يخيَّل إلى الانسان العادي الذي لا يرى أبعد من أهداب عينيه، أن أموراً كثيرة ليست سهلة المنال، وأمورا قليلة جداً سهلة الإيجاد. ولكن الإنسان غير العادي (حاكم... سلطان... رئيس... تاجر) المتزمت المترف المتسلط الذي يرى أن كل شيء في العالم وكل بقعة له نصيب فيها، حتى لو كان هذا النصيب لغيره أو على حساب حريات ومذابح وسلب ونهب الآخرين، ستتحول لديه الغاية إلى طلب المزيد الشنيع والمزيد الصعب، غير ممكن الحصول عليه إلا بقوة الجيش أو الغزو أو التجسس أو الغدر أو الخيانة أو بما لا يحول بينه وبين مطلبه حتى لو لم يرض به الآخر.
كانت الدول الكبرى في السابق قبل مئات السنين، وخصوصاً الأوروبية منها التي استعمرت معظم بلدان العالم وبعدها جاءت الولايات المتحدة الأميركية ترى في استعمارية الدول الفقيرة المتفرقة - شعباً وأرضاً - طرقاً أخرى ومكاسب متعددة وكيانات جديدة قادمة من أراض لم تكن محسوبة على الخريطة العالمية مملوكة تباعاً روحاً وجسداً وعرقاً وتعباً، تملكها مسجلة على صكوك مختومة موقع على أغلبها القطاع الحكومي الرسمي (وهذا أمر موصول بلعبة الحيوان القوي ضد الضعيف) وإيهام العبد بأنه خلق عبداً غير قابل للنقاش أو للتغيير أو التحويل والمشكلة الأكبر أن الحكومة كانت تتملك، يرادفها في هذا التملك المترف من الشعب أيضاً وكانت الأجساد قد أصبحت سلعة قابلة للتحويل والمبادلة والتملك والرهن والضرب والإذلال والتعامل معها بأنواع الوحشية كافة إن لزم الأمر أو بلطافة لا تتعدى لطافة المجاملة، كل هذه الأمور أصبحت في قدرة الإنسان الذي يملك إنساناً آخر! مع أن واجب الإنسان الطبيعي هو ألا يملك إلا دماغه (عقله) !! وبه سيملك حريته وبحريته أمانه، و بأمانه عائلته ومجتمعه، وبهما ثقة الآخرين، وبثقة الآخرين التعامل الصادق، وبالتعامل الصادق التكوين! والتكوين هذا هو كل علاقة أو فعل يقع على قاعدة متحدة صلبة وهو يمثل بكل تأكيد نجاحاً بين أطراف كثيرة، ثم وبعد التكوين إرث انطلاق الحريات في جميع المجالات (الدبلوماسية - التجارة - الصناعه - الاختراع - التصدير الخ..) وفي حالات وعلى رغم عذاب كثير من المملوكين بشروط المالكين قروناً وعقوداً يتحول الأمر إلى جذور تلتهب بنار الحرية تتمدد تحت الأرض تخلف أشجاراً تثمر ما لا يتوقعه أي طرف (فوائد لا تحصى)، ويتحول مالك العبد إلى متساو معه يتزاوج كل جنس من الآخر ثم في الوظيفة إلى رئيس ومرؤوس وفي السوق تاجر وسلطة، وفي العالم مواطن يحسب له ألف حساب! وممثلا في أمور شتى (دبلوماسية - عسكرية - رياضية - تجارية..الخ) عن البلد نفسه الذي أذاقه مرارة الرق والانتهازية والحبس والعبودية فيصبح أيضاً بإمكانه هز الشجرة (الدولة) أو خلعها أو الاستفاده من ثمرها أو ظلها وحتى أغصانها! و ليس أغرب أو أبعد من ذلك الحرية التي حصل عليها النفر الكثير ممن استورد كبضاعة بشرية من الدول الإفريقية كافة ليكون بشراً مرموقاً في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ثم مواطناً مسئولاً عن وطنه في تلك البلاد. ما أغرب العالم أو هو ما أغرب الإنسان في طبعه وطمعه، إن الحريات لا تأتي من مصادر مجهولة بل من عقول تضيء السماء لو أرادت!
- وعودة إلى التكوين طريق آخر ... المكسب المتعدد.
وعلى المستوى العادي تصور لو تملكت شيئاً أبسطها هذه الأيام السيارة والغرض الرئيسي لشراء السيارة هو الذهاب إلى العمل وشراء الأغراض والزيارات ولكنها الآن أصبحت تؤدي لنا خدمات يفوق عددها الألف إن لم يكن أكثر. ونشتري الليمون للسلطة ولكننا نعمل منه العصير وأغراضاً أخرى كثيرة، ونمتلك الأرض ولكن نبني عليها بيتاً تسكن فيه أرواح كثيره أو بناية أو محلات تجارية أو أي كان! وكذلك للزواج أغراض ومكاسب أخرى والشمعة فعلى رغم صغر حجمها إلا أنها مازالت كثيرة الاستعمال والمنافع والمكاسب والطلب وهي مجرد شعلة صغيرة على رأس عمود صنع من الشمع تضاء بعود ثقاب صغير وعندما تشعلها وكأن لا ينقصها إلا المواء إن لم تكن دندنات موسيقية في جو مفعم بالرومانسية يلائم إشعالها ووجودها.
الإنسان عندما يفكر بعقله ودماغه ذي التكوينات والشبكات المليارية واجبه أن يعلم كيف ومتى وأين ولماذا يقرر أن يقوم بالفعل الفلاني أو الحركة الفلانية أو الطلب الفلاني، لأنها قد تتوافق مع إرادته ورغبته فإن أصلح في استعمالها حاضراً أو مستقبلاً تمخضت عنها فوائد لا تعد ولا تحصى وهو التكوين تجمعه بالمنفعة والمصلحة والكسب والرؤى الواضحة وتدمره إن أخطأ التعامل معها والخطأ من نتائجه أحياناً مهازل الدنيا جميعها، والتكوين البيولوجي غير المرئي بين الخلق محسوس بروح الإنسان الصالح وعقله وهو يتضح من خلال طريقين أولهما الازدواجية الخيِّرة لدى الإنسان التي يخطط لها العقل والقلب، وثانيهما التعامل مع من تتوزان لديه الرؤى ويقبل الآخر ولن نستطيع الاستغناء عن التكوين الإيجابي
إقرأ أيضا لـ "حمد الشهابي"العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ