اتصلت بي ابنتي بشرى من بيروت وهي تنتحب وتقول بابا لم نلحق عليه لقد توفي عمو الحجاج. سافرت إلى بيروت برفقة أمها خصيصاً لرؤيته والاطمئنان عليه بعد أن علمنا بسوء حالته الصحية. لم يأتِ حزنها وبكاؤها عرضاً، بل هو تعبير حقيقي عن حبها لهذا الصديق العزيز الذي يعيش المحبة الحقيقية لأصدقائه، الذين يبادلونه الحب بالحب والاحترام. هو طراز فريد في حبه للآخر بأخلاقه الدمثة وحديثه الممتع وحواره الصادق وفكره النير واحترامه المتميز للمرأة.
لا أقول سراً، أعتقد في نفسي بأنني أحترم المرأة والزوجة، فالحياة الأسرية لا تخلو أحياناً من بعض الخلافات والمنغصات، فما أن يحدث بيني وبين زوجتي أي سوء تفاهم أو زعل، أجدها تبادرني بالقول إذهب إلى «أبوهيفاء» وتعلم منه كيف يحب المرأة ويحترمها.كان يفرح لنجاح ابنتي بشرى وابنتي صفية وتفوقهما كفرحتي وفرحة أمهما لهما، يشاركنا الفرحة بمنتهى الحب والصدق. لا ينسى أبداً تقديم هداياه لبشرى وصفية عند كل نجاح وتفوق لهما. أصر بعد تخرج بشرى من الثانوية العامة أن يرافقنا في الذهاب إلى كلية الطب في جامعة الملك فيصل وينتظر معنا إلى أن تنتهي من امتحان القبول للدخول لكلية الطب. كان كريماً معطاءً في كل شيء.
عرفته قبل نحو أربعة عقود في دمشق لاجئاً سياسياً وطالباً برفقة رفيقة دربه أم هيفاء المرأة والزوجة الرائعة ومعهما طفلة صغيرة هي ابنتهما هيفاء. كنت أستمتع بزيارته في منزله في دمشق، وكان وقتها يقيم في المنزل المملوك للشخصية الوطنية البحرينية الكبيرة عبدالعزيز الشملان. مع محدودية الإمكانات المادية وقتها وضيق الحال، إلا أن بيته كان مفتوحاً بكرمه لزواره ومحبيه.
ذلك الصديق العزيز الذي افتقده أصدقاؤه وأهله ومحبوه هو محمد بن علي أحمد الحجاج.
عرفت منه فيما بعد أن له أخاً اسمه عبدالكريم الحجاج، قلت له إن الاسم ليس بغريب علي. هناك بعض الأمور تعلق في الذهن من الصغر، ففي حينا وأنا وقتها صغير في السن، لم يتجاوز عمري السبع سنوات، كان هناك شاب اسمه كريم الحجاج يسكن في حينا، سألته هل هو نفسه أخوك؟ رد عليَّ: نعم هو وقد كنت أسكن معه.
عشق الحجاج البحرين وأحبها وأحب أهلها، عاش فيها في طفولته وصباه، اختارها في السنوات الأخيرة مقراً لسكنه وإقامته، وكان يتحمل عناء الذهاب إلى مقر عمله يومياً عبر جسر الملك فهد، يذهب صباحاً ويعود مساءً.
البحرين هي معشوقته التي أحبها وألفها وأحب أهلها الذين هم أهله. البحرين بادلته الحب بالحب، فكان محل محبة من أصدقائه ومحبيه.
كانت رغبته في حال وفاته أن يدفن في أرض معشوقته البحرين التي عشقها وعشقته؛ لذا لبت معشوقته رغبته، توفي خارجها، تلبية لرغبته نقل جثمانه ليدفن في أرض معشوقته. فشكراً للأصدقاء الأعزاء الذين لبوا الرغبة وعملوا على تسهيل إجراءات نقل الجثمان، والشكر موصول لسفير خادم الحرمين الشريفين في بيروت على جهده وجهد أعضاء السفارة، والشكر موصول لسفيرنا في دمشق وللمسئولين في وزارة الخارجية على مساعدتهم واهتمامهم بإنهاء وتسهيل إجراءات نقل الجثمان.
ودعنا الحجاج وذهب والبحرين ليست كما هو يحب أن يراها، تعاني من أسوأ ما كان يرفضه ويكرهه وهي الحالة الطائفية البغيضة. كان الحجاج محباً للوحدة ويكره كل ما هو طائفي.
الموت حالة تسبب الحزن، جمع الحجاج في الصلاة على جثمانه ودفنه وتقبُل العزاء جمعا متنوعا من الأهل والأصدقاء. وعلى رغم حالة الحزن التي كنت أشعر بها، فإن ما كان يفرح النفس وقتها هو الجمع الذي يمثل نسيج الوطن البعيد عن الحالة الطائفية المريضة التي وقع الوطن فيها، وهي الحالة التي كان يكرهها ويمقتها الحجاج.
هل يمكننا أن نعشق البحرين كما عشقها وأحبها محمد بن علي أحمد الحجاج؟ هل يمكننا أن نعيد اللحمة والمحبة والتآلف بين جميع مكونات معشوقة الحجاج وألا ندع مجالاً للحاقدين والكارهين والمتطرفين أن يعبثوا بهذه المعشوقة الغالية؟
رحم الله أبا هيفاء والصبر والسلوان لزوجته أم هيفاء وابنتيه هيفاء وريم ولأهله وأصدقائه.
مع تمنياتنا لمعشوقة الحجاج التي عشقته وأحبته أن تكون في أمن ومحبة وازدهار وتآلف بين أهلها
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3342 - الإثنين 31 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي الحجة 1432هـ