث سيفتتح الرئيس أوباما المشاركة الأميركية بعد أسبوعين من الآن. وسنساعد هذه المؤسسات على تحقيق قدراتها لكي تلعب دوراً حاسماً في تطوير قواعد مشتركة لسلوك الطريق والأنظمة التي تستطيع ان تساعد في معالجة التحديات التي تصبح معقدة بصورة متزايدة والتي تتخطى الحدود القومية، ونذكر منها منع انتشار الأسلحة النووية، والأمن البحري، والكوارث الإنسانية والطبيعية.
وعبر جميع هذه الروابط التي تتعمق، نحاول بناء شبكات من التعاون ستجعل منطقة آسيا- المحيط الهادئ منطقة سلام مزدهرة لسنوات كثيرة مقبلة. ولكن، لكي تنجح، يجب الا يتوقف تواصلنا بشأن تشكيل مستقبل آسيا عند الحدود التقليدية للمنطقة. إننا نقوم بتجنيد الهند ودول الأميركتين- جيران شرق آسيا إلى الغرب وإلى الشرق- لمساعدتنا في ترسيخ وتشكيل منطقة آسيا- المحيط الهادئ المتنامية بسرعة.(يتبع
إقرأ أيضا لـ "وليام جاي بيرنز"العدد 3359 - الخميس 17 نوفمبر 2011م الموافق 21 ذي الحجة 1432هـ