ما وقع على العمال المفصولين والموقوفين عن العمل من دون وجه حق كان تصرفاً وصفه البعض بـ «الفصل التعسفي» استناداً لقاعدة «التعسُف في استعمال الحق» أو «إساءة استعمال الحق» الموجب للتعويض، والمنظور إليه على أنه فعل أو تصرف يُحرِّمه القانون ويعاقب عليه مدنياً عملاً بأحكام المادة رقم (108) من قانون العمل التي جاء فيها «إذا كان إنهاء العقد دون مبرر اعتبر الذي أنهاه متعسفاً في استعمال حقه والتزم بتعويض الطرف الآخر عما يصيبه من ضرر». بينما وصفه البعض الآخر بـ «الظلم» باعتباره عملاً شنيعاً وذنباً فظيعاً، ذلك لأن فصل العامل من عمله يعني بالضرورة قطع رزقه ورزق عياله وهو من الموبقات ومحرم شرعاً دون جدال.
بيد أننا لا نرى بين هذا الوصف وذاك اختلافاً من حيث المضمون سوى في الاسم فكلاهما صِنوان، أي انهما نظيران متماثلان. وهذا ما سنثبته تباعاً:
فالظالمون (أو المتعسفون) سواء بسواء، ينقسمون إلى ثلاثة: أولهم ظالمٌ حملته عصبيته وحقده البغيض على الظلم أو التعسف، وثانيهم ظالمٌ دفعته مصالحه غير المشروعة إلى الظلم، وثالثهم ظالم جَهُولٌ لا مصلحة له ولا علم لديه إنما أعان الظالمين في ظلمهم عن جهل.
فأول الظالمين (أو المتعسفين) وأبلغهم تنكيلاً هو ذاك الذي حملته عصبيته وحقده على الظلم الذي هو بطبعه وغريزته شخصٌ صَلفٌ قاسي القلب، وهو ممن أشار إليهم القرآن الكريم بقوله: «قستْ قلوبُهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجرُ منه الأنهار وإن منها لم يَشَّققُ فيخرُجُ منه الماء، وإن منها لما يهبطُ من خشية الله» (البقرة: 74).
فهذه الصورة الإلهية الرائعة تصور لنا الصم البكم العمي المتمثل في هذا المتعسف أو الظالم الصَّلف المتعصب الذي يظلم لا لمصلحة يرجوها إنما لإرضاء ضغائن قلبه وإطفاء نار حقده، والذي لا تفيد فيه النصيحة وإنْ استحسنها، ولا يُقوِّمُه الحق وإن استدركه وعَلِم به، ولا توقفه الخشية وإن لمسها، ذلك لأن نيران الحقد قد كمنت في صدره فلا تنطفئ إلا بموته أو بظفره.
وهذه الشخصية ذاتها لحظها القانون المدني البحريني في المادة رقم (28) في نظرته إلى المتعسفين، فيقول: «يكون استعمال الحق غير مشروع إذا لم يقصد به (أي المتعسف) سوى الإضرار بالغير». أي بمعنى أن من التعسف هو ذلك الفعل الصادر من الشخص الذي لا يهدف من وراء فعله وتصرفه جلب أي مصلحة مشروعة لنفسه إنما فقط لغاية الإضرار بالغير حتى وإنْ حاق به ضرر هو الآخر. وهذه الصورة تماثل تماماً صورة «الظالم» الأول سابق الذكر، ما يؤكد أنهما صِنوان وإنْ اختلفا في الاسم فقط.
أما الظالم (أو المتعسف) الثاني الذي دفعته مصالحه غير المشروعة إلى الظلم فهو وإنْ يكن أهون شراً وأقل قسوة من الأول من حيث انه لا يظلم أو يتعسف إلا لمصلحة يبتغيها، إنما يظل هو الآخر حاملاً وصف الصم البكم العمي، استناداً لما صوَّره لنا القرآن الكريم بقوله: «ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة... أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعِهم وأبصارِهِم وأولئك هم الغافلون، لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون». (النحل:106، 107، 108).
وحيث ان عبارة «استحبوا الحياة الدنيا» الواردة في النص القرآني سالف الذكر تعني المصلحة، وهي بالطبع المصلحة الدنيوية، فإن هذه الشخصية المقصودة في النص هي إذاً ذاتها الشخصية التي لحظها القانون المدني البحريني في المادة (28) المشار إليها سلفاً، بقوله «يكون استعمال الحق غير المشروع (أي من قبل المتعسف) إذا كانت المصالح أو المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة، أو إذا كانت المصالح أو المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها».
وعليه فإن هذه الصورة هي الأخرى تماثل تماماً صورة «الظالم» الثاني سابق الذكر، ما يؤكد لنا ثانية أن «الظالم» و «المتعسف» صِنوان وإن اختلفا في الاسم فقط.
وأما الظالم (الثالث) الذي لم تتشرب روحه بالحقد وليست له مصلحة إنما ظلم عن جهل وعن غير دراية، «الذي من أخلاقه الإجابة قبل أن يسمع، والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم». فهذا الظالم كسابقيه آفة في المجتمع، ولهذا قال عنه سيدنا الإمام علي ابن أبي طالب (ع) بأنه «شجرة لا يخضر عودها وأرض لا يظهر عشبها» وهو «ميت بين الأحياء».
هذه الشخصية ذاتها قد شخصها القانون المدني حيث يشير في أكثر من موقع بقوله: «إن الجهل بالقانون لا يعفي من المسئولية»، و «إن القانون لا يحمي المغفلين».
وعليه فإن هذا الظالم يظل هو الآخر منعوتاً بـ «الظالم» ويحمل سوءة الظُلم، وهو ليس بمنأى من الحساب ولا يحق له أن يتوسَّل بجهله ليدرأ عن نفسه العقاب. ومن خلاصة ما تقدم ننتهي إلى أن «الظالمين» و «المتعسفين» أياً تكن درجاتهم فهم متماثلون، ومن ثم نلخص إلى القول إن «التعسّف» و «الظُلم» صنوان
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3347 - السبت 05 نوفمبر 2011م الموافق 09 ذي الحجة 1432هـ
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم يا رب أرنا عجائب قدرتك في كل من فصل موظفا أو عاملا في القطاعين العام والخاص وكذلك كل من نكّل بالعمال سواء بالفصل أو الوقف عن العمل أو الخصم من الراتب.
اللهم إنا فوضنا أمرنا إليك فانتقم من الظالمين.
هناك تعسف في استخدام الحق وهناك ظلم مركب
ان فصل الموظفين والعمال من وظائفهم هو فصل جديد لا يمكن ان نطلق عليه حق فكل عمال وموظفوا العالم يضربون ويطالبون ويعتصمون وهم بذلك يحققون مطالبهم ولكن لدينا في البحرين بدل الاستجابة لمطالب العمال والموظفين يكافؤن بالفصل والطرد من الوظائف فهل هناك قانون يجرم المطالبة بالحقوق حتى نطلق عليه تعسف في استخدام الحق او القانون
أحسنت استاذ
الله يمهل ولا يهمل
قلوب كالحجارة..
قلوب كالحجارة بل أشد قسوة كما تروي الاية الشريفة هم الذين ينالون أشد أنواع العذاب الدنيوي رغم صلاتهم وصيامهم وإن كان من يتوهم بانه شجاعة بل العكس تماماُ كما هو حال صفة قلوب الطغاة والجبابرة ...
"ما جفت العيون إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب" حديث شريف- هي دلالة واضحة لما أن تقدم عليه اصحاب القلوب القاسية من مآسي ومنها الوشاية بدون وجه حق!!!
قلوب ..
قلوب كاحجارة بل أشد قسوة كما توري الاية الكريمة هم الذين ينالون أرفع درجات العذاب الالهي الدنيوي رغم الصلاة والصيام وإن كان من يتوهم بأنها شجاعة عندما تكون القلوب كذلك بل العكس ، فالطغاة لا يمكن أن يوصل بهم الحال إلى وصل إلا إذا كانت قلوبهم كما توصفهم الاية الشريفة . ما جفت العيون إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب"حديث شريف
فهناك ما قست قلوبهم بدوافع نفسية ومعنوية كالحسد والحقد والوشاية باصحاب بدون وجه حق فأصبحت قلوبهم كالحجارة أو أشد من حيث لا يشعرون !!!.
----
شكرا على هذا المقال
واصل الكتابة فاننا ننتظر مقالاتك بكل شغف
العاقل ياستاذ من قال للدنيا غري غيري
اي من يظلم ويستكبر يسلب وينهب اذا فكر في امر الدنيا قليل اذا كان ذو عقل شغال وبصيره نافذه لا يمكن ان يستمر في جبروته وطغيانه لان ببساطه لو لسبب من الاسباب وافته المنيه وهذا وارد وبقى لسبب ما يومين بدون دفان سيهرب من رائحته النتنه اقرب المقربين احد الاطباء الشرعيين يروي قصه غريبه يقول كانت لي حاجه عند احد المسؤليين فتعبت حتى استطعت الدخول عليه وكان قمه في الغرور والتجبر توفى بعد ايام ولتحديد اسباب وفاته كان ملقى امامى على الطاوله اقطعه بلمشرط حيث شئت فأي عبره ومن يعتبر هذي هي الدنيا