في 21 أغسطس/ آب2011 سقطت طرابلس الغرب بيد الثوار، والمجلس الوطني الانتقالي. بدأت المعارك في شرقها، وفي منطقة تاجوراء، ثم تدحرجت حتى أكلت العاصمة الليبية كلها في بحر ساعات. لم يبقَ سوى باب العزيزية، حيث المقر الرسمي والرمزي للعقيد معمَّر القذافي وعائلته ورموز حكمه. صَمَدَ الباب أيامًا معدودة، ثم انهَدَّ وتهاوى، فانداحَ الفاتحون الجدد في باحته يسرحون ويمرحون، لكأن القذافي قد أصبح أثرًا بعد عَيْن، ومن التاريخ المنسي لليبيا.
هنا نتساءل عن أسباب هذا الانهيار المريع والسريع للعاصمة الليبية طرابلس، في حين، بقِيت مدنٌ نائية صوب البحر، كسِرت، وأخرى مغمورة كبني وليد وبني هادي، وواحات ليبية مركونة في الصحراء تقاتل بعنف واستماتة طيلة شهرين، وحتى الرَّمق الأخير منذ سقوط العاصمة؟! أين السر؟! هل هو في ضعف العسكر الليبي الموالي للقذافي، أم أن طرابلس انتفضت عن بكرة أبيها ضد «جماهيرية المؤتمرات الشعبية» التي قامت على أفكار القذافي؟!
إنه مشهد، يعيد إلى الأذهان معركة بغداد في 9 أبريل/ نيسان من العام 2003. ففي الوقت الذي صَمَدَت فيه بلدة أم قصر الصغيرة في الجنوب العراقي، مدة أسبوعين في قتال شرس مع القوات الأميركية والبريطانية، وبمقاتلين من خارج النخبة العسكرية، الأمر الذي زاد من مخاوف الحلفاء من الحرب ومستقبلها، انهارت العاصمة بغداد، كجدران الكارتون، ودون أدنى قتال، أو اشتباك ضد القوات الغازية، على رغم أن حمايتها كانت قد انِيْطت بقوات الحرس الجمهوري، والحرس الجمهوري الخاص العراقي، واللذان يعتبران صفوة القوات العراقية.
الجواب حول ذلك، يأتي مما بدأ يتسرَّب الآن من أن طرابلس قد شهِدَت أكبر خيانة تلقاها معمَّر القذافي من المقربين إليه، طيلة صراعه مع المجلس الوطني الانتقالي والتي امتدت إلى ثمانية أشهر. والتفصيل في ذلك يقول: إن حزام العاصمة طرابلس كان قد أسنِدَت حمايته إلى كتيبة عسكرية متكاملة التجهيز، ومُدرَّبة تدريبًا عسكريًا روسيًا عالٍ. قوام أفرادها 3800 جندي، ويقودهم ابن عمّ القذافي المسمَّى بـ «البرَّاني إشكال القذافي». سرَّح الأخير جنوده دون قتال، ولم يبقَ منهم لحظة دخول الثوار إلى طرابلس سوى 116 جندياً دون سلاح. سقط حزام العاصمة العسكري، فوَلَجَ الثوار إلى داخلها، لتنحصر المعارك تاليًا في باب العزيزية.
هنا، يبدو المشهد مُكرَّراً في أغلب تقاطيعه مع المشهد العراقي قبيل الغزو الأميركي- البريطاني، وسقوط بغداد. لكن، ما زادَ على تلك الخيانة، وما سببته من انهيار متاريس العاصمة، هو اعتماد القذافي على حلقة ضيقة من المعاونين، الذين أوغلوا في الفساد، كالبغدادي المحمودي. هؤلاء فهموا اللعبة التي انحشر فيها القذافي، فقفزوا من السفينة الغارقة، قبل فوات الأوان. وكلّ مَنْ خرجَ منهم، أذاعَ ما يعرفه على ليبيا ونظامها إلى الخصم.
ويكفي أن يكون القذافي وأركان حكمه وعموم الدولة الليبية مكشوفين إلى حد العراء، نتيجة ما قاله موسى كوسا (وزير الخارجية، ورئيس الاستخبارات الليبية السابق) لجهاز الـ MI6 البريطاني، وكذلك الحال بالنسبة للِّلواء عبدالفتاح يونس العبيدي، الذي كان وزيرًا للداخلية، وأضرابهم من وزراء وقضاة وضباط، ممن تركوا القذافي وانضموا لثورة السابع عشر من فبراير.
ما يظهر من مجمل الموضوع، أن أحوال الأنظمة عادة ما تتبدَّل في الأزمات الحادة. فالبلدان التي تتعرض إلى حالة حرب، لا يمكنها أن تعتمد على أركان حكمها أيّام السلم، أو ممن قضوا مدة طويلة في الحكم، مهما كان تاريخهم وشأوهم. السبب في ذلك هو أن أولئك النفر راكموا على مناصبهم مجموعة من المصالح الشخصية جدًا، والتي عادة ما تختلط فيها ولاءات واصطفافات جديدة مكتومة، في الداخل والخارج، وكذلك التورط في قضايا فساد مالي من أوسع أبوابه، يمنعها من تقديم مصالح الوطن على مصالحها الخاصة.
وبدل أن يعتمد القذافي على ضباط كبار أمثال الفريق الركن الهادي امبيرش آمر المنطقة الدفاعية، أصبح يعتمد على أبنائه، وبالتحديد المعتصم الذي لا يمتلك خبرات عسكرية، ولا قدرة على إدارة المعركة، الأمر الذي عجَّل من سقوط العاصمة، بالضبط مثلما فعل صدام حسين، عندما عيَّن نجله قصي على رأس قيادة الحرس الجمهوري، مُبعِدًا وزارة الدفاع العراقية عن أي ترتيبات عسكرية تخص معركة الدفاع عن بغداد، وهو ما زاد من انهيار العاصمة.
القذافي تورط في هذا الإشكال، وزاد عليه، بأنه لم يحاول أن يواكب أزمته بمعركة علاقات عامة مضادة، أو أن يجترح لنفسه موضعًا جديدًا في السلطة، يستطيع من خلاله أن يسدَّ على نفسه ونظامه طوفان من الدعاية الثورية، التي كسبت مصداقيتها من شرعية المعركة. فهو لم يحاول أن يقيل الحكومة، ولا أن يستبدل وزراء أساسيين فيها، ولم يطلق حوارًا وطنيًا شاملاً في الداخل الليبي؛ لامتصاص الغضب الشعبي وتسوية الأوضاع السياسية في الداخل من حريات عامة، وتشكيل النقابات والأحزاب وتنظيم الانتخابات، بل سارع مباشرة إلى وصف المنتفضين بالجرذان، وتعامَلَ معهم بقسوة، وهو ما عقَّد من الموضوع، وجعل الخصومة أكثر حدَّة بينه وبينهم، بحيث لا تقبل إلاَّ منتصرًا ومنهزمًا، وهو الذي حدث بالضبط.
جماع القول، هو أن أنصار القذافي وأبناءه سيفهمون اليوم أن الولاء الصِّرف ليس وحده من ينصر في المعركة، لأنه قابل للاختراق والترهل والتقلب، وربما سيتذكرون ما كان يقوله المؤرخ الإغريقي الشهير بلوتاريخ عندما قال «كل النساء جميلات عندما تنطفئ الشموع».ففي السلم الجميع يُوالي، ولكنهم في الحرب ليسوا كذلك
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3337 - الأربعاء 26 أكتوبر 2011م الموافق 28 ذي القعدة 1432هـ
باختصار يوم المجرم قصير
باختصار شديد وواضح يوم المجرم الكاذب مهما تفنن في التزوير قصير وسينال عقابه ، وما الله بغافل عما يفعل الظالمون . والآيات القرآن كثيرة التى تدلل على ذلك في الكثير من المواقف والازمنة . ودائما ما يسهب او يجمل القرآن بأن الطغاة وان تعددت واختلفت خططهم لكنها كلها تؤدي في تدبيرهم الى التعجيل بهم للهاوية .
المحتل
الوشاية والخيانة موجودة في كل مكان ويمكن مشاهدة الوضع الفلسطيني لكي نعرف ذلك فكثير من الفسلطينيين ولدواعي المادة يتعاونون مع المحتل
نعم يبن عبدالله
من وشى بصدام وقبض الثمن من شهد ضد حسني مبارك وهو غارق من عطاياه من سرب للتونسيين مكان وجود كنوز زين العابدين المخفيه في مخازن سريه في جدران القصر ابليس ما يدليها وكلهم على هلموال ايام حرب العراق وايران كلما يأسروا اح جنود صدام وهو مدجج بلسلاح ايقول حاشا لله ما اطلقت ولا رصاصه علجمهوريه يتبرى من كل الجرائم في دقيقه عندما يسقط الدنيا قاينه قاعده ثمانيه اشهر على القذافي وحين اسره يسئل الثوار خير اشصاير معقوله هل الهبل
صحيح
أشكرك كانت مقارنة صحيحه. بن صالح