تسعى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى تحميل مسئولية الأكاذيب والمزاعم، التي روجها كبار المسئولين من الصقور في البنتاغون والبيت الأبيض عن علاقات مزعومة بين نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين وتنظيم «القاعدة» الذي يتزعمه أسامة بن لادن، موظفا استخباريّا قديما في البنتاغون، من أصل لبناني، هو مايكل معلوف الذي كان له دور رئيسي في الجهود الخاصة بتلك المعلومات.
وقال مسئولون أميركيون كبار إنه تم تجريد معلوف من تصريحه الأمني، وخصوصا بعد أن تم الكشف عن علاقته أيضا برجل أعمال أميركي من أصل لبناني، هو عماد الحاج، يخضع لتحقيقات يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» بشبهة تورطه في خطة لتهريب أسلحة إلى ليبيريا، ما يعتبر انتهاكا للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، وأيضا علاقاته بنظام الرئيس الليبيري تشارلز تايلور في تهريب الألماس. ويمتلك الحاج مؤسسة «أميركان أندررايت غروب» في فيينا القريبة من واشنطن، ولها مكتب أيضا في بيروت.
وتقول مصادر مطلعة إن معلوف الذي بنى سجله الوظيفي بمحاولة القضاء على تجارة سلع التكنولوجيا المتطورة في الاستخدامات العسكرية، مقرب من صقور السياسة الخارجية في واشنطن داخل الادارة الأميركية وخارجها، الذين قام بعضهم بالضغط بقوة لاستعادة تصريحه الأمني على رغم اعتراضات ضباط الأمن الحكوميين.
ويبدو أن المعركة من أجل وصول معلوف إلى أسرار الحكومة الأميركية هي جزء من معركة أكبر في إداة بوش بشأن السيطرة على الاستخبارات والسياسة الخارجية، إذ تحاول القيادة المدنية للبنتاغون بزعامة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوفيتز ومكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ومستشارة بوش للأمن القومي كوندليزا رايس، إدارة السياسة الخارجية الأميركية وخصوصا في المنطقة بعيدا عن القنوات الدبلوماسية الثابتة لوزارة الخارجية الأميركية، على أساس معلومات استخبارية مشكوك في صحتها، بدعوى أن وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه» وغيرهما لا تقدران بالكامل التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة.
وامتنع معلوف عن التعليق خلال الاتصال به، غير أن مؤيديه يجادلون بأن رؤساءه في البنتاغون برأوا ساحته من اتصالات بعماد الحاج، إذ قال أحد أصدقائه إن معلوف كان قد أبلغ مسئوليه عن معاملاته مع الحاج التي وصفت بأنها «علاقة حساسة» يمكن أن تفيد الأمن القومي الأميركي في المنطقة.
ويقول مقربون من معلوف إن الحملة التي يتعرض لها وسحب تصريحه الأمني، هما للانتقام منه لأنه من أبرز من قدموا معلومات (لم تثبت صحتها حتى الآن) عن وجود علاقات بين نظام حكم الرئيس صدام حسين و«القاعدة». وكان معلوف أحد أفراد فريق من رجلين شكلته القيادة المدنية في البنتاغون بعد هجمات 11 سبتمبر/ ايلول 2001 لإيجاد مثل هذه العلاقة لتبرير غزو واحتلال العراق فيما بعد. وهذا الفريق كان حل محل مكتب الخطط الخاصة المثير للجدل الذي كانت مهمته «فبركة» معلومات استخبارية ضد العراق. وهي المعلومات التي استخدمها رامسفيلد وولفوفيتز والرئيس بوش وتشيني ورايس في تصريحاتهم وخطبهم للتدليل على وجود علاقة بين العراق و«القاعدة». وادعى معلوف وزميله ديفيد وورمسر الذي يعمل حاليّا مساعدا لوكيل وزارة الخارجية الأميركية لشئون نزع السلاح جون بولتون أنهما وجدا دليلا على أن مجموعات إسلامية سنية وشيعية ودولا عربية (علمانية) تتعاون معا للإضرار بالولايات المتحدة على رغم خلافاتهم. واطلع مسئولون في البنتاغون والـ (سي آي إيه) على معلومات فريق معلوف - وورمسر في أغسطس/ آب 2002. وحضر مدير الـ (سي آي إيه)، جورج تينيت جانبا من تلك الاجتماعات.
ويثير معظم المحللين الاستخباريين والمختصين في الإرهاب شكوكا قوية في وجود أي روابط بين العراق و«القاعدة». وقال مسئول أميركي كبير إنه «لم نعثر على أي دليل جديد على وجود تعاون نشط بينهما منذ غزو العراق».
وأكد تقرير الكونغرس الأخير عن هجمات 11 سبتمبر أنه لا وجود لأية اتصالات مزعومة بين محمد عطا من «القاعدة» الذي تتهمه سلطات الأمن الأميركية بقيادة خاطفي الطائرات الأميركية التي استخدمت في هجمات 11 سبتمبر، ومسئولين استخباريين عراقيين في براغ أو غيرها. كما أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية أكدت بدورها أن لديها أدلة تثبت أن ذلك المسئول المخابراتي العراقي الذي ذكر أنه سمير العاني كان آنذاك في مكان آخر وليس في براغ.
وتوقف تشيني عن التطرق في خطبه وتصريحاته، بشأن تبريره الحرب على العراق واحتلاله، عن اتهاماته السابقة للرئيس صدام حسين بأنه لديه علاقات واتصالات مع «القاعدة».
وأظهرت العضوة الديمقراطية في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ باربرا بوكسر، الأسبوع الماضي، خلال جلسة استماع تحدث فيها وولفوفيتز، خريطة نشرتها الادارة الأميركية في نهاية العام 2001 تظهر فيها 45 بلدا تعمل فيها «القاعدة» لم يكن العراق من بينها، ولم يرد وولفوفيتز على ذلك. وقال العضو الديمقراطي الآخر في اللجنة راسل فينغولد إن المسئولين في إدارة بوش «سوقوا لنا شيئا آخر... سوقوا لنا غزوا واحتلالا لبلد شرق أوسطي رئيسي حتى أن المعلومات الاستخبارية لم تكشف عن علاقات ثابتة مع القاعدة». كما أن المدير السابق لقسم الشئون الاستراتيجية وانتشار الأسلحة والشئون العسكرية في مكتب الاستخبارات والأبحاث في وزارة الخارجية غريغ ثيلمان قال إن إدارة بوش كانت تضلل الرأي العام بالادعاء بوجود علاقات وثيقة بين العراق و«القاعدة».
ويقول مقربون من معلوف إنه بعد سحب تصريحه الأمني ومنحه «إجازة إدارية» لاحقا، تلقى دعما ملحوظا من صقور البنتاغون، وخصوصا من المسئول المباشر عنه، وكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية دوغلاس فيث، الذي كتب رسالة عنه إلى وزير الدفاع رامسفيلد، كما شارك في الدفاع عنه الرئيس السابق لمجلس سياسة الدفاع في مكتب رامسفيلد، ريتشارد بيرل، معتبرين أن معلوف يتعرض لعملية انتقام بسبب تحديه المعتقد الرسمي
العدد 335 - الأربعاء 06 أغسطس 2003م الموافق 08 جمادى الآخرة 1424هـ