آذى العراق نفسه كثيرًا، وآذانا معه. أكثر الأشياء إيلامًا هو فهم الساسة العراقيين الخاطئ لأوضاعهم. فكثيرون منهم، حَسِبُوا أن القطع المادي التام بينهم وبين حقبة صدَّام حسين هي الأفيَد، لكي تندثر حقبته بما لها وما عليها، وهو أمر يُخطِّؤه المنطق، وتجبُّه تجارب ما دَرَجَ عليه البشر من سلوك سياسي واجتماعي. فالحقب الزمنية لا ترتبط بالماديات فقط، وإنما هي مرتبطة أساسًا بمسائل سياسية واقتصادية واجتماعية كوَّنت نظامًا عامًا للمصالح والقناعات الممتدة (المتعثرة حينًا والمتماسكة حينًا آخر) لا ينتهي بتلك الطريقة والمعالجة.
في آخر جمعة من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحدث إمام وخطيب جامع براثا في بغداد، الشيخ جلال الدين الصغير والمحسوب على المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة السيدعمَّار الحكيم، في خطبة الجمعة قائلاً «يكفي (مدينة) تكريت (160 كم شمال غرب بغداد) إهانة أن تُحسَب على حزب البعث. فحزب البعث مثل عين النجاسة؛ لا يمكن أن يُطهَّر أو يتطهَّر به أيّ إنسان. وتكريت فيها الكثير من الذين خدموا البلد بشكل حقيقي» وهناك مَنْ «أجبر على الانتساب للبعث ولم يكن بعثيًا». انتهى.
هذا الخطاب، الذي قاله الشيخ الصغير يَنمُّ عن قِصْرٍ في النظر، ولا ينبغي أن يُقال بهذه الطريقة. صحيح أن التكريتيين لم يكن جميعهم من البعثيين رغم أن صدَّام حسين منهم، لكن المشكلة ليست في ذلك، وإنما في تشبيهه البعث بعين النجاسة؛ لأن ذلك الخطاب يُعبِّر عن سياسة شوفينية استئصالية حادَّة لا يُمكن استيعابها إلاَّ من خلال استحضار معادلة رفْض البعث كاملاً اليوم، مثلما رفَضَ البعث «الإسلاميين» كاملاً بالأمس، وفي ذلك استعادة آلية للتاريخ غير البعيد، حيث لا يكون فيها تفاضل بين سماطيْن. أقول ذلك، دون أن أعتقد يومًا بالبعث وأدبياته، لا من حيث الشعار ولا الشعور ولا حتى أدنى من ذلك.
الغريب، أن الحكومة العراقية تسيِّر أغلب قوانينها وإجراءاتها المدنية اليوم، من خلال منظومة العمل التي وضعتها الحقبة البعثية دون أن تغيِّر فيها ما تدَّعي أنه تغيَّر في العراق على الأرض، بعد زوال حكم صدام حسين، لكنها ترفض في الوقت نفسه الاعتراف بمسألة الوعاء العقائدي والسياسي والمفاهيمي الذي جاء بتلك القوانين. هذا سلوك لا يستقيم مع طبيعة إدارة الدولة، وأيضًا لا يستقيم مع حق الدولة في الاستفادة من جميع العراقيين.
لا يعتقد من يحكم بغداد اليوم، أن البعث ماتَ بموتِ رأس النظام، أو بانشقاق قياداته ما بين جناح يقوده عِزَّت إبراهيم الدُّوري، وآخر بقيادة محمد يونس الأحمد. فالبعث كان يحكم العراق بطريقة، لا يُمكن أن ينحسر فيها بهذه السهولة التي يعتقدها البعض، سواء بالاعتقالات أو بالتصفيات الجسدية. هو كان يتمدَّد على الطوائف والعشائر العراقية بشكل أفقي تارة، وعمودي تارة أخرى، في ظل غياب تام لكافة المنظومة الحزبية الأخرى غير البعثية، وأيضًا للنقابات، والمؤسسات المدنية. وبالتالي، فهو الذي كان يتنفس منه البلد، ويُدير شئونه.
ما يجري في العراق، من تأثيم شامل وراديكالي لمفهوم البعث لهو أمر خطير جدًا، ولا ينبغي له أن يستمر. ليس لأن البعث لن ينتهي بتلك الطريقة فحسب، وإنما لأن العراق مُحتاج أيضًا أمنيًا وعسكريًا لكفاءات، أعتقد بأن حزب البعث كان ومازال يمتلكها في ضبط شئون البلد، الذي يعيش حالة فلتان أمني واستخباراتي مريع منذ ثمانية أعوام. وربما كانت تجربة الفريق أول عبود قنبر في قيادة عمليات بغداد، دليلاً على ما أقول، رغم أنه عمِلَ في أتون دولة مُقسَّمة.
لنتذكر جيدًا، أن الولايات المتحدة، وهي التي قادت الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور والنازية، وقطفت نهاياتها ومآلاتها كقوة عظمى، صارت حاضنة لمن كانت تعتبر أعداءها في الحرب. فالوثائق المسرَّبة الآن تقول، بأن الاستخبارات الأميركية ساعدت زهاء عشرة آلاف نازي متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (انهزموا من ألمانيا) من دخول أراضي الولايات المتحدة والاستقرار فيها، بل وحصول الكثير منهم على الجنسية الأميركية.
لنا أن نتخيَّل، أن أوتو فون بولشوينغ، المتورِّط في وضع خطة للقضاء على كافة الأقليات اليهودية في ألمانيا، كان من ضمن الداخلين إلى الولايات المتحدة! ولنا أن نتخيل، أن آرثر رودولف، وخسمة من معاوني أدولف إيخمن، و23 مجرم حرب آخرين، دخلوا إلى الولايات المتحدة. والسبب في ذلك، هو سعي الإدارة الأميركية حينها للاستفادة منهم لمحاربة الشيوعية التي حلَّت كعدو جديد، والاستفادة منهم في برامج بناء الصواريخ الأميركية بعيدة المدى كما في حالة آرثر رودولف. هذه هي السياسات التي اتبعتها واشنطن، والتي بدأت تظهر الآن.
اليوم، أكاد أرى العراق، وبسبب الفشل السياسي فيه، كما كان يرى الألمان في جمهورية فايمار الضعيفة، التي ولَّدت الأزمات الاقتصادية للشعب الألماني وأفقرته، فارتمى في أحضان النازية، رغم ما فيها من عنصرية. بل إن خمسة ملايين عاطل ألماني، وجدوا أنفسهم مهيئين للانضمام للرايخ وأحلامه، بدلاً من العيش وسط كمٍّ هائل من الإخفاقات السياسية والاجتماعية. فالفشل السياسي في العراق، قد يُشجع العراقيين على القبول بأيّ نموذج آخر غير ما هم عليه، وهو باعتقادي السبب الذي يجعل الساسة الجدد يتوجَّسون من أي شيء قد يدلّ على البعثية، مرة بالاجتثاث ومرة أخرى بالاعتقالات كما جرى مؤخرًا في محافظات الوسط والجنوب والغرب
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3348 - الأحد 06 نوفمبر 2011م الموافق 10 ذي الحجة 1432هـ
البعث وصدام
للمعلقين الأفاضل نقول : البعث حزب عربي قومي وبما يعني أنه تنظيم منتشر ممتد من المغرب إلى البحرين .. وله قادته ومنظروه . فهل سيصير مصير هؤلاء جميعاً إلى ما صار له مصير صدام !! إن كان الجواب نعم .. فلنبشر بشار في سوريا بنفس المصير لأنه بعثي .. وعندنا في البحرين بعثيون قادة ومنظرون أمثال فلان وفلان ولا داعي لذكر الأسماء ... فهل سيلقى هؤلاء جميعهم - لكونهم بعثيين نفس مصير صدام !!!
good
nice artical
البعث الدموي
الغريب إننا كثيري التنظير دون معرفة الامور بشكل صحيح ودقيق حيث كثيرا من الناس يعتقدون ان ما حدث في العراق من قتل و تدمير لبنية المجتمع العراقي هي من صنع صدام حسين وأفراد عائلته فقط بل من عاش في العراق ورءا ما يحدث هناك أيام حقبة البعث يعرف فاشيستية هذا الحزب المقبور الذي أصبح منبوذا من أغلبية الشعب العراقي الجريح حتي بات الساسة الحاليين يتقربوا للشعب العراقي بالاصرار علي منع هذا الحزب في الظهور مجددا وخصوصا أنه متهم بقيامه مع حليفة القاعدة بقتل اعداد كبيرة من المدنيين من خلال التفجيرات الجماعية
يقول الصغير ذلك لأن آثار البعث المدمّرة لا زالت عالقة
لا زال هناك عمليات لحزب البعث تطال كل يوم مجموعة من الأبرياء
لم يذهب الحزب بكل ما لديه بل هناك بقايا من بقاياه
تعمل ليل نهار على سفك دماء العراقيين لذلك يتكلم الصغير بهذه الطريقة ومن يعيش الالم ويعانيه يختلف
عن من ينظر من بعيد
لو أن هؤلاء نبذوا الفكر الصدامي وأثبتوا للعراقيين انهم
براء من صدام وافعاله ونبذوا كل ما قام به صدام لكان
كلام الصغير مختلف ولكن هناك من يصر ويسير على نفس النهج ولا زال يقتل ويسفك ويستأصل ووو
عبد علي البصري
لو قرأت معاهده فرنساي لما لمت جمهوريه فايمار بهذا الشكل المباشر .
اعدام ابليس كل يوم
نعم يبو عبدالله العالم يحتاج الى اعدام ابليس كل يوم ليتخلص العالم من كل الشخصيات التى تقمصها ابليس من عهد ابانا ادم لليوم مرورا بفرعون والحجاج وهتلر وصدام والقذافي وبن على و شاكلتهم ملايين ممن ظلموا وعذبوا وقتلوا البشر وكان ابليس ساكن بداخلهم وماقدر القدير ملا مرشد يطرده من اجسادهم فقراء عليهم القران و كل التعاويذ المجربه في طرد ملوك الجان من اجساد البشر وما نفع فصاروا اعداء للبشر والبشريه ملوا اعدم ابليس واحد في كل يوم الى يوم القيامه مايخلصون لازم ياتى امر ربك وياخذهم جمله لا فرادا
وهو قدير
عبد علي البصري
يضحكني استشهادك بالولايات المتحده في ايوائها لشواذ الالمان ؟؟ من عداله الامريكان ؟؟؟ هذولا ياخذون السيئ والرديئ حسب المصلحه . الذاتيه لهم .
عبد علي البصري
جلال الدين لم يأثم الشعب العراقي ولاكن كما كتبت ((تأثيم شامل وراديكالي لمفهوم البعث لهو أمر خطير جدًا، )) وأنما لمفاهيم البعث ، وهذا لا يرضيك وأنت تقول انك لا تؤمن بالبعث وهذا تناقض وتخبط في التفكير، وخير دليل قياده جلود كما ذكرت لعمليات بغداد . وهو بعثي في السابق ، حيرتني استاذ انته شنهو تريد أن تقول بالضبط ؟؟؟ الحكومه العراقيه طوت الصفحه الشوفينيه ولم تكن لتسكت عن المفاهيم البعثيه والسكوت عن هذا لشيئ لهو شيئ خطير وليس العكس .
عبد علي البصري
الشيخ جلال الدين برأ تكريت وأنت تريد ان تغمسها لو انته شايف في حزب البعث شعره بيضاء احصيتها ونساها الشعب العراقي ؟؟؟ الانفلات الامني ياأستاذ من بقايا الظلم السابق لكون حزب البعث قد قضى على الاخيار وترك الاشرار . القاعده والانتحاريين من أين جاؤوا ؟ ومن جاء بهم . وهل الانفلات الامني من محصله الفشل السياسي كما تعتقد ؟ لا ليس بالضروره . ولو كان كذلك لكان حكم معاويه خير من حكم امير المؤمنين علي عليه السلام ِ
عبد علي البصري
نعم نحتاج لاعدام صدام كل يوم وذكر مقتل فرعون كل يوم ونهايه الجبابره كل يوم لكي نستقي الدرس ولا ننسى ويكون عبره لنافي كل يوم .
Like
...